إنجيل يوحنا: كتاب الالآم والمجد : الجماعة اليوحناوية

الجماعة اليوحناوية
21: 24

هذا هو التلميذ الشاهد بهذه الامور، وهو الذي كتبها. ونحن نعلم أن شهادته حق هي.

1- مجموعة مرتبطة بالتلميذ الحبيب
حين نقرأ الإنجيل الرابع نحسّ باعجاب جماعة كاملة بالتلميذ الحبيب إلى قلب يسوع. ماذا يقال عن هذا التلميذ؟ إنه عمّر طويلاً (21: 23: يبقى إلى أن أجيء). تلقّى أسرار قلب يسوع. به مّر بطرس لكي يعرف ذاك الذي يخون المعلّم (31: 23: أومأ إليه سمعان بطرس وقال له: "سله من يعني بقوله"). هو أفتى من بطرس. ركض فوصل قبله إلى القبر (20: 4: إن التلميذ الآخر سبق بطرس). وقد عُرف بحدسه العظيم: بعد الصيد العجيب عرف ذاك الذي أمر المجموعة بأن تلقي الشبكة عن يمين القارب. فقالت حالاً لبطرس: "هذا هو الرب" (21: 7).
"التلميذ الحبيب" هو على ما يبدو "التلميذ الآخر" الذي يتحّدث عنه إنجيل يوحنا: كان مع اندراوس، تلميذ يوحنا المعمدان: هوذا حمل الله. تبعه اندراوس والتلميذ الآخر وأقاما معه في ذلك النهار (1: 39). إنه شخص "معروف لدى عظيم الكهنة" وقد استطاع أن يُدخل بطرس إلى دار القصر ساعة كان يسوع يُستجوَب في الداخل (18: 15).
ومهما يكن من أمر ف "التلميذ الحبيب" يقف عند صليب يسوع. حينئذٍ اعطاه يسوع أمه أماً له. "ومنذ تلك الساعة أخذها التلميذ إلى بيته" (19: 27). وسيكون ذاك التلميذ هناك حين يطعن الجندي جنب يسوع الذي مات منذ مدة قصيرة. وسيشهد على الماء والدم اللذين خرجا من هذا الجرح (19: 35).
إن إنجيل يوحنا هو ثمرة جماعة تعود بشكل خاص إلى هذا "التلميذ الحبيب"، بعد أن عاشت معه مدة طويلة. هذه الجماعة هي "الجماعة اليوحناوية".

2- ماذا نعرف عن هده الجماعة
هناك ثلاث رسائل ليوحنا تعود إلى المصدر الذي نبع منه إنجيل يوحنا. هي تقول لنا إن الجماعة اليوحناوية انتشرت في مدن عديدة (3 يو 3- 9). هناك تبادل على مستوى المرسلين المتجوّلين. وهناك توتّرات ايضاً. فديوتريفس، المسؤول عن الجماعة في إحدى هذه المدن، يرفض أن يستقبل موفدي كنائس الرسالة الثالثة. وفي الرسالة الثانية، طلب الكاتب من المؤمنين أن لا يستقبلوا المرسلين الذين يشتمّ الضلال من تعليمهم. وفي الرسالة الأولى نرى أن هذه التوترات صارت انفصالاً وشقاقاً. "خرجوا من بيننا وما كانوا منا" (1 يو 2: 19).
كيف نعرف أن شخصا من الاشخاص هو في الكنيسة الحقيقية؟ نجد الجواب في 1 يو و2 يو. المعيار الوحيد هو "أن يسوع جاء في الجسد"، كان من لحم ودم (1 يو 4: 2؛ 2 يو 7) لقد خلّصنا "لا بالماء فقط بل بالماء والدم" (1 يو 5: 6). فالذين ينكرون هذه "العقيدة" هم قريبون من الهراطقة الذين سيحاربهم أغناطيوس الانطاكي. ليعتبروا نفسهم قدر ما يشاؤون، فهم "لم يروا الله" (3 يو 10).

3- الدواء لهذه الانحرافات
شدّد صاحب الرسائل مراراً على "المسحة" التي هي تماسك تدفع المسيحيين لكي يعيشوا كمؤمنين في يسوع المسيح. وهي مقاسمة نعيشها بالعمل والحق مع الذين حُرِموا من خيرات هذا العالم. "من كانت له خيرات العالم ورأى أخاه محتاجا فأغلق قلبه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه. يا أبنائي، لا تكن محبتنا بالكلام أو باللسان، بل بالعمل والحق" (1 يو 3: 17- 18).
إن صاحب الإنجيل الرابع في قسمه الثاني (ف 13- 21) يشدّد على بُعد المحبة هذا. فيبرز المسؤولية التي تسلّمها بطرس من يسوع. لا شكّ في أن حدس بطرس لا يضاهي حدث التلميذ الحبيب، ولكن إليه سلّمت مهمة رعاية القطيع ثلاث مرات (21: 15- 17). "أتحبني؟ إرعَ خرافي".
حين وصل التلميذ الحبيب قبل بطرس إلى القبر، لم يدخل. بل ترك بطرس يدخل أولاً ليكون أول شاهد لقيامة يسوع. وإذ خاف المدوّن الإنجيلي من أن تتمزق الشبكة (21: 11). من أن تكون صلاة يسوع غير فاعلة (17: 21: إجعلهم واحداً)، تحدّث عن الخدمة في الكنيسة وعن المسؤولية الرسولية من أجل تماسك الجماعات في إنجيل يسوع. ودعا الجماعة اليوحناوية بشكل خاص لكي لا تنغلق على ذاتها. بل أن تنفتح على الكنيسة كلها.

4- جماعة لها تاريخها
نحن في سنة 95 تقريبا، ساعة التدوين النهائي للانجيل. في ذلك الوقت كان "التلميذ الحبيب" قد مات. فعلى المدوّن الإنجيلي أن يفسرّ هذا الموت الذي طرح مشكلة صعبة في الجماعة. كانوا يظنّون أن التلميذ الحبيب سيحيا حتى عودة يسوع. "ولكن يسوع لم يقل إن التلميذ لا يموت، بل إن شئت أن يبقى إلى أن أجيء" (يو 21: 23). وتلقطت الجماعة إرثه وكتاباته. هذا ما نقرأ في أواخر الإنجيل: "هذا التلميذ هو الذي يشهد بهذه الأمور وقد كتبها، ونحن نعرف أن شهادته صادقة" (21: 24). هذه الآية مهمة جداً وهي تفرض وجود شخصين كتبا الإنجيل: هناك التلميذ الحبيب. وهناك ذاك (أولئك) الذي كتب هو ايضاً فقال عن التلميذ إن بشهادته صادقة" (رج 19: 35).
غير أن هناك صفحات عديدة في إنجيل يوحنا تعود إلى مناخ آخر. هي لا تعكس هذه الصراعات الداخلية. بل تدّل على المراحل السابقة في حياة هذه الجماعة.
أ- الحوار مع السامرية
إن الحوار مع السامرية ينتهي بحمل الإنجيل إلى قرية كاملة في السامرة. صفحة متفائلة في إنجيل يوحنا. قال السامريون: "سمعناه بأنفسنا وعرفنا أنه بالحقيقة هو مخلّص العالم" (4: 42). من المعقول أن تعود نُواة الجماعة اليوحناوية إلى أصل سامري. ونحن نشعر حين نقرأ ف 4 افتخار شعب بما وكل إليه، وحماسا رسولياً لم يمرّ عليه وقت طويل.
ب- والجليل
ويشدّد الإنجيل على أن تلاميذ يسوع الأولين كانوا جليليين. فالجليليون هم يهود يمارسون ديانتهم رغم السمعة السيئة التي لهم لدى فريسيّي أورشليم. والاسبوع الأول في حياة يسوع، منذ الاردن إلى قانا، يبدو متفائلاً ايضاً وهو ينتهي بهذه الملاحظة: "أظهر مجده فآمن به تلاميذه" (2: 11).
بعد هذا سوف نرى صيادي الجليل (بيت صيدا) يحملون اليونانيين إلى يسوع. جاؤوا إلى فيليبس وقالوا له: "نريد أن نرى يسوع". فذهب فيليبس وأخبر اندراوس، وفيليبس واندراوس أخبرا يسوع (12: 20- 22).
يعيش الجليليون على ملتقى الطرق التي تؤدّي إلى الوثنيين، ولكنهم متعلّقون في العمق بالايمان بالرب (يهوه). وجماعة يوحنا لم تكن مؤلّفة فقط من أناس يعيشون على هامش العالم اليهودي. فبعد الثورة اليهودية الاخيرة، إفتتحت المدارس الرابانية اليهودية في الجليل. إفتتحت في صفورية وفي طبرية. هذا يعني أن الجليل لم يكن منطقة نكرة في العالم اليهودي.
ج- العماديون
وكان تلاميذ يسوع الاولون من العماديين، من الذين يمارسون الغسل والعماد كتعبير عن التوبة على الخطايا. ويبدو يسوع في البداية كشخص مجهول (لا يعرفون اسمه) وسط هذه المجموعة. "قال يوحنا: أنا أعمّد بالماء، وبينكم من لا تعرفونه" (1: 26). وسيقول لنا إنجيل يوحنا فيما بعد إن يسوع أو تلاميذه كانوا يعمدّون كما كانت تفعل مجموعة المعمدان (3: 22- 26). وحين دوّن الإنجيل لم يكن تلاميذ المعمدان قد انتقلوا كلهم إلى المسيحية. ذاك هو وضع مجموعة وُجدت في أفسس وقد قبلت "معمودية يوحنا" ولم تسمع "حتى بوجود الروح القدس" (أع 19: 2- 3)
أما الذين صاروا أعضاء في الجماعة المسيحية، فحاولوا أن يقنعوا الآخرين أن المعمدان "لم يكن هو النور" (1: 7). إن هدفه الوحيد هو أن "يشهد للنور" (1: 7؛ رج 5: 35).
د- اليهود
وتألّفت جماعة يوحنا أيضاً من يهود تألّموا حين طردوا من المجمع. أمام هذا الوضع، قد يكون بعضهم تخلّى عن الايمان المسيحي (8: 31). وهناك آخرون آمنوا سراً لأنهم خافوا السلطات اليهودية (9: 22؛ 12: 42). وآخرون غيرهم واجهوا مخاطر الاضطهاد. إليهم يتوجّه كلام يسوع: "سيطردونكم من المجمع، بل تجيء ساعة يظنّ فيها من يقتلكم أنه يؤدّي فريضة لله" (16: 2).
وتدلّنا صفحات الإنجيل على أن بعض الوجهاء اليهود قد تقدّموا في الايمان بالمسيح (3: 2). وتدلّنا صفحات أخرى على أن روح التوبة صار بعيداً جداً. وجرى جزء كبير من رسالة يسوع في أورشليم خلال الأعياد اليهودية. وقد بيّن الإنجيلي عداء الرؤساء، وهو عداء يستبق محاكمة يسوع. أما الشعب فبدا منقسماً. ذاك كان الوضع أيضاً في نهاية القرن الأول.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM