الوعد بالروح القدس
14: 15- 22
سأطلب من الآب أن يعطيكم معزّياً آخر يبقى معكم إلى الأبد.
الروح القدس هو المعزّي الآخر. والمعزّي الأول كان يسوع نفسه كما في 1 يو 2: 1.
يتحدّث النص عن البارقليط، أي المحامي والمدافع والمشير والمعزّي. فالقيمة القانونية للّفظة تلمّح إلى المسيحيين الذين يقفون أمام المحاكم. كان يسوع قد حدّث تلاميذه عن الروح الذي يساعد تلاميذه المتّهمين (لو 2: 12). وخلال حياته على الأرض دافع عن أصدقائه كل مرّة اتهمهم أحد. هنا نتذكّر حادثة فرك السنابل يوم السبت (مت 12: 1).
همّ يسوع الأكبر تجاه تلاميذه هو أن يكون حاضراً، أن يدافع، أن يقدّم النصح، أن يتكلّم باسمهم. والآن وقد ترك هذا العالم، جاء الروح "وأخذ المشعل". حتى وإن كنا لا نراه، فنحن نحسّ بنتائج الخير التي يمنحها حضوره. هذا ما نعنيه حين نتحدّث عن "العزاء": حضور صامت كلّه انتباه. جلوس بقرب الذي يعيش الضيق والألم.
والتعزية (= والتشجيع، والتحريف) التي يتحدّث عنها مراراً أعمال الرسل، هي امتداد لعمل يسوع بالروح في الكنيسة. سيتجلّى يسوع أيضاً بهذا الروح "الذي يحلّ محلّه"، شرط أن يحفظ التلاميذ وصاياه. نحن أمام التعليم الإنجيلي بشكل عام وأمام الوصيّة "الجديدة".
حين تحلّ حالة الرعب، يجب أن نعقد الخناصر ونبدأ بمحبة بعضنا بعضاً. إذن يدعو يسوع بصورة مؤثّرة أصدقاءه ليبقوا أمناء له في وقت المحنة. لا يجب أن يتشتّتوا ساعة يبدو وكأن كل شيء قد ضاع. لا، لم يضع شيء وإن قام العالم بهجوم مضادّ. فالعالم هو عكس الروح. إنه المتّهم. هناك روحان يتقابلان (1 يو 4: 6): روح الظلمة ورح الحق.
إن روح الحق يتابع عمل الوحي الذي بدأه يسوع. بل هو يقود الرسل إلى الحقّ كلّه. أجل، إن الوحي يتواصل، ويقوم الروح بعمل تذكير وتعميق. كان حاضراً يوم كان يسوع حياً. أما الآن فحضوره هو من نوع آخر. هو يخلف نفسه بنفسه. في هذا المعنى، يبدو البارقليط الآخر ظهوراً جديداً لامكانيات تدخّل مختلفة. ومهما يكن من أمر، فحقل نشاطه يتّسع ويأخذ كل المكان الذي تركه يسوع.
صلّى يسوع لكي يتمّ هذا. فهو يعرف أن تلاميذه مهدّدون. هم كاليتامى. غير أن الروح الحاضر فيهم ليس "قطعة غيار" لوقت الحاجة فقط! إنه قوّة داخلية تجعلنا نحسّ أننا محبوبون ومعروفون لدى الآب. وكما أن عمله هو امتداد لحياة نالها المسيحيون في المعمودية، وكما أنه اعاد الحياة إلى المسيح، هكذا يجعل المسيح حاضراً اليوم في الكنيسة وفي العالم. يرى المؤمنون حضوره بما يتحقّق فيهم. وهو يقوم بتحوّلات مدهشة. وبهم يستطيع الناس أن يتعرّفوا إلى يسوع. فهم يشبهونه شبهاً يكاد يكون تاماً بفضل الروح الذي ينعشهم بديناميته.
قال يسوع: "إن احببتموني كنتم أمناء لوصاياي". الحب تجاه الوصايا! هل هناك توافق بين الاثنين؟!
هناك توافق إذا جعلنا كلمة "وصية" في صيغة المفرد. حينئذ نكون في المحبة. قال يسوع: "لا أعطيكم إلاّ وصيّة واحدة: أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم". إذا تفحّصنا هذه الأداة "كما" لن نجد تعارضاً بين الوصيّة والمحبّة. حين نحبّ "كما" يسوع يحبّ، ندخل في حبّ واحد يجري كالشلال: "كما أحبني الآب كذلك أنا أحببتكم. كما أحببتكم أحبّوا بعضكم بعضاً" (يو 15: 9، 12).
نحن نفسرّ معجزة الحبّ الوحيد حين نضع حبّ الله قرب حب القريب وكأنهما شيئان مختلفان. نقول: يجب أن أحبّ الله. يجب أن أحبّ أخوتي. فحرف العطف (و) يخلق لنا المشاكل فنتساءل: هل أحبّ الله أم القريب؟ هل أتفرّغ للصلاة أم للرسالة؟ ماذا أختار، الصلاة أم الالتزام الاجتماعي؟
ويأتي جواب يسوع مع حرف الجر "في". "أنا في أبي. أنتم في أبي. وأنا فيكم". هذا الحرف (في) هو سر الوجود المسيحي: إنه يدعونا الى الدخول في الحبّ، في الحبّ الوحيد، وأن نبقى فيه.
في هذا الحبّ تُولد أعظم أشكال الجوع في الحياة المسيحية: جوع إلى الاتحاد بالله. جوع إلى الصلاة. جوع إلى القداس. ولكن يحكم على هذا الجوع اندفاع الحب نحو الأخوة. حبّ هو جدّي حين يكون عطاء ومساعدة ملموسة. وهكذا يصبح "وصيّة"، لأن المحبة الأخوية واسعة غير أنها تضيع سريعاً في الأحلام. نتكلّم عن المحبة بصورة عامة، وننسى أن نحبّ جارنا في العمل...
يقول لنا يسوع: حين تحبّ أخاك تحبّني أنا. هناك رباط بين الله والقريب، ونحن نقطع هذا الرباط. متى نصل إلى هذه الحقيقة؟ نحن لا نحبّ يسوع وأخوتنا (مع واو العطف)، بل نحبّ يسوع حين نحبّ أخوتنا، ونحبّ أخوتنا حين نحبّ يسوع. إذا احببتموني كنتم أمناء لكل نداءات الحب.
في يسوع نمتلك صورة عنك يا رب. بروحك طبعت هذه الصورة في قلوبنا. في يسوع لنا مدافع ضد قوى الشّر. بروحك نطرد الشياطين التي تهاجمنا. في يسوع نشاهد ابنك الوحيد. بروحك صرنا أبناء بالتبنّي وناديناك أبّاً، أيها الآب. في يسوع نلنا كلمة الحياة. بروحك أعطيت لنا هذه الكلمة لكي نعلن الإنجيل. في يسوع بلغنا إلى الحقيقة الآتية من عندك. بروحك نصل إلى الحقيقة كلّها. لهذا يمتلىء قلبنا فرحاً فننشد لك نشيد الثقة والرجاء بأنك ستجدّد بروحك وجه الأرض.