يسوع كلمة الله مع القديس يوحنا :الوصية الجديدة

الوصية الجديدة
13: 31- 35

أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم فيعرف الناس أنكم تلاميذي.
في القسم الأول من خطبة الوداع، يهوذا الخائن هو حاضر في الجماعة. وحين يخرج، يصبح يسوع وحده مع "أبنائه الصغار". ولفظة "الآن" لا تُفهم فقط بذهاب يهوذا وبانطلاق الساعة التي تصبّ في الخيانة. ساعة يسوع تعني تمجيده على الصليب، حيث سيجتذب إليه الجميع.
في آ 32- 33، يستعمل فعل "مجّد" خمس مرّات (4 مرّات في بعض المخطوطات). وصيغة الفعل تدلّ على الدقة، تدلّ على مسيرة يسوع التاريخية التي تجد ذروتها في الآلام. وصيغة المستقبل في فعلين ترجع بنا إلى عودة الإبن إلى أبيه، كما إلى تمجيده قي نهاية الأزمنة. ويُستعمل لقبُ يسوع "إبن الإنسان" بصورة خاصة في القسم الأول من الإنجيل. أما هنا فيشدّد على أن الإبن المجيد الذي أعلنه دانيال، يحقّق رسالته حين يمرّ في الآلام.
إستعاد يسوع جزئياً من أجل تلاميذه إعلاناً قاله مرتين لليهود: "حيث أذهب لا تستطيعون أن تأتوا" (7: 33- 34؛ 8: 21). ولكن القرينة تبدّلت: فاليهود يرون في هذا الإنفصال إنقطاعاً نهائياً بسبب خطاياهم. أما التلاميذ فيرون في هذا الغياب الذي لا مفرّ منه والذي يثيره ذهابه الى الآب، يرون فيه شيئاً مؤقتاً (قال يسوع لبطرس: ستتبعني فيما بعد، 13: 36). بالإضافة إلى ذلك، يرافق هذا الإنفصال كلمة تحبّب: "يا أولادي الصغار". هي طريقة يودّعهم بها. وبرنامج يتمّه. نحن هنا كما في وليمة يتعاهد فيها الناس، أو يعلن فيها أحد الشيوخ وصيّته. عليهم "أن يحبّوا بعضهم بعضاً" كما أحبّهم يسوع.
نستطيع أن نقول: يجب أن يكون هذا الحبّ قوياً (أحبّ يسوع حتى الغاية، 13: 1). يتوجّه هذا الحبّ أولاً إلى الأخوة المؤمنين. عرض يسوع تبادلاً في الحبّ لا يتوجّه إليه كما كنا ننتظر (مثلاً، أحبّوني كما أنا أحببتكم)، بل يسير بشكل أفقي، يتوجّه إلى التلاميذ.
وهذا الحبّ يتجذّر في حبّ الإبن للبشر. هو حبّ "لاهوتي"، "إلهي". يكشف عن علاقة الحب بين الله الآب وابنه، وهي علاقة ظهرت في حياة يسوع ومواجهته للموت. هذا الحبّ يدلّ على يسوع الذي ما زال يحرّك البشر حتى بعد ذهابه (بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي).
نحن أمام وصية "جديدة". ليست جديدة بمعنى أنها جاءت بعد أمور أخرى. إنها جديدة لأنها صفة العهد الجديد (إر 31: 31). الذي تحدّث عنه لو 22: 20.
أفضل شيء نقوم به بعد قراءة هذا الإنجيل، هو أن نكرّر كلمات يسوع: "أحبّوا بعضكم. هكذا تبرهنون أنكم تلاميذي". ثم نختفي في الصمت ونتساءل: في هذا الوقت، ماذا أبغض؟ ماذا أرذل؟ ماذا أنسى؟
لا نجد الحبّ سائراً على الطريق. بل ما نجد هو إنسان يحبّ أو لا يحبّ. ونحن نرى كيف يحبّ أو لا يحبّ. لا نستطيع أن نجعل في الماء رجلنا إذا كنا حذرين. علينا أن نغطس. لن ننجح في أن نحبّ دائماً وحسناً، ولكننا نكون قد رفضنا بأن نبقى خارج الحبّ.
يقول يسوع: "أحبّ مثلي". كان كلّه في الحبّ. كان كله حباً. ولكن نقول: هذا يستحيل علينا! لا، بل هو ممكن لأن يسوع يطلبه منا. إنه لا يتلاعب بإمكاناتنا. إنه يعرف أن علينا أن نتقدّم وأن ذلك ممكن.
ولكن كيف نتقدّم؟ نحبّ إخوتنا مثل يسوع. نحبّهم كلهم. نحبّهم دوماً، ولا نضع شروطاً لحبّنا. لا نختار. لا نملّ. نمتنع عن أدوات مثل "إذا" أو "ولكن". كيف يمكن هذا؟ فبحركتين متكاملتين: لا نخترع "تفسيحات" لكي لا نحبّ. ونطلب دوماً نعمة الحبّ: علّمني يا يسوع أن أحبّ.
ونقول: هذه أحلام! نعم، تبقى أحلاماً ما دمنا لم نحاول. المشكلة في حياتنا المسيحية هو أننا نعرف ما يجب أن نفعل، ولكننا لم ننتهِ من الدرس لكي نؤخّر الوقت الذي فيه نقول: الآن أبدأ. الآن أحاول. بدأت أبغض فلاناً. لماذا "أجترُّ" هفواته؟ إبدأ بخطوة بسيطة، بكلمة، بابتسامة، بخدمة.
ونقول: "هذا ترقيع"! المحبة الحقيقية هي محاولات متتالية. ننجح اليوم، نفشل غداً. تسير الأمور حسناً مع فلان، وتستاء مع فلتان. ولكننا لا نتوقّف. ولا نبرّر عدم حبّنا. ونصلّي ولا نملّ. نطلب من يسوع النعمة لكي نحبّ. وساعة يبدأ ألف مسيحي ومليون مسيحي معركة الحب، فهم يبرهنون على أن الحبّ ممكن. وأننا هكذا ندلّ على حضور المسيح في العالم.
نسألك أيها الرب باسم يسوع. هب الشجاعة للمسيحيين ليبقوا في المحنة ثابتين في الإيمان. أرسل روحك القدوس ليرى البشر طريقة حياتنا فيكتشفوا الينبوع الذي يحبّنا. وأعطِ المسؤولين على كل الصُّعُد أن يفهموا أن الحبّ وحده يخلّص.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM