أنا الكرمة الحقيقية
15: 1- 8
أنا الكرمة وأنتم الأغصان. من يثبت فيّ يأتي بثمر كثير.
حمل الثمار. هذا هو موضوع متتالية طويلة تمتد من ف 12 إلى ف 15. نحن بشكل ملموس أمام شيئين: الأول، الإهتمام بالفقراء (ف 12- 13). الثاني، الوصيّة "الجديدة"، وصيّة المحبّة الأخويّة. والخطأ هو أن نظن أن هذا هو حصيلة مجهودنا الشخصي. هناك قوة داخلية قويّة تعمل في الكرمة وتجعلها تثمر.
إذا أردت أن تربح، عليك أن تخسر. عليك أن "تشذّب". هذا ما يعرفه الكرّامون كلهم. فالطبيعة تعلّمنا الشجاعة والتجرّد. وقطع أمور عديدة في حياتنا، عمليّة خلاصيّة هامة. يجب أن تكون الأمور واضحة وصريحة. ولكن بطرس ظنّ نفسه نقياً، طاهراً، واضحاً. لقد أخطأ. لسنا أبداً شفّافين بما فيه الكفاية. نحن أنقياء بكلمة يسوع.
هذه الكلمة هي متطلبة جدّاً. "يجب أن يغسل بعضكم أرجل بعض" (13: 14). هناك أجزاء كاملة من حياتنا ستنهدم حين يمرّ "مقطع" الإنجيل. حين تقيم فينا كلمات الإنجيل، حين نتعمّق فيها، نتأمّلها وندخلها إلى أعماقنا، سنزيل كل ما هو غريب "ومتوحّش" فينا. وسنأخذ قوة جديدة نغذّيها بالصلاة.
نحن لا نبقى في يسوع إلا بصلاة واثقة، حارّة، دائمة. إذا اعتدنا على الصلاة... الصلاة تجعلنا نكتشف من جديد "المتوحّش" الذي روّضناه. نستطيع ان نترك ذواتنا تسير إلى الله الذي وحده يقوّينا. وخارجاً عنه نزعج حتى الأرض التي نجرجر قدمينا عليها. فالأغصان اليابسة يجب أن تُنزع وتُحرق في النار. هكذا نعتبر أننا أنهينا عملنا على أفضل ما يرام.
نجد في الكتاب المقدس أمثلة تحدّثنا عن حب الله الحاني الذي به يهتم بكرمته. ففي أشعيا (ف 5) نقرأ قصة حبّ جميلة. قصة رجل خاطر بكل شيء من أجل كرمته، فخاب انتظاره. ونجد المثل عينه في مت 21: 33- 45: وضع ملاّك قلبه كله في كرمته. ولم يوفّر أي تعب. وظلّ يظنّ رغم كل شيء أن الكرمة ستعطيه ثمراً.
والمثل الذي نقرأ اليوم (أنا هو الكرمة) يبدو أقل تشاؤماً، لأنه يتحدّث عن أغصان تُثمر. ولكن الإطار الذي قيل فيه هذا المثل هو دراماتيكي. يعرف يسوع أنه قد حُكم عليه بالموت. وهو يريد أن يتجنّب لتلاميذه التشتّت. إن ثمرة تماسكهم تظهر حين "يقيمون" في المسيح، حين يقيمون فيه على الدوام.
ونقول كما تقول العامة: لا نقطع الغصن الذي نجلس عليه. فمصلحتنا الحقيقية هي أن نبقى متجذّرين عميقاً في المسيح. والماويّة التي تتحرّك فتصل إلينا تنتج الأمانة. نحن نتسلّم نفوسنا دوماً من ينبوع الحياة الذي لولاه يكون كل شيء يابساً وميتاً.
كل شيء ينطلق من الآب الذي يعمل في العالم، وكل شيء يعود إليه في التمجيد. حين نبقى في المسيح، نكون له تلاميذ. نحن نتعرّف الى الروح حين نرى الكنيسة تنمو. ونتعرّف إليه في المحبة الأخوية التي نعيشها في الصلاة. هذه الصلاة هي ثمرة الكرمة. هي هذا الذي يتيح لنا الإتصال بالمسيح، ويبقينا في حالة الرغبة، ويذكّرنا أننا بدونه لا نستطيع شيئاً.
حمل الثمر. ردّة تتكرّر في التوراة منذ الوقت الأول الذي فيه نظر الله إلى آدم وحواء على أنهما ثمرة حبّه: "أنموا واكثروا" (تك 1: 22). ولكن خاب أمله مراراً. "إنتظرتُ من كرمي عنباً فأعطى حصرماً برياً". ولكنه سينتظر ثماراً منّا حتى النهاية.
هو ينتظر عنب الحبّ. سيفتخر الرب حين يرى ما اخترعه أولاده (السيارة...)، ولكنه لا يفتخر بحروبهم. خلقنا لكي نكون شعباً من الناس يحبّون بعضهم إلى الإبد. هذا هو الثمر الذي ينتظره.
وإن انطلقنا في هذه المغامرة ونحن متّكلون غلى قوانا الخاصة، على ماويتنا، لن نصل إلى نتيجة. نحن نحتاج إلى ماوية الله. هذا ما يريد يوحنا أن يعلّمنا اليوم. "فالغصن لا يستطيع أن ينتج شيئاً إن لم يثبت في الكرمة. أثبتوا فيّ، بدوني لا تستطيعون شيئاً".
وحين نتعلّق بيسوع، الكرمة الحقيقية، نحتاج أيضاً إلى الآب. فهو الكرّام الصالح الذي يعمل فينا. فالأحداث التي نتقبلها ونعيشها هي يداه. كم مرة يجدر بنا أن نقول: "مبارك أنت يا الله". ولا نتذمّر أو نتهرب.
عندما نتغذّى من الماويّة الطيّبة، ونشذَّب، يبقى علينا أن نثمر، يجب علينا أن نجعل حياتنا تثمر. هنا يأتي دور المجهود الشخصي. سيكون خصباً إذا كان واقعياً وحازماً. يكون واقعياً حين نزك أدوات الشرط (إن، إذا...). فحياة مبنية على أدوات الشرط لا تعطي ثمراً: لو كنت غير ما أنا عليه... لو كان الآخرون... لو كانت الحياة... كل هذا لا نفع منه. هناك سؤال واحد مفيد أطرحه على نفسي: في هذا الوقت، حيث أنا، وكما أنا، وكما هم الآخرون الذين أعيش معهم، أي ثمار حبّ يجب أن أعطي؟
وبعد أدوات الشرط، يبقى العدوّ الأكبر لخصبنا "غداً" (بكرا). هذه كلمة غريبة كلياً عن الإنجيل حيث نقرأ: "حالاً". متى نتحدّث عن السرعة؟ مثلاً يقول لو 1: 39: "ومضت مريم مسرعة إلى جبل يهوذا". وهكذا انطلق الإنجيل وستعطي الكرمة ثمرها.
وستعطي كرمتنا ثمرها حين نترك عدم القرار، والتراخي، والفكرة الغبيّة التي تعلن أن غداً سيكون أفضل من اليوم: الله هو إله اليوم الحاضر. وهو يدعونا اليوم لكي نشتغل فنجعل كرمتنا تثمر. اليوم نحن نسمع صوته.
نصلّي إليك يا رب من أجل كرمة الكنيسة. لتواصل عملها وتمدّ أغصانها. من أجل الأغصان اليابسة. ساعدها لكي تستعيد الماويّة والحياة. نصلّي من أجل الأغراس الجديدة التي هي كنائسنا الفتيّة في عالم الرسالات. أعطها أن تجد العمّال الذين تحتاجهم. من أجل الأغصان الفتية في جماعتنا. من أجلنا نحن الأغصان في كرمتك. نصلّي لنبقى متحدين بك ولنعطي ثماراً ترضي أباك السماوي، ذك الكرّام الذي يعتني بنا ولا يتعب.