الرب إله الآلهة تكلّم
اعتبر عدد من الشرّاح في الماضي أن هذا المزمور هو تنديد بإسرائيل وشجب للذبائح. في الواقع، هو احتفال بتجديد العهد مع تقديم للمتكلّم باسم الله أمام شعبه المجتمع، وتذكير بمتطلّبات العهد. ولا نعجب من اللهجة القاسية في هذا المزمور. نحن نجدها في كل مرّة يتجدّد العهد في إسرائيل.
دوّن هذا المزمور آخر أيام الملكيّة. فصهيون تشّع بكل بهائها، ولا حديث عن إعادة بنائها كما سيكون بعد دمار المدينة سنة 587 ق. م. إن هذا التشديد على جمال المدينة التي منها يتكلّم الربّ وينقل شريعته وخلاصه، يجد مكانه العاديّ في أيام إصلاح يوشيّا. في ذلك الوقت بدت أورشليم وقد ورثت مجد سيناء.
يصوّر القسم الأول (آ 1- 6) من المزمور التيوفانيا أي ظهور الله. الله يتكلّم فترتعش الأرض، ولكن صهيون تبتهج. وابتهاج صهيون يُعلن الخلاص. ودخول الربّ يتجاوب مع تمنّيات الشعب نفسه، ويضع حدا لصمت مؤلم نتج من "غياب" الله. قدّم الله نفسه، وأظهر قدرته في عاصفة من نار لا يقف شيء أمامها. لا يتحدّث النصّ عن عدوّ من الأعداء، بل يستعيد سيناريو سيناء حيث يفرض الله مشيئته فلا يقبل احتجاجاً، ويحطّم كل مقاومة. ويأمر الربّ فيتجمّع المؤمنون من أجل الاحتفال الليتورجيّ (وربّما بعد المنفى).
وفي القسم الثاني (آ 7- 21) تبدأ خطبة إله العهد. هناك التنبيه: اسمع يا شعبي. ويوقّع اسمه: أنا الربّ إلهك. لا يريد الربّ أن يكون في صمته "شريك" شعبه في خطيئته. فهو سيتّهمه. هو لا يحتاج كل هذه الذبائح. بل يريد من شعبه أن يمشي معه، فلا يرافق السارقين والزناة (لا تسرق، لا تزنِ). فالخيار الأساسيّ المطلوب هنا يرتبط بالتضامن الذي يجب أن يسود بين المتعاقدين، وهذا هو المبدأ الأساسيّ في شريعة سيناء.
توجّهت هذه الخطبة في الاصل إلى الشعب المجتمع. ولكن بعد المنفى عاد المؤمنون إلى الرب، فصارت الخطبة تتوجّه إلى الأشرار (آ 16). وجاء التهديد النهائي يصيب أولئك الذين ينسون الله (آ 22- 23).
وسننتظر بولس الرسول الذي يذكّرنا بأن الشريعة تحكم على الجميع. فما دام الله لم يعطِ بعد روحاً جديداً للإنسان، لا يستطيع الانسان إلاّ أن يرفض متطلّبات الله.