سبّحوه بالعود والكنّارة، صلاة من المزامير : إرحمني يا الله
 

 


إرحمني يا الله-51

يحتلّ المزمور 51 مكانة خاصّة بين مزامير التوبة في أرض إسرائيل. فهو وحده يتحدّث عن الخطيئة وكأنها نجاسة، وعن المغفرة وكأنها تطهير. وهو وحده يلمّح إلى الذبائح. فأمام الخطيئة لا يبقى للخاطئ إلاّ أن يطلب المغفرة. فعمل المصالحة يبقى قضيّة الشخص الذي أغظناه وهو الله. أما في ما يخصّ النجاسة، فالحلّ يبقى بين يدَي المنجَّس. فعليه هو أن يعود إلى الطهارة بواسطة الطقوس المعروفة.
ولكن مع إرميا وحزقيال اجتمعت هاتان المقولتان (الخطيئة والنجاسة) حتى كادتا تندمجان. حينئذ بدت خطيئة إسرائيل نجاسة تنجّس البلاد، لهذا ترك الربّ أرضه. غير أن الإنسان لا يستطيع أن يتخلّص من هذه النجاسة بنفسه، لهذا فهو يلجأ إلى الله.
فالطهارة وحدها تتيح له رؤية الله (أش 6: 5) والاتحّاد الكامل بالعهد. واستعادة القداسة التي خسرها المؤمن ستكون موضوع البيت الثالث (آ 11- 14) الذي هو قلب المزمور.
سبق الطلبَ نداء إلى التوبة في البيت الأول (آ 2- 6)، وصراخ الثقة بقدرة الله المطهّرة في البيت الثاني (آ 7- 10). وجاء نشيد الحمد في البيت الرابع (آ 15- 17) وتبرير غياب المحرقات (أورشليم مهدّمة) في البيت الخامس (آ 18- 21).
المتكلّم هو ملك أو مؤمن عاد من المنفى وحمل في صلاته صلاة شعبه. تمنّى تنقية جذريّة تعيده إلى إله العهد. وإذ أراد أن يسند طلبه، لم يكن له إلاّ أن يعتمد على رحمة الله، ويعلن ثقته.
بدأ المرنّم بنداء إلى الحنان، علّ الله يشفق عليه في الوضع الذي هو فيه بسبب خطيئته. ولكن لا مغفرة بدون إقرار محرّر. لهذا عاد المؤمن إلى كلام داود، وأعلن أنه وُلد في الخطيئة وأنه بحاجة إلى أن يخلقه الله من جديد.

تلك كانت صرخة داود يوم جاءه ناتان النبي، ووّبخه على خطيئته
أعطيته يا رب ما أعطيته، أنقذته من كل شرّ، جعلته ملكاً على شعبك
فاستفاد من سلطانه لارتكاب الخطيئة: زنى وقتل
ولما قال له ناتان النبي: أنت هو الرجل الذي تعدّى وصايا الله
هتف داود: إليك وحدك خطئت.

وأنا اليوم يا ربّ على مثال داود الملك، أحمل خطيئتي وأرميها عند قدميك
خطيئتي عرفتُها في سكون بيتي، خطيئتي أعترف بها وسط الجماعة
فأطلب منك أن تغسلني، أن تطهّرني فأبيضّ أكثر من الثلج
وأرجوك أن تخلق فيّ قلباً جديداً وروحاً ثابتاً.

أعِدْ إلى قلبي البهجة والسرور بغفران تقدّمه لي
فأنسى الحزن الذي تولّده الخطيئة في داخلي
علّمني فأعلِّم طرقك للعصاة، وإليك يرجع الخاطئون
إفتح فمي فأرنّم لك وأهلّل بعدلك،
أنت يا أن أعدتني إلى حضنك الأبويّ وألبستني حلّة الأبناء.

ارحمني يا ألله برحمتك، وبكثرة رأفتك امحُ معاصيّ
إغسلني جيداً من إثمي، ومن خطيئتي طهّرني.

أنا بحاجة إلى رحمتك وحنانك، بحاجة إلى نظرة عطف منك
أنا لا أطلب النجاح ولا الصحة، لا أطلب الحكمة والعلم والمال
أنا لا أطلب إلاّ الرحمة الواسعة، فانظر إليّ وأشفق على حقارتي
أحنُ عليّ كما تحنو الأم على ابنها، وارحمني كما ترحم الأم ثمرة أحشائها.

أنا عارف بمعاصيّ، وخطيئتي أمامي كل حين
إليك وحدك خطئت، وأمام عينيك فعلتُ الشر
أنت صادق في أقوالك، ومبرّر في الحكم عليّ،
وأنا في الإثم ولدت، وفي الخطيئة حبلت بي أمي
تحبّ الحق في الأعماق، وتعرّفني أسرار الحكمة.

أنا عارف بخطيئتي ولا أنكرها، وما النفع من نكرانها وأنت تعرف ما في داخلي؟
إن قلت أنا بلا خطيئة، كنت كاذباً، وخسرت رحمتك وغفرانك
أما إذا اعترفت بخطيئتي، فأجعَلُ نفسي في الحقّ،
وأضع ذاتي أمامك أنت الأمين الصادق
أما إذا أقررت بخطيئتي، فأنت تغفرها لي وتطهّرني من جميع آثامي
إليك وحدك خطئت... خطئت إلى السماء وإليك،
ولم أعد أستحقّ أن أدعى لك ابناً
أنا في خطاياي أسبّب الضرر لقريبي، ولكن ما أفعله للقريب إنما أفعله لك
أنا في خطاياي أشوّه حياتي، ولكنني مخلوق على صورتك مصنوع على مثالك،
ولهذا تغيظك خطيئتي ويسيء إليك إثمي
أنا لم أعد لنفسي بعد أن اشتريتني بثمنٍ غالٍ. صرت هيكلك ومكان سكناك.

أنا الخاطئ، وأنت القدوس الذي لا يطيق رؤية الخطيئة
لهذا جئت أطلب الرحمة ومعها المغفرة منك أيها القدوس
أنا الخاطئ جعلتُ بخطيئتي هوّة بيني وبينك،
ولولا يدك تنتشلني لسقطت في هوّة الهلاك
أنا الخاطئ بنيتُ حاجزاً بيني وبينك،
ولولا قلبك الأبويّ لارتفع الحاجز في دربي وأغلق عليّ باب السماء.

خطيئتي أكثر من هفوة عابرة، أكثر من حياء بشريّ، أكثر من جهل وضعف
خطيئتي رفض لكلامك، وعصيان لوصاياك،
خطيئتي تمرّد على أوامرك، أنت يا من نيرك طيّب وحملك خفيف
خطيئتي جعلتني عرباناً من الذل بعد أن صرت عبداً لها،
فاختبأتُ من وجهك لئلا تقع عيني على عينك
خطيئتي جعلتني أهرب من وجهك شريداً،
فأعطني أن أعود إليك عودة الابن الشاطر الضال
واهتف إليك: خطئت ولا أستحق أن أدعى لك ابناً، فاجعلني كأجير في بيتك.

طهرّني بالزوفى فاطهر، واغسلني فأبيضّ أكثر من الثلج
أسمعني سروراً وفرحاً، فتبتهج عظامي التي سحقتها.
أحجب وجهك عن خطاياي، وامحُ كل آثامي.

اغتسلت يا رب بالماء، ولكنّ خطيئتي لم تفارقني
فمن لم تغسله أنت، لا نصيب له معك، لا نصيبَ في قداستك
حاولتُ أن أغسل الشرّ من قلبي، ولكن باتت في داخلي الأفكار الأثيمة
إغتسلت بالنطرون وأكثرت من الصابون،
ولكني ما زلت ملطّخاً بإثمي، وظلّت خطيئتي أمامك
وحدك تجعل الأحمر أبيض كالثلج، وصبغ الدود كالصوت الناصع البياض.

لهذا أهتف إليك: امحُ خطيئتي.
فأسمعُ صوتك يناديني: سأمحي معاصيك ولا أذكر خطاياك من بعد
لهذا أهتف لك: إغسلني، إغسل يديّ ورأسي، فأكون كلي طاهراً بين يديك
لهذا أهتف إليك طهّرني، فتقول لنا نحن شعبك:
أطهّركم من جميع آثامكم وأعفو عن كل ذنوبكم
وتزيد: أرش عليكم ماءً طاهراً فتطهرون، وأعطيكم قلباً جديداً.

الخطيئة عبودية، وهي تميل بنا إلى الشر منذ صبانا فأنت من ينجّينا منها ويحرّرنا
الخطيئة مرض اين منه مرض البرص،
فاستعمل زوفاك وطهّرني من أمراضي فيعود جسمي نقياً كالثلج
الخطيئة موت يصيبني أحسّ به بعد أن انفصلت عنك يا مبدأ الحياة
أنر عليّ بوجهك ولا تنزع مني روحك القدوس
أرسل روحك الذي يجدّد وجه الأرض ويعيد إلى البشر الحياة.

قلباً طاهراً أخلق فيّ يا الله وروحاً جديداً كوّن في داخلي
لا تطرحني من أمام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني.
ردَّ لي سروري بخلاصك، وأرسل روحك سنداً لي.
فأعلّم العصاة طرقك والخاطئون إليك يرجعون.

أنا لا أكتفي يا رب بطهارة خارجية، بل أريد أن يصل غفرانك إلى أعماقي
قلبي يخدعني لأنه خبيث، فانزل إليه يا من تفحص القلوب وتمتحن الكلى
أنت إلهي ولا أريد سواك، فأعطني أن أرجع إليك بكل قلبي
إجعل شريعتك في ضميري، أكتبها في قلبي، ووجّه حياتي في مخافتك.

روح قديم يسيطر علينا، إجعل في أحشائنا روحاً جديداً
قلبنا صلب كالحجر لا تنفذُ فيه كلمتك، إنزعه منا،
إنزعنا منا قلب الحجر وأعطنا قلباً من لحم يتقبّل وصاياك ويحفظها ويعمل بها
أخلق فينا يا رب قلباً طاهراً، أنت يا من خلقت السماوات والأرض
أنت يا من خلقت الإنسان على صورتك ومثالك،
أعد خلقنا من جديد بعد أن شوّهتنا الخطيئة
أنت يا من جعلت روحك في الكون، إجعل روحك القدوس فينا.

بَعُدنا عنك فكّنا في الموت، عُدنا إليك فعادت إلينا الحياة
طهّرتنا وحوّلت قلوبنا، وخلقتنا من جديد، فقوّنا في حبّك
جدّدت حياتنا وأعمالنا فثبّتنا في وصاياك وكُنْ لنا سنداً.
عاد إلينا الفرح بعد أن اختبرنا خلاصك، عادت البهجة يوم حصلنا على رضاك
فيبقى علينا أن نخبر بهذا الخلاص العظيم فيسمع الخاطئون ويرجعون إليك.

نجّني من الدماء يا ألله، فيرنّم لساني بعدلك.
إفتح شفتيّ يا رب فيجود فمي بالتهليل لك.
أنت بذبيحة لا تسرّ، وبمحرقة إذا قدّمتها لا ترضى
ذبيحتي لك يا ألله روح منكسرة، والقلب المنسحق المنكسر لا تحتقره.

عادت إليّ السعادة يا رب بعد أن رحمتَني وغفرتَ خطاياي
ولكني ما أزال خائفاً من نفسي ومن التجارب التي تحيط بي
أصرخ إليك: نجني من جسدي هذا الخاطئ
أطلب مساعدتك، لأن الشر الذي لا أريده إياه أفعل، والخير الذي لا أريده أفعله.
رغبات العالم تحول بيني وبينك، وصوت إبليس، ينفث سمه فيّ.
فلا تدخلنا التجربة، ونجّنا من الشرير يا رب.

أنا ضعيف وذليل وما لي إلا ضعفي أقدّمه لك، وذلي أضعه أمامك.
روحي منكسرة تائهة وأنا أقدّمها لك،
قلبي المتكبرّ والمعاند أقدّمه لك بعد أن أنسحق وأتّضع.

أنت لا تطلب ذبائح خارجية بل تريد قلوبنا، فهي لك يا رب
أنت تطلب ترنيم ألسنتنا وتهليل شفاهنا تعبيراً لك عن شكرنا
أنت تريد عودتنا إليك فتقول لنا: عودوا إليّ يا بني البشر
أنت تريدنا معك حيث السرور والفرح، حيث لا حزن ولا كآبة.

فكن معنا وقوِّ ضعفنا، وجدِّد حياتنا
فنحن لا نريد إلاّك، ولا نتّكل إلاّ عليك، ولا نرغب إلاّ فيك.
فأنر يا رب عقولنا، وطهّر أجسادنا، وقدّس نفوسنا.
وإذا عدنا وخطئنا يا رب، فلا تعاملنا بذنوبنا وآثامنا.
أنت يا من علّمتنا الرحمة ارحمنا، واغفر لنا خطايانا.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM