يسوع كلمة الله مع القديس يوحنا إحفظهم بإسمك
 

 

إحفظهم بإسمك
17: 11- 19

لا أطلب إليك أن تخرجهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير.
يشدّد يسوع في هذه الخطبة الوداعية على كيان المؤمنين العميق، على جذور رسالتهم. بما أن الآب هو قدّوس وبما أنه أرسل ابنه، قدوس الله (6: 69)، فعلى التلاميذ أن يستعدّوا لرسالتهم فيتقبّلوا القداسة نفسها التي تفرزهم من العالم حيث هم، من هذا العالم الذي ليسوا منه.
شدّد يوحنا في ف 15- 16 على التعارض بين التلاميذ والعالم. وها هو يستعيد هذا التشديد هنا فيقول: تركتكم في العالم، ولكنكم لستم من العالم. أعطاهم يسوع كلمته وأرسلهم إلى العالم. ولكن العالم لم يستقبلهم كما لم يستقبل يسوع. أرسلهم يسوع إلى عالم معادٍ وهو عارف بذلك.
في القسم الأول من الإنجيل، أرسل الآب إبنه إلى العالم ليخلّص العالم، غير أن خطبة الوداع تنفتح على فشل هذا اللقاء بين العالم ويسوع. فلم يبقَ هنا إلا الذين اختاروا أن يكونوا مع يسوع. وهكذا صار العالم يمثّل كل الذين مالوا عن يسوع ليخضعوا لسلطان هذا العالم (12: 31؛ 14: 30). هذا العالم الذي حُكم عليه ساعة حُكم على سلطان العالم (16: 11)، قد قُهر منذ الآن (1 يو 5: 4). ومهمّة المسيحيين المرسَلين إلى العالم على خطى يسوع، هي منذ الآن رسالته هو: إعلان الحرب على ملك أبناء الظلمة. التعرّض لذات الخطر الذي تعرّض له يسوع. وهذه العداوة ليست مأساوية. بل نعيشها في الفرح لأنّ يسوع يؤكّد لأخصّائه أنه انتصر، أنه غلب العالم.
إنتظرنا أن يُذكر الروح القدس هنا ذكراً واضحاً، لأن به ينال المسيحيون القوة والسلام في هذا العالم الذي يضطهدهم. ويمكن أن يكون الرجوع إلى الحقيقة قد ارتبط بالبارقليط (المعزّي، المشجّع، المحامي) الذي هو روح الحق.
وكرّس (قدّس) يسوع نفسه لأجلهم. ينطبق هذا التكريس على موت يسوع الذي فيه أعطى الحياة للمؤمنين (روم 8: 32). ولا يكون التكريس ممكناً إلا في موت يسوع وقيامته.
سمّيت هذه الصلاة (17: 1 ي) الصلاة الكهنوتية منذ كيرلس، أسقف الإسكندرية. أجل، يبدو يسوع كاهناً يقدّم نفسه ذبيحة من أجل الذين أوكله الله بهم.
"ليكونوا واحداً كما أنت أيها الآب فيّ وكما أنا فيك... لتكن وحدتهم كاملة. هكذا يعرف العالم أنك أرسلتني". فينبوع ونهاية المغامرة البشرية هو وحدة الله الثالوث، والاتحاد بين الآب والإبن والروح القدس. لهذا يجب على كل جماعة مسيحية عمليّة أن تكون موضع الحبّ الإنجيلى، موضع عائلة الله الجديدة، موضع ثورة إجتماعية في العلائق البشرية، موضع الأخوّة الشاملة.
أي شهادة تعطيه هذه الجماعات التي تكتفي بأن تمارس شعائر العبادة ولا تكون موضع علائق جديدة؟!
قال يسوع: "بهذه العلامة يعرف الجميع أنكم تلاميذي: حين تحبّون بعضكم بعضاً". (15: 16). العلامة الوحيدة التي تركها يسوع لاخوته فيرى الناس حضوره الجديد وسطهم، ليست تنظيمنا التراتبي، ليس جمال ليتورجيتنا، ليس تماسك عقائدنا، بل الحب المعاش والمستوى الرفيع لعلائقنا الأخوية اليومية.
نعيش كإخوة وأخوات. هذا هو أول إرتداد نقوم به. هذا هو أول عمل رسولي يقوم به المؤمنون: الحياة كإخوة هي بشرى عملية، هي عمل نبوي، هي رجاء من أجل جميع البشر.
والتبشير يتمّ أولاً عندما تشعّ الحياة الأخوية، عندما تنتقل كالعدوى. "أنظروا كم يحبّ بعضهم بعضاً".
ما يطلب منا اليوم هو أن نبني الأخوة الشاملة التي هي بذار ملكوت الله. إن الشيع تعمل على تجنيد رجال ونساء يدفعهم بحث روحي، وحاجة لكي يجدوا معنى لحياتهم، لكي ينتموا إلى مجموعات لا يكونون فيها "نكرة" كما هم في عالمنا الحديث. أين جواب رعايانا المسيحية على هذه الحاجة؟!
هل يطلب منا معاصرونا جواباً عن الرجاء الذي فينا؟ هل يتوجّهون إلى جماعاتنا المسيحية في بحثهم الديني؟ أين الحرارة البشرية، أين التعايش، أين تقبّل حياة الناس وآمالهم؟
هذا هو التحدّث الذي يرسله العالم إلى المسيحيين اليوم. فعلى كل جماعة مسيحية أن تكون رسمة بسيطة ولكن حقيقيّة لملكوت الله الذي رمى يسوع بذاره في أرضنا. وعبر علائقنا اليومية يظهر في قلب مدننا بعض من هذا الملكوت الذي يتطلّع إليه جميع البشر.
يا إله المحبة والوحدة، إليك نرفع صلاتنا وتسبيحنا. أنت يا من لم يَرَك أحد، تكشِف ذاتك لنا بابنك يسوع الذي مات وقام، الذي جاء إلى عالمنا لكي يعرّفنا إسمك. أرسلته إلينا لكي يخبرنا بحنانك ويعلّمنا أن نحبّ بعضنا بعضاً. بروحك وضع فينا الحبّ الذي به أحببته، فجعلنا جديرين بأن نكون شهوداً لك أمام العالم. الشكر لك يا الله.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM