يسوع كلمة الله مع القديس يوحنا : ظهور يسوع للتلاميذ
 

 

ظهور يسوع للتلاميذ
20: 19- 23

من غفرتم له خطاياه تغفر له، ومن أبيتم له خطاياه، أبقيت له.
أقفل التلاميذ الابواب. وعاشوا في الخوف والعزلة. وفي هذا المحيط المغلق ظهر يسوع. هو قريب من البشر، هو حاضر لديهم رغم الحواجز التي تضعها نواميس الطبيعة.
مجيء يسوع هو ينبوع سلام. بعد القيامة كما في أيام حياته مع تلاميذه. قال: سلام عليكم. أعطاهم الخلاص والفرح والسلام. ثم إن آثار الصلب في يديه وفي جنبه لم تختفِ. إنها تشهد رغم الظروف العجيبة لظهور يسوع، أن الذي أمام التلاميذ ليس بشبح أو خيال، ليس شخصاً آخر. الذي صُلب يوم الجمعة قام يومِ الأحد. وهو حاضر لا كما كان خلال حياته على الأرض، بل بحضور آخر.
إنتهى حضور يسوع "بالطبيعة البشرية". ولكن الذي هو في وسطهم هو الرب. إمحّى الخوف. وعرف التلاميذ الفرح.
ليست الظهورات هدفاً في حد ذاتها. هي مرتّبة من أجل الرسالة. "كما أرسلني ابي". إن الأداة "كما" (في اليونانية) لا تدلّ فقط على التشبيه والمقابلة. بل هي تؤسّس الرسالة وتُجذّرها. أُرسل التلاميذ (صاروا رسلاً) ليكون عملهم امتداداً لعمل يسوع. هذه في المرة الأولى التي فيها يعطي يوحنا للأحد عشر لقب "الرسل".
وكما نفخ الله روح حياة على آدم (تك 2: 7)، وكما نزل الروح القدس على يسوع (1: 33- 34)، ها هو يسوع الذي جعله الله رباً، ينفخ قوة الروح على التلاميذ (14: 26). هذا الذي اختبر الموت يكشف عن ذاته الآن أنه سيد الحياة.
كانوا حتى الآن خائفين. فلبسوا قوة الله. وتصّرفوا كالله وكمرسله يسوع: هم يستطيعون أن يغفروا الخطايا. أي: أن ينقوا الناس من الخطايا بقدرة موت يسوع. لقد ربطهم الروح ربطاً وثيقاً بالله بحيث إنهم ساعة يغفرون وللبشر أو يبقون لهم خطاياهم، فالله نفسه هو الذي بهم يغفر الخطايا أو يبقيها.
نحن هنا أمام صيغة "المجهول الالهي". لا يذكر اسم الله. ولكن النص يدلّ على عمله. وهكذا نستطيع أن نترجم: "من غفرتم له خطاياه، غفر الله له. ومن أبقيتم له خطاياه أبقاها الله له".
إن مجيء الرب هذا قد تمّ في يوم الرب، يوم الأحد، يوم التجمّع الليتورجي لدى المسيحيين الاولين ولدينا. هو زمن مميّز لحضور الرب على جماعته، ووقت ليرسلهم إلى العالم. أمضوا بالسلام... أي انطلقوا في الرسالة. بعد أن عرفتم المسيح في هذا الاحتفال، إحملوه إلى الآخرين.
قال يسوع: "أنا أصلي للآب فيرسل لكم روح الحق". الآب والابن والروح القدس: نحن أمام عنصرة الثالوث. هذا ما نكتشفه في بداية أعمال الرسل: "فخرج من السماء فجأة دويّ كريح عاصفة... وظهرت لهم السنة كأنها من نار... فأخذوا يتكلّمون بلغات أخرى" (2: 1- 4). هذا هو المشهد العظيم.
وهناك المشهد البسيط: إجتياح حياة الثالوث في قلب كل معمّد بشكل سرّي، بشكل خفيّ. حين نسمع أن الروح "سيكون دوماً معكم". وأننا إن احببنا يسوع أحبنا الآب وجاء فأقام نينا. حين نسمع هذا، كيف لا نفهم أن الحياة المسيحية هي حياة حميمة مع الأقانيم الثلاثة. من كان يتخيّل أن يقيم الله فينا؟!
هي عنصرة متواصلة لكل مسيحي يجعله الروح يتحّد مع الآب والابن. ولكن هذا يتجاوز كل توقعاتنا بحيث نبقى على هامش الحياة. ولا نصدّق أنها ممكنة!
نحن بحاجة إلى مجهود إيمان، إلى إيمان واعٍ لكي ننفتح على هذا العالم الثالوثي: الابن يصلّي إلى الآب. والآب يرسل الروح. نحن نستطيع أن نعيش مع كل واحد، ونحن عالمون أننا متّحدون في الوقت عينه مع الثلاثة.
لقد كشف يسوع الستار ليرينا "عنصرتنا" الداخلية: "سيعلّمكم الروح كل شيء. سيذكّركم بكل شيء". كم يجب أن نتعمّق في دور الروح من أجل معرفتنا للمسيح. إنه المعلّم الداخلي الذي لولاه تبقى قراءة الانجيل خارجية فلا تحرقنا حريقاً يحوّلنا ويبدّل قلوبنا.
فالروح هو الذي اعطى الكلمة بداياته في مريم. والروح هو الذي دفع يسوع على طرقات الجليل فأتمّ المهمّة الموكولة إليه قولاً وعملاً. والروح نفسه هو الذي يجعل منّا سامعين حقيقيين ليسوع حين نصغي فيه إلى صوت الله.
لقد اصطدم يسوع بأولئك الذين رفضوا أن يسمعوا: "لماذا لا تصدّقوني؟ من كان من الله سمع كلام الله. ولكن بما أنكم لستم من الله، لذلك لا تسمعون" (8: 46- 47).
ونحن؟ هل نحن "من الله"؟ لا يستطيع واعظ ولا معلّم أن يعطينا هذه "الطبيعة الالهية" التي بدونها تبقى كلمات يسوع كلمات بشرية، نتقبّلها بسرعة وننساها بسرعة. نحن نحتاج إلى بشر يعلنون الانجيل. هذا ما لا شكّ فيه. ولكن عملهم لن يكون مفيداً إلا بقدر ما يكون السامعون "من الله".
هذا هو عمل الروح. هذه هي عنصرته. ونحن ننشد له: "هلمّ ايها الروح القدس"
أيها الرب الاله. الأرض تنتظر، فأرسل إليها روحك. أرسله على البشر في أربعة أقطار الدنيا، وألهمهم أعمالاً جديرة بالله. أرسله على المسيحيين ليكونوا واعين لحقيقة الانجيل. لعيش الانجيل. أرسله علينا لكيّ يذكّرنا بكلام الآب ليسوع: أنتم الأبناء الأحباء من الآن وإلى الأبد.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM