الفصل الخامس والعشرون إستعمال المعجزات في الأناجيل

الفصل الخامس والعشرون
إستعمال المعجزات في الأناجيل في
أحد كتب التعليم المسيحي
الأخت أنطوانيت عربش
من راهبات القلبين الأقدسين

يندرج التعليم الديني في سورية ضمن مناهج التعليم الرسمي ويشكّل مادة إمتحان رسمي في معظم الأقسام إبتداء من الصف الثالث الإبتدائي وحتى الصف الثالث الثانوي (بكالوريا). وَضَعت محتوياتَه لجنةٌ مسكونية أوكِلت أمانةُ السر فيها إلى حضرة الأب فيكتور شلحت اليسوعي، وتضم ممثلين عن مختلف الطوائف المسيحية في سورية (الروم الأورثوذكس، السريان الأورثوذكس، الكنيسة الإِنجيلية، والطوائف الكاثوليكية) وبتكليف من وزارة التربية. بدأت هذه المناهج بالصدور لأول مرة إعتباراً من العام الدراسي 1967- 1968 وما زالت متداولة في المدارس حتّى يومنا هذا. كما وقامت اللجنة المركزية للتعليم المسيحي في سورية بوضع كتاب "أتعرّف إلى يسوع" للصف الأول الإعدادي، أشرفت على تحقيقه وتنفيذه جمعية التعليم المسيحي بحلب وبإشراف الأب فيكتور شلحت، وقد ظهرت الطبعة المنقّحة لكتاب المربّي عام 1991، ودفتر النشاطات الدينية للطالب عام 1992. وقد استُوحيت مفردات الكتاب من البرنامج الصادر عن مجلس بطاركة وأساقفة الطوائف الكاثوليكية في لبنان.
ورد موضوع المعجزات في الباب الثالث من كتاب "تعاليم الديانة المسيحية" للصف الأول الإعدادي الذي طُبع لأول مرة عام 1972 - 1973. تتوسط المعجزات المنهاج، فتسبقها بصورة عامة دروس في العقيدة المسيحية، وتليها التطويبات ثم الكرازة الرسولية. يتضمن هذا الباب دراسة أربع معجزات هذا مضمونها:
1) سير يسوع على المياه (متّى 14/22-33).
2) شفاء المعذّب المصاب بالصرع (مرقس 9/ 14- 28).
3) الصيد العجائبي (لوقا 5/ 1- 11).
4) قيامة لعازر (يوحنّا 11/ 1- 44).
أما كتاب "أتعرّف إلى يسوع" الذي تصدره جمعية التعليم المسيحي بحلب فيتضمن 19 لقاءً، تندرج العجائب بينها في اللقاءين 16 و 17 لتوضح عمل السيد المسيح الخلاصي. وذلك بعد أن يكون الطالب قد تعرّف إليه كمخلص إنتظرته الشعوب وهيأت له شخصيات العهد القديم، كمخلّص أعطانا تعاليمه في الإنجيل (التطويبات) وأعلن عن حلول الملكوت بالأمثال والعجائب.
ما سنعرضه هنا هو منهاج التعليم المسيحي للصف الأول الإعدادي إنطلاقاً من الطبعتين الرسمية والخاصة.
ففي المنهاج الرسمي، يتلّقن الطالب العقائد الأساسية المتعلّقة بالملكوت والنعمة الإلهية والمجيء الثاني للمسيح والحياة الأبدية (الباب الأول). ثم يتعرّف الطالب إلى بعض الأمثال التي توضح علاقات الإنسان بالله وبأخيه الإنسان (المديون القاسي القلب- المدعووين إلى العشاء- الوزنات والكرامين القتلة) (الباب الثاني). بعد هذا يندرج موضوع العجائب الأربعة المذكورة أعلاه (الباب الثالث) وتليها التطويبات (الباب الرابع) وأخيراً الكرازة الرسولية (الباب الخامس). أما تسلسل اللقاءات في المنهاج الحديث فقد ذكرناه أعلاه.
لا شك في أن هناك إرتباطاً وثيقاً بين موضوع العجائب وسائر موضوعات المنهاج ولو أن التسلسل في المنهاج الحديث بدا أكثر منطقية مما هو في البرنامج الرسمي. فالعجائب مرتبطة دائماً بتعاليم السيد المسيح (التطويبات)، وهي علامات بأن مجيء ملكوت الله وشيك لا بل إن هذا الموعد قد حلّ بمجيئه. وقد نقول: يشبه ملكوت السموات أعجوبة كذا وكذا...

كيف عالج المؤلفون موضوع العجائب؟
يبدأ الباب الثالث للكتاب بتمهيد يلخّص في أربع نقاط ما تتوسَّع فيه الدروس:

اولاً: ما هي الأعجوبة؟
إنها حدث خارجي وحسي يلاحظه الجميع ولا يستطيع أحد أن يفسّره تفسيراً علمياً. لا يقدر أن يأتي بها إلاّ الله وحده.

ثانياً: عجائب السيد المسيح
تقسم العجائب إلى أربعة أنواع:
1) السيطرة على عناصر الكون: المشي على المياه- تهدئة العاصفة- الصيد العجائبي.
2) طرد الأرواح الشريرة: المعذّب المصاب بالصرع.
3) شفاء المرضى: فتح عيون العميان، وإقامة المقعد.
4) إحياء الموتى: لعازر، إبن أرملة نائين.
أما أعظم عجائب يسوع ومفتاحها فهي قيامته بقدرته الإلهية من بين الأموات في اليوم الثالث ودعوته إيّانا إلى حياة جديدة. وقد خصِّص لهذا الموضوع لقاء موسّع لا في المنهاج الرسمي بل في الكتاب الجديد "أتعرّف إلى يسوع" الذي صدر بعد عشرين سنة مثقلاً بخبرةِ واضعيه المنهجية والتربوية.
ثالثاً: لماذا صنع يسوع العجائب؟
1) عجائب السيد المسيح تبّين أنه إبن الله.
2) توضح أقواله وتعاليمه.
3) تشير إلى حضور الملكوت بين البشر.

رابعاً: العجائب والإيمان.
العجائب التي صنعها يسوع هي علامات وإشارات تدعو الناس إلى الإِيمان به. إنه المسيح المنتظر، إنه إبن الله، لكنّها لا تولِّد الإِيمان بصورة آلية. فلا بدّ من أنِ يكون المُشاهد لها مستعداً لقبولها منفتحاً على الله مرحّباً بنعمته لكي تفعل فيه. فالسيد المسيح كان يصنع العجائب أمام الجماهير لكي يحرِّضَ النفوس المنفتحة على الإيمان بشخصيته الإلهية، وليثّبت في الإِيمان من توافرت فيهم إستعدادات التقرب إلى الله والإستسلام له. لقد قال لكل من شفاه: "إيمانك خلّصك، أبرأك" (لوقا 8/ 48). أمّا من لم تتوافر لديهم هذه الإستعدادات فكان يسوع يرفض أن يصنع لصالحهم أية معجزة أو آية: ففي الناصرة لم يصنع كثيراً من القوات من أجل عدم إيمانهم (متّى 13/ 58).

المنهجية أو الأسلوب في شرح العجائب
تكاد الخطوات الرئيسية المتّبعة تتشابه في عرض العجائب الأربع التي يتضمّنها المنهاج الرسمي. لذا سنقتصر على ذكر النقاط الهامة والمغزى المقصود من كل معجزة.
النموذج الأول: السيطرة على عناصر الكون: سير المسيح على المياه (متّى 14/ 22- 33)
1) تحليل المعجزة وتقسيم النص إلى أربعة أجزاء أو مشاهد:
أ- صلاة يسوع على الجبل ومجابهة التلاميذ للعاصفة.
ب- سير يسوع على المياه وذعر التلاميذ.
ج- سير بطرس على المياه وارتيابه وغوصه في الماء.
د- إعتراف التلاميذ بأن يسوع هو إبن الله.
2) المغزى: يعلّمنا يسوع من خلال هذه المعجزة أموراً روحية عديدة أهمها:
أ- إن حياة المسيحي تكتنفها الشدائد، لكن لا داعي للخوف والقلق لأن المسيح يسهر علينا.
ب- إن المسيح سيد العناصر الطبيعية والمتمكن من السيطرة عليها.
ج- إن الإِيمان بالمسيح يمكّن المسيحي من القيام بأمور مستحيلة في حين أن الشك فيه يوقعه في الأزمات.
د- إن المسيح هو إبن الله.
3) الخلاصة العملية:
بعد توسيع النقاط الأربع المذكورة ينتهي الدرس بخلاصات عملية توجيهية وبعض النصائح الخلقية تليها أسئلة لترسيخ المعلومات وإتخاذ المواقف الشخصية.
لا شك في أن الأسلوب المتبع في شرح هذه المعجزة وغيرها كما في بقية الدروس، هو أسلوب تعليمي مألوف يعتمد على تلقين الطالب التعاليم الدينية التي تنطوي عليها النصوص. إلاّ أنه لا يترك للطالب أية فرصة لاكتشاف أبعاد الأعجوبة في حياته الشخصية، أو ما ترمز إليه في حياة يسوع وتعاليمه. فأعجوبة تهدئة العاصفة (والسير على المياه) مثلاً تبرز لنا رمزية المياه التي تجرف معها الشر وتذكرنا بانتصار الله على الخواء في التكوين، كما تذكرنا بأحداث الخروج (البحر الأحمر والأردن).
النموذج الثاني: طرد الأرواح الشريرة: المعذَّب المصاب بالصرع (مر 13/9- 28).
1) تحليل الأعجوبة: نقسمها إلى ثلاثة أقسام:
أ- وصف حالة الصبي النفسية وعجز التلاميذ عن طرد الروح الشريرة.
ب- توسل والد الصبي إلى يسوع وإيمانه به.
ج- طرد يسوع للروح الشريرة المستولية على الصبي وسبب عجز التلاميذ.
2) المغزى: يتضمن أموراً دينية عديدة أهمها:
أ- إن عجز التلاميذ ناتج عن قلة إيمانهم.
ب- إن ليسوع سلطاناً على الشيطان والخطيئة.
ج- إنه لا بدّ من الإِيمان والصوم والصلاة للتغلّب على الشيطان في التجارب.
3) الخلاصات العملية والأسئلة.
هذا ما نجده في المنهاج الرسمي الذي يتبع نمطاً معيناً في عرض المواضيع.
أما في الكتاب الحديث "أتعرّف إلى يسوع"، فنلاحظ أن الأسلوب المتبع يختلف تماماً عن سابقه، لكن المغزى واحد في جوهره، حياتيّ في انعكساته.
فبعد تحديد الهدف في عرض هذه الأعجوبة وهو أن يلمس التلميذ قدرة يسوع على روح الشر والخطيئة، وأنه لا بدّ من الإِيمان والصوم والصلاة للتغلب على الشيطان في التجارب، يتبع المربي خطوات اللقاء بأسلوب حيوي يعتمد طرح الأسئلة مفتاحاً لمشاركة الطالب في فهم النص الإنجيلي وانعكاس صداه في حياته الشخصية.
4) عناصر الموضوع:
أ- حالة المريض المصاب بالصرع.
ب- عجز التلاميذ الناتج عن قلة إيمانهم وتأنيب السيد المسيح لهم.
ج- ثقة الأب بالسيد المسيح وأهمية الإِيمان للحصول على نعمة المعجزة.
د- المعجزة وحالة المريض المعافى حيث يبين المربي أن معجزة يسوع دليل على حضور الملكوت بيننا بقدرته على السيطرة على روح الشر والخطيئة، وعلى اشاعة الحياة والفرح.
هـ- الصوم والصلاة شرطان أساسيان للتغلّب على الشر والخطيئة.
وأخيراً يحمل المربي التلميذ تدريجياً ومن خلال الأسئلة والنشاطات المختلفة على إستخراج.
الخلافات العقائدية: إن يسوع هو المسيح إبن الله، وله سلطان مطلق على الشر والخطيئة، وإن ملكوته حاضر بيننا.
والخلاصات الحياتية: قد يكون في كل واحد منّا روح أبكم، فماذا يشعر لو يقف أمام يسوع ليحدّثه عن هذا الروح ويستقبل خلاصه في حياته.
نلاحظ من عرض الأعجوبة ذاتها في المنهاجين الرسمي والخاص أن هناك إختلافاً في الأسلوب فقط. ولا عجب من ذلك، لأن المنهاج الرسمي المعد منذ أكثر من عشرين سنة له طابع مدرسي يخضع الطالب فيه للإمتحان الخطي وتحصيل العلامات، وقد يوكل تعليم المنهاج إلى معلمين غير مختصين (وغالباً غير ممارسين دينهم) ان على الصعيد الديني أو المنهجي والتربوي والكرازي. أما المنهاج الخاص وقد أعدّ مؤخراً بعد سنين طويلة من الخبرة والممارسة، فهو عبارة عن لقاءات يحضّرها بصورة واضحة كل من المربي والتلميذ ويشتركان معاً في اكتشاف المغزى الروحي والكتبي والحياتي للأعجوبة أو المثل... بالإضافة إلى ذلك لا توكل مهمة تنشيط الدروس إلاّ لمن تهيأ لمثل هذه المهمة في إطار مركز تأهيل ديني تشرف عليه السلطة الكنسية من خلال ابنة المركزية للتعليم في سورية وما ينبثق عنها من جمعيات أو لجان محلية.
النموذج الثالث: الصيد العجائبي (لوقا 5/ 1- 11)
ترتبط أعجوبة الصيد العجائبي، وهي الثالثة في المنهاج الرسمي، بدعوة التلاميذ الأولين وترتبط بإطار التبشير: إزدحم الجمع على يسوع لسماع كلمة الله. ولمّا انتهى تمّت الأعجوبة في إطار هذا التعليم لتعزِّزه، وتبّين لنا قدرة كلام يسوع وسلطانه المطلق.
1) أجزاء الأعجوبة: تتلخص في ثلاثة مشاهد:
أ- بطرس ورفاقه يكدُّون طوال الليل دون أن يُصيبوا شيئاً.
ب- بناءً على كلمة يسوع يلقون الشبكة، ويصيبون سمكاً كثيراً.
ج- يسوع يَعِد بطرس بأن يجعله صياداً للناس فيترك التلاميذ كل شيء ويتبعونه.
2) المغزى: تعلّمنا الأعجوبة أموراً دينية أهمّها:
أ- قدرة كلمة يسوع وأهمية الإصغاء إليها.
ب- الثقة بيسوع والطاعة لأوامره.
ج- ضرورة إتباع يسوع الذي يدعونا لنساهم معه في نشر ملكوت التوبة والمحبة والسلام.
3) الخلاصة العملية: يسوع يدعوك... عليك أن تستجيب لدعوته وتعمل معه لبث روح المحبة والأخوّة والتسامح في محيطك.
هذا ما ورد في المنهاج الرسمي، أما إذا ذهبنا إلى العمق فنحن نكتشف أن كلمة الله هي الفاعلة لا بل المسيح هو "كلمة الله" الفاعلة ولا أخرى سواها. "لقد تعبنا الليل كله... لكن بكلمتك القي الشبكة". ونتساءل: ألم يكن السمك الكثير علامة تدل على مجانية الخلاص ووفرته لمن يسمع كلام الله ويعمل به؟
النموذج الرابع: إحياء الموتى: قيامة لعازر (يوحنا 11/ 1- 44).
1) الأجزاء: تقسم الأعجوبة إلى ثلاثة أقسام أو مشاهد:
أ- يسوع يؤجّل ذهابه إلى بيت عنيا.
ب- يسوع يتحدّث مع مرتا ومريم.
ج- يسوع يقيم لعازر.
2) المغزى: يركّز على ثلاثة نقاط:
أ- إنسانية يسوع. إنه الصديق المحب الذي يؤاسي أصدقاءه ويساعدهم. لقد بكى على لعازر وتأثر لمنظر أرملة نائين، وأعاد الطمأنينة والثقة إلى تلاميذه بعد القيامة.
ب- يسوع هو القيامة والحياة وله سلطان مطلق على الموت والحياة. فهو يُخرج لعازر من القبر، ويقيم إبن الأرملة، وينهض إبنة القائد يائير فوراً بعد أن لفظت النَفَس الأخير. "فكما أن الآب يقيم الموتى ويحييهم كذلك الإبن يحيي من يشاء"، (يوحنّا 5/ 21). "أنا القيامة، من آمن بي وإن مات فسيحيا".
ج- يسوع هو القيامة وضمان لقيامتنا. وهنا ندخل في جوهر إيماننا المسيحي الذي يصبح باطلاً إن لم نؤمن بقيامته. فقيامة لعازر إشارة مسبقة إلى قيامة السيد المسيح لا سيّما وأنها جرت بضعة أيام قبل الصلب والموت والقيامة.
يسوع يربط بين القيامة وبين الإِيمان به: "أنا القيامة". "من آمن بي". يسوع يحض التلاميذ على الإِيمان به: "إني أفرح أني لم أكن هناك لتؤمنوا". إنه القيامة، إنه مرسل من الآب: "قلت هذا لأجل الجمع الواقف حولي ليؤمنوا أنك أنت أرسلتني".
لم يتطلّع السيد المسيح فقط إلى قيامة لعازر بل أراد في هذه المناسبة أن يعلن لتلاميذه وللجمع أنه هو القيامة، وانه مرسل من الآب، وأن عليهم جميعاً أن يؤمنوا به لتكون لهم الحياة.
على هذه التعاليم القيمة يطوي المؤلفون صفحات الباب الثالث للكتاب ليفتحوها على باب التطويبات دون أية إشارة إلى الإرتباط القائم بين عجائب السيد المسيح وحدث قيامته العجيبة اْلذي يعطي هذه العجائب معناها الصحيح. هذا ما نجده موسعاً في الكتاب الجديد "التقي بيسوع"، في اللقاء السابع عشر.
النموذج الخامس: عجائب يسوع والحياة الجديدة.
1) الهدف: أن يفهم التلميذ ان القيامة مفتاح ويكشف عن المعنى الحقيقي لأعجوبة خروج الشعب من أرض مصر، وأن يدرك مدى العلاقة بين القيامة وعجائب يسوع، وبين القيامة والعجائب المستمرة في الكنيسة.
2) خطوات اللقاء:
- حدث حياتي، وأسئلة، وتدوين أجوبة.
- القيامة وعلاقتها بخروج الشعب من مصر: إن خروج يسوع من القبر يذكّرنا بخروج شعب الله من أرض مصر، وهو رمز لقيامة المسيح مع كل ما تحمّل من أجل خلاصي. إنه خروج الشعب من الموت إلى الحياة، وتجسيد لمحبة الله التي لا تكتفي بأن تنقله من أرض إلى أخرى، إنّما تسعى إلى إحياء ما في قلبه من جوانب ميتة ونقل قلبه من حالة الظلمة إلى حالة النور.

الأضواء التي تسلطها القيامة على عجائب يسوع
أ- قيامة يسوع عمقّت إيمان الرسل بشخصه وشهرت عجائبه: "يا رجال إسرائيل، إن يسوع الناصري الذي أيّده الله لديكم بما أجرى عن يده بينكم من المعجزات والأعاجيب... أقامه الله وأنقذه من أهوال الموت" (أعمال 2/ 22).
ب- القيامة جعلت الرسل يشهدون جهاراً للمسيح ولمحبته للبشر التي ظهرت من خلال عجائبه: تسكين العاصفة، السير على المياه، الولد المصاب...
ج- القيامة أعطت الكنيسة القدرة على قراءة الآيات وفق إيحاءات الروح المتنوعة: "وأما قائد المائة والرجال الذينٍ معه يحرسون يسوع فإنهم لمّا رأوا الزلزال وما حدث، خافوا خوفاً شديداً وقالوا: "كان هذا إبن الله حقاً" (متّى 27/ 54).
د- القيامة أعطت الناس الذين عاشوا مع المسيح الإِيمان ليعترفوا جهاراً أنه إبن الله حقاً.

القيامة والحياة الجديدة: القيامة والصعود- القيامة والعنصرة.
1) في ضوء القيامة لا بدّ من أن نرى في صعود المسيح، وهو خروجه من هذا العالم إلى الآب، فعل محبة غايته منح المؤمنين نعمة التمتع بالحياة ورؤية مجد الآب: "وأنا ان ارتفعت عن الأرض جذبت إليّ الجميع" (يو 12/32). ما هو هذا المجد؟
- هو قدرة الله على غفران الخطايا: ولقيه يسوع في الهيكل فقال له: "قد تعافيت فلا تعد إلى الخطيئة لئلاَّ تصاب بأسوأ" (يوحنّا 5/ 14) بهذا الغفران يتمتع الإنسان.
- هو القدرة على إرواء الجوع والعطش الروحيين: "أنا خبز الحياة من يقبل إليّ فلن يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً" (يوحنّا: 6/ 35). وسيفرح المؤمن بهذا الإرتواء.
- إنه نور الآب الذي يتمتع به الإبن والذي نراه من خلال أعمال يسوع: "ما دمت في العالم فأنا نور العالم" (يوحنّا: 9/ 5).
- إنه إتحاد الإبن والآب كما عاشه المسيح على الأرض وأثبت حقيقته من خلال أعماله فأعطى المؤمن أن ينعم بهذا الإتحاد: "إن أحبني أحد حفظ كلامي فأحبه أبي ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مقاماً" (يوحنّا: 14/ 23).
2) أعجوبة العنصرة هي من أجمل ثمار القيامة. كان لها من القوة والفاعلية ما جعل التلاميذ يحظون بسلطان المسيح على صنع العجائب.
الحياة الجديدة هي حياة العنصرة المستمرة في الكنيسة والتي تتجلّى بمحبة القديسين العمالقة وبتوبة المؤمنين المستمرة، وكلّها إشارات إلى إستمرارية العجائب.

الخاتمة
1) أعجوبة لا معجزة: نلاحظ في الكتابين الرسمي والخاص أن واضعي المنهاج آثروا كلمة عجائب، أعجوبة، على كلمة معجزة. وهذا اختيار إيجابي لأنه يغيّر تماما ما اعتقدناه طويلاً بأن العجائب اختراق لقوانين الطبيعة. فعندما يقوم الله بعجيبة (أو يسمح بها) فإنه لا يخترق القوانين التي وضعها هو نفسه، بل يستخدمها: فالعجيبة تغيّر، تكثّر، وتشفي، لكنّها لا تخلق. إنها تسمو على قوانين الطبيعة، لكنّها لا تخترقها. ومن هنا نفهم أن المعجزة هي عمل خارق يعجز البشر على أن يأتوا بمثله. أما العجيبة فليست مجرّد عمل خارق. إنما هي الإشارة إلى ما يثيره العمل الخارق في الإنسان من تعجب وتساؤل، وهي تدعو إلى الانتقال من واقع الحدث إلى ما قبله وإلى ما بعده، وإلى الإستفسار عن معناه، عن مصدره، وعن هدفه. فمع التعجب يوضع المشاهد المؤمن في موضع الحوار في حين أن المعجزة تُفحمه وتضعه في موضع الصمت. فالعجيبة ليست برهاناً بقدر ما هي آية وعلامة لإشارة.
2) الأعجوبة والايمان
للإيمان دور أساسي في الحصول على الأعجوبة. لقد وردت في العديد من العجائب عبارة "بحسب إيمانك" (متّى: 8/ 13؛ 9/29؛ 15/28) وهي تربط بين الطلب وكلام الشفاء. يظهر الإِيمان في الطلب فيلبّيه يسوع بكلامه الشافي: "ليكن لك بحسب إيمانك". وغالباً ما يظهر هذا الإِيمان إشتراكاً في قدرة المسيح العجائبية: أي الإِيمان الذي ينقل الجبال (متّى 17/ 20- 21). هذا الإِيمان لا يأتي بعد الأعجوبة، بل يسبقها لأنه إتكال على القدرة العجائبية ودافع إلى التقرب من يسوع بالرغم من العقبات التي تعترضه.
وهل العجائب غريبة عن عالمنا ما دام هناك إيمان وطيد بأن الرب هو صانع المعجزات فينا؟

3) العجائب والملكوت والحياة الجديدة
"ملكوت الله في داخلكم".
هذا الملكوت تعيشه اليوم الكنيسة بواسطة الأسرار التي ترافق حياة المسيحي منذ ولادته الأولى بالمعمودية إلى عبوره إلى الحياة الخالدة مزوداً بنعم الخلاص. فكل ارتداد إلى الله، وكل فعل محبة يبني الإنسان الحي الذي يمجّد الله. وكل عمل إنساني أو رسولي يقرب الإنسان من أخيه الإنسان ومن الله هو خطوة نحو الملكوت وتجسيد لخلاص الله فينا وبنا.
كلّنا نحمل بذور هذا الملكوت في آنية خزفية، ونحن معرضّون دوماً للعواصف وتلاطم الأمواج على سفينتنا في بحر هذا العالم. لكن الرب يسوع يقول لنا اليوم: "لا تخافوا أنا هو". فالأعجوبة الكبرى التي صنعها يسوع تدلّنا على أنه مقيم معنا: "ها أنا معكم حتى إنقضاء الدهر" (متّى: 28/ 20).
لقد جعل نفسه غذاء لنا في سر الافخارستيا. هو حاضر يغذّي كرمته لتعطي ثماراً أكثر وتكون لها الحياة أوفر. ثم انه أعطانا روحه القدوس ليقيم معنا فننتقل من حياة بشرية إلى حياة أبناء الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM