سبّحوه بالعود والكنّارة، صلاة من المزامير : إلى الله ترتاح نفسي
 

 


إلى الله ترتاح نفسي-62

يبدو المزمور 62 قريباً من أدب المنفى، من حزقيال وأشعيا الثاني، ومن أيّوب الذي هو نموذج حيّ عن الشعب العائش بعد المنفى. ولكن لا شيء يدلّ على دراما السبي على المستوى الدينيّ أو السياسيّ.
لا يأتي المؤمن إلى الهيكل ليطلب تعزية أو نصيحة، بل ليعلن إيمانه بشكل تحريض يوجّهه إلى الحاضرين. ويبدو المزمور في ثلاث حركات: نظرة خائفة إلى العالم الخارجيّ (آ 4- 5)، نظرة واثقة إلى الله (آ 6- 9). ومن جديد نظرة إلى العالم بعد أن انتصر عليه المرتّل (آ 10- 11).
في الحالات الثلاث لا يتوجّه المرتّل إلى الله بل إلى البشر: هو يلومهم أو يقاسمهم إيمانه. هو ينطلق من خبرته الشخصيّة ليقدّم درساً للجميع.
هدّد العالمُ المرتّل، فتراجع وخاف. أحسّ كأن حائطاً يهوي عليه، وفهم أنه لا يستطيع أن يثق بنصائح البشر ولا بالبركات التي يعدون بها، فالخبث حاضر في أقوالهم كما في قلوبهم.
وتجاه هذا الخوف الذي يثيره العالم، يضع المؤمن "الراحة" التي يجدها في الله. ليس الربّ حائطاً متزعزعاً. إنه صخرة الخلاص. إنه الخالق والمخلّص الذي يؤمّن وحده النجاح والمجد. إذن، نستطيع بكل ثقة أن نفرغ قلبنا في قلبه. ويتدخّل الحاضرون في آ 8 ج وفي آ 9 ج: الله معتصم لنا.
وامتلأ المؤمن من هذا اليقين، فدعا سامعيه الذين أعلنوا أنهم يعتمدون على الله، أن لا يتأثّروا بما يقوله البشر: ليسوا إلا نسمة. وما يقدّمونه من حماية هو ملجأ كاذب. قد ينجحون برهة، ولكن ثروتهم المرتبطة بالظلم لا تدوم أبداً.

نشيدنا يا ربّ صرخة ثقة واتكال
وصلاتنا يا ربّ توسّل من أجل الرجاء والأمل
وتضرّعنا إليك، أيها الإله القدير، هو طلب الخلاص
جئنا نطلب الخلاص من كل شرّ والنجاة من كل ضيق.

وحدك يا ربّ تهب الراحة بعد التعب، والفرج بعد الضيق
وحدك يا ربّ قوّتنا وصخرتنا وملجأنا
وحدك يا ربّ أمل القلوب الضائعة ورجاء النفوس اليائسة
وحدك يا ربّ، دون جميع البشر، من نستطيع أن نستند إليه.
عليك نعتمد بثقة واتّكال وأمان وطمأنينة.

نحن ضعفاء أنت نُصرتنا، نحن في خطر كن ملجأنا، نحن ننزلق كن صخرتنا
العدوّ حولنا، تعال إلى حمايتنا لأننا بك نعتصم
ألسنة السوء تريد بنا شراً، أصمِتها بحقيقتك واقلب الشرّ خيراً.
يد الظلم تخنق شعبك، فقصِّرها بقدرتك، بل وجّهها لتغيث المسكين والبائس.

ولكن ما بال صلاتنا طلباً وتوسلاً، نطلب يا ربّ ونطلب
صلاتنا هي شكر، لأننا نعلم أنك تعطينا ما نطلب حتى قبل أن نسأل
قلت لنا: إسألوا تُعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يُفتح لكم
أفهمتنا أنك تهتمّ بزنبق الحقل وطير السماء، أفلا تهتمّ بنا.
أنت تعرف كل شعرة في رأسنا، ألا تعتني بحياتنا.

ولهذا جئنا نطلب، وجئنا نشكر لك مسبقاً عطاياك
فيبتعد عن قلبنا كل كل همّ، وعن نفسنا كل انشغال
ولهذا جئنا ننشد لك نشيد الثقة والفرح.

إلى الله ترتاحُ نفسي ومنه وحده خلاصي
صخرتي هو وخلاصي، ملجأي فلا أتزعرع.

أول كلمة نتلفّظ بها "الله". ونريد أن نتلفّظ بها كل أيام حياتنا وحتى ساعة موتنا
منذ كنا صغاراً ترفعنا أمنا بيدها وتقول لنا: الله، فنقوم بقدرتك يا الله
وحين كبرنا، كلما نبدأ بعمل، يقول لنا صديقنا: قل الله،
ونقولها فتعود الثقة إلى قلوبنا، ونفعل لا بقوّتنا، بل بقوّتك يا الله.
وتكثر الصعوبات فيقول لنا والدنا: اتكل على الله يا ابني،
ونتّكل عليك ونرتمي بين يديك كالطفل بين يدي أبيه
بل ننطلق على بركتك، وما أحلاها انطلاقة، وما أعظمه نجاح.

بعيداً عنك الضجة والتعب، وقريباً منك السكون والراحة
بالقرب منك، ومنك وحدك، ترتاح نفسي ولا تقلق
أنا هو الربّ إلهك، لا يكن لك إله غيري.
هذه ليست كلمات نردّدها، بل حياة نريد أن نحياها
منك وحدك ننتظر كل عون، منك وحدك ننتظر كل خلاص.

حياتنا بنيناها عليك،
أنت يا صخرة لا يهمها هطول الأمطار وفيض الأنهار وعصف الرياح
آمالنا وضعناها فيك، فلا نتزعزع ولا نتراخى ولا نخاف
لا نريد أن نبني حياتنا على الرمل فتسقط لأول صدمة
ولا نجعل آمالنا في البشر، وهم لا يسندون أنفسهم لأنهم أضعف من نفخة ريح.

إلى متى تهجمون جميعاً على إنسان لتهدموه
وهو حائط مائل أو جدار يكاد ينهار
يتآمرون أن يُسقطوه عن رفعته أو يسرّون بكلام الكذب
هم يباركون بأفواههم وفي قلوبهم يلعنون.

نعم يا ربّ نحسّ أننا ضعفاء وأعجز من أن نقاوم
حائط يميل أو جدار ينهار... هكذا نحن وحدنا.
أراد أبناء بابل أن يبنوا مدينتهم بالحجارة واللبن، ولكن هذا لا يكفي.
إن لم يبنِ الربُّ البيت، فعبثاً يتعب البنّاؤون.
يريد الرجل أن يبني بيته على مصلحة وأي مصلحة تدوم،
يريد أن يبني حياته على حبّ بشريّ يتقلّب بتقلّب البشر
إن لم يبنِ الربُّ البيت فعبثاً يتعب البناؤون
فأورشليم التي رفعتَ أنت حجارتها، توحّد أبناءها وتجمعهم
ويريد الإنسان أن ينظّم حياته كما يريد، ولكنه سيفهم مع القدّيس بولس
أن قوّتك يا الله تبان في الضعف، وحكمتك في الجهل، وعظمتك في التواضع.

ونحسّ يا ربّ، وهنا نريد أن نفرغ ما في قلبنا من حزن، أن الأعداء حولنا
ونقولها بتشاؤم، وبعد أن جرّبنا بعض الأصحاب أو من حسبناهم أصدقاء.
إن ارتفعتُ بيدك وبفضلك، فهم يريدون أن يسقطوني من رفعتي
وإن تعلّقت بحقيقتك قاوموني بكذبهم،
فكأني بهم دخلوا في مؤامرة مع من هو سلطان الكذب في العالم أي الشيطان
ينوون شيئاً ويقولون شيئاً آخر
يقولون في وجهي كلام البركة، ولكنهم يتمنّون لي الزلل.
يتمنّون لي اللعنة، يتمنّون أن يبتعد عني كل خير.

نجّني يا ربّ من مثل هؤلاء الناس، الذين يتوسّلون ألسنتهم للشرّ لا للخير
بل نجّني من نفسي، لأني أنا لستُ نقياً أمامك،
ولأني أفعل بالغير ما لا أُريد أن يفعله الغير بي
أنا ضعيف يا ربّ كجدار مائل أو حائط ينهار
بل أنا بخطيئتي أضيفُ على ضعفي ضعفاً، وعلى عجزي عجزاً.
ولهذا اهتف مع بولس الرسول: أنا قويّ على كل شيء في المسيح الذي يقوّيني.

إلى الله ترتاح نفسي ومنه وحده قوّتي
صخرتي هو وخلاصي، ملجأي فلا أتزعزع.

وأعود أردّد يا ربّ ما قلته لك في البداية: إليك ترتاح نفسي
فترسل يا ربّ من يردّد لي هذا الكلام من علياء سمائك
منك يا ربّ الخلاصُ، منك يا ربّ القوّةُ، فيك الأملُ والرجاء
أقوياء البشر لا يحتاجون إلى قوّتك، والأغيناء بيننا يستغنون عن غناك
أما أنا يا ربّ فأريد أن أفهم رغم ما يقوله البشر، وأن أؤمن رغم كل الظواهر
أنا واضع فيك أملي ولو وصلتْ بي الأمور إلى حافة الهاوية
أنت قوّتي، أنت صخرتي، ولا قوّة لي إلا بك.

عند الله خلاصي ومجدي، وفي الله صخرة عزّي ومحتماي
توكّلوا عليه كل جر أيها الشعب، وافتحوا قلوبكم له
لأن الله ملجأ لنا.

وأحسّ بحاجة إلى من يشدّد باسمك عزيمتي وينعش فيّ إيماني
من يقول لي: لا خلاص لنا إلا بالهنا، ولا مجد لنا إلا بالربّ
لا عزّة لنا إلا في الربّ، ولا حماية إلا في القدير
أرسل يا ربّ من يقول لي ساعة السأم والضيق:
توكّل على الربّ كل حين وافتح قلبك له.

نحن نشكو يا ربّ أمورنا للناس ونتشكّى ونئنّ ونتأفّف،
ولكن ماذا يستطيع أن يفعل البشر؟
نحسب نفوسنا أننا إن قلنا شكوانا نرتاح
لا شكّ في ذلك، إذا كان الذي أمامنا صديق مخلص
وفتحُ قلبنا له أول الطريق لنفتح قلبنا لك.

ولكن كم من الناس يتأفّفون من تشكّياتنا وبكائنا
هم يفكّرون بأنفسهم
هم لا يريدون أن يعكّروا صفو عيشهم بما يسمعون
أو هم يضحكون علينا أو يشمتون بنا.
في كل الحالات هم ضعفاء لا يقدرون أن يصنعوا لنا شيئاً.

نبحث عن خلاص عند الناس وننسى أن لا خلاص إلا بك يا ربّ
نفتّش عن حماية عند البشر، ولكنك وحدك حمى الضعيف والبائس والمسكين
نريد أن نتوكّل على الإنسان،
وننسى أن الاتكال عليك خير من الاتكال على الناس،
بل على العظماء منهم، فماذا يستطيع البشر أن يفعلوا؟

نفخة بنو آدم، وباطل بنو البشر
في الموازين تشيل كفتهم
فهم جميعاً أخفّ من نسمة.
لا تتكلوا على الظلم ولا يغرّكم النهب
إذا كثرت ثروتكم فلا تمل قلوبكم إليها.

ما الإنسان يا ربّ؟ لا شيء إن كان وحده
نفخة ريح، نسمة هواء عابرة، باطل وضياع وفراغ
نحسب أننا شيء، ولكننا وحدنا لسنا بشيء.
نحسب أن لنا وزننا، ولكن إن جُعلنا في الميزان فنحن أخفّ من أي شيء
إذا وُضعت تجاهنا نسمة هواء، لا شيء، ترجح كفتها
الويل لي أنا الإنسان الشقي، من يخلّصني من ذاتي،
من يخلّصني من جسدي هذا الخاطئ،
من يعلّمني أن لا سعادة لي إلا فيك.

يريد قلبي أن يميل إلى سواك، فأسمع صوتك: لا إله لك غيري
يريد قلبي أن يميل إلى المال، وقد تعوّد الناس أن يربحوه بكل الوسائل،
تعوّدوا أن يربحوه بالظلم والنهب،
ولكن أعطني أن لا يميل قلبي إلا إليك.

يريد قلبي أن يميل إلى كلام الناس
وفيه ما فيه من تملّق وكذب،
وفيه ما يدغدغني ويبعدني عن ذاتي،
ولكن أعطني يا ربّ أن لا أنسى أن كلمتك نور لسبيلي وسراج لحياتي.
إطبع في قلبي يا ربّ هذه الكلمات التي تعطي الخلاص الحقّ والراحة الحقة:
طوبى للمساكين والودعاء والباكين والمساكين والمضطهدين
لأن لهم ملكوت السماء
لأن لهم ملء الراحة والسعادة.

تكلّم الله مرّة ومرّتين فسمعت أن العزّة لله
وأن الرحمة لك يا ربّ فتجازي الإنسان بحسب عمله.

أنت تتكلم فأنا سأصمت، فأنا سأسمع
أنت تتكلم والناس يتكلّمون، ولكني أريد أن أسمع كلمتك وحدها دون سواها
وتتكلّم مرة ومرتين فتؤكّد قولك، وقولك حقّ هو
عطني أذناً صاغية وقلباً واعياً وأفهمني.

إذا أردتُ العزّة، فأنت الإله العزيز الكريم
الذي يحطّ المقتدرين عن الكراسي ويرفع المتواضعين
وإذا أردتُ الرحمة، فأنت الإله الرحوم الحنون
الذي ينظر بعطف إلى المتواضعين فيرفعهم،
الذي ينظر إلى الجياع فيشبعهم والضعفاء فيقوّيهم، الذي ينظر إلى الخطأة فيغفر لهم.
وإذا أردت العدالة، فأنت الإله العادل، تجازي الإنسان بحسب عمله.

هذه هي كلمتك الأخيرة لي، قبل أن أبدأ نهاري، قبل أن أسير على دروب الحياة
تدعونا إلى السير معك والعمل بحسب ميشئتك
ومشيئتك ليست صعبة، وإرادتك ليست بعيدة لنبحث عنها
ملكوت الله في داخلكم تقول لنا، وكلمتك قريبة منا.

يبقى لنا يا ربّ أن نكون أرضاً خصبة تتقبّل كلمتك بالشكر
يبقى لنا يا ربّ أن نثمر ثلاثين وستين ومئة
ونتّكل عليك فتكون قوّتنا وخلاصنا فتدوم ثمارنا
وحينئذٍ يكون جزاؤنا لا ما ينتظره البشر
تكون أنت جزاءنا أنت يا من أعطيت ذاتك لأجلنا
تكون أنت راحتنا وسعادتنا وملء أملنا ورجائنا.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM