سبّحوه بالعود والكنّارة، صلاة من المزامير : السماء تنطق بمجد الله
 

 

السماء تنطق بمجد الله -19 

نجد في هذا المزمور نشيد السماء (آ 2- 5 ب). فهي الشاهد المميّز لخلق الأرض. مثل هذا النشيد لمجد الله لا يعرف حدوداً في الزمان ولا في المكان.
بعد هذا، نقرأ نشيداً للشمس (آ 5 ج- 7). ففي شروق الشمس نبحث عن نشيد الكون لمجد الله. فكوكب النهار يبدو كالجبّار الذي ينطلق في مسيرته من أقصى السماء إلى أقصاها، فيجوب عالماً يجهله الإنسان ويخافه لما فيه من خطر.
وفي القسم الثالث (آ 8- 15)، نسمع مديح الشريعة التي هي أولاً طريق الكمال. إنها تتضمّن متطلّبات تجعل الجاهل حكيماً. وتعلميات تُفرح القلب وتنير العيون. المؤمن يفضّل الشريعة على الذهب الخالص، ويجدها أحلى من العسل. ولهذا، فهو يدعونا لكي نلج أسرارها ونستمع إلى نصائحها وتوبيخها.
وفي النهاية، يجعل المرنّم صلاته بين يدَي الله، ويطلب منه أن يتقبّلها من المؤمنين كتقدمة المساء.

مبارك أنت أيها الربّ الإله، زرتَ شعبك وافتقدتهم
خلَّصتهم وأقمت لهم قوّة خلاص، كما وعدت بفم أنبيائك القدّيسين منذ القديم
وها نحن نحتفل اليوم بعهدٍ تقيمه معنا، وننشد خلاصاً صنعته لنا
تطلّ علبنا كالشمس في شخص ابنك الحبيب، تزورنا فتملأ أرضنا عدلاً وسلاماً.

أنت خالق الكون بكلّ ما فيه، أنت يا خالق البشر جميعهم
اخترتنا لك شعبك وخاصتك، واقتنيتنا لتبان غيرتُنا بالأعمال الصالحة
أنت وضعت للطبيعة نواميسها فنسير عليها، ولا يتعدّى البحرُ حداً صنعته له
أنت جعلت للبشر شرائع ووصايا يسيرون عليها إن شاؤوا الحياة لا الموت.

نريد اليوم أن نتأمّل في خلائقك، فنجد فيها قبساً من نورك
فما أعظمك يا الله، تنشد الخلائقُ وتهتف، فتدلّنا عليك أنت خالقها
نريد اليوم أن نتأمّل في علامات مجدك وسرّية حضورك في الكون
إرادتك ما أقدرها، وحبّك نار تُشعل ونور يُضيء.

نردّد اليوم شرائعك، ونعدك أن نعمل بها ولا نحيد عنها
شرائعك عطيّة عهد أقمته مع شعبك، ولنا في حفظها ثوابٌ عظيم
نؤكّد لك فرحتنا عندما نسير بحسب وصاياك، وحرّيتنا حين نتعبّد لك
نحن نرفض قول المتكبرّين الرافضين السير بحسب فرائضك
ونعلن بكل تواضع أننا نحن عبادك يا ملكَ المجد
نحن خدّام كلمتك يا سيداً يستعذب الإنسانُ خدمته.

السماوات تنطق بمجد الله والفلك يُخبر بعمل يديه
فيعلنه النهار للنهار والليل يُخبر به الليل.

تقف أمامك السماوات والأيام والليالي
تقف الخليقة كلها أمامك يا ربّ، لتعبدك وتنشد مجدك
هي تدل عليك إلهاً خالقاً، ونحن نتحدّث عنك أباً محبّاً
هي تشير إلى الذي أبدعها، ونحن نعرف اسمك، ونقترب منك في شخص ابنك يسوع.

هي الخليقة، ونحن معها يا ربّ، تدخل في ليتورجيا عظيمة
تنشدك أنت يا خالقها من ليل إلى ليل، وتمدحك من نهار إلى نهار
هي عرفتْ خالقها وأدّت له المجدَ والشكر
أما الإنسان فضلّ بأفكاره، وأظلم قلبُه فما عرف ولا فهمَ، فما أتعسه.


نحن ننظر إلى الخلائق، ونُخلَب بجمالها،
ولكننا نريد أن نعرف كم أنت أحسّ منها يا مبدأ كل جمال
نحن ننظر إلى الخلائق ونؤخَذ بقوّتها،
ولكننا لا نريد أن ننسى كم أنت أقوى منها
لهذا نريد أن نعبدك وحدك، ولا نعبد أحداً معك
نعبدك أنت في عصر تعوّد الإنسان على عبادة الإنسان والجماعة،
لغنى عندهما أو قوّة
لهذا نريد أن نحبّك وحدك، ولا نحب أحداً إلا لأجل حبّك.

يعلنه بغير قول ولا كلام ولا صوت يسمعه أحد.
في الأرض كلها بانَ مقامُها وفي أقاصي الدنيا زمانها.

السماوات لا لغة لها، والخلائق لا لسان لها تبوح فيه بما في قلبها
يكفي أن تُوجد لتنشد مدائحك، يكفي أن تدوم في الزمان لتمجّدك
هي تشكرك، بل تستعين بلساننا البشري لتُعلن كلمة الرجاء
هي تطلب منك أن تُعتقها من عبوديّة الفساد حين تحرّر الإنسان
هي انحدرت مع الإنسان في خطيئته، وهي ترجو أن ترتفع مع الإنسان في صلاة يرفعها إليك.

الإنسان ضعيف يا رب، فكيف له أن يدرك ما تقوله الخلائق
الإنسان عاجز، فكيف له أن يعلم أحكام السماوات إن لم تدلَّه أنت عليها
أنت نقّصته قليلاً عن الملائكة، فحسبَ نفسه إلهاً، فما أغباه
أنت جعلته سلطاناً على كل شيء، فحسبَ سلطانه من نفسه، فما أجهله.

للشمس أقيم مسكن فيها فتطلّ كالعروس من خدرها
وتبتهج كالجبّار بقطع شوطها
من أقصى السماء شروقها والى أقاصيها دورانها،
ولا شيء يستتر عن حرّها.

عبَدَ الأقدمون الشمس والَّهوها وهي تحمل إليهم الدفء والحرارة
ولكن شعبك جعلها خاضعة لك، أنت يا نوراً لا ظلامَ فيه
سجدَ الأقدمون لخليقة تجعل النهارَ يطرد الليل والنورَ يُزيل الظلمة
ولكن شعبك جعلها شاهدة لعظمتك وقدرتك، أنت يا شمس البرّ.

أنت الذي صنعت الشمس، وبأمرك تعرف غروبها
بل أنت شمس أيها الربّ الإله، تُفيض النعمة والمجد، ولا تمنع الخير عن مساكينك
تجعل شمسك من أجل أحبّائك فلا يضرّ بهم حرّ، لأنك أنت تهديهم
بل تشرق شمسك على الأخيار والأشرار، وتفيض خيرك على الأبرار والخاطئين
إن كان لا يفلت أحد من حرارة الشمس، فكيف لا تغمرنا بعطاياك أيها الربّ.

ننظر إلى الخليقة فنتعرّف إليك، نتأمّل بالطبيعة فيعود فكرنا إليك يا خالقَ الطبيعة
ولكن معرفتنا تبقى ناقصة إن لم نتعرّف إليك في شريعتك وفي وصاياك
أنت لست غائباً عن الكون، والخلائق لا تستطيع أن تتجاهلك
ولكنك حاضر في كلمتك، أنت يا من كلّمتنا مراراً بلسان الأنبياء، قبل أن تكلّمنا بكلمتك يسوع المسيح
في الكون نتعرّف إليك من الخارج، أما في كلمتك فندخل إلى سرّك ونلتقي بحضورك
فما أعظم ما أعطيتنا من نعم يا الله.

شريعة الربّ كاملة تنعش النفس، وفرائضه حقّ تجعل الغبيّ حكيماً
أمر الربّ مستقيم يفرّح القلب، ووصيتّه صالحة تنير العيون
كلام الربّ طاهر ثابت إلى الأبد، وأحكامه حقّ وصدق وحدها،
أشهى من الذهب والإبريز الكثير، وأحلى من العسل وقطر الشهاد.

الكواكب تنشد مجدك يا الله، والأفلاك تسبِّح بحمدك
خلائق الأرض تشكرك، وكائنات السماء تشيد بقوّتك
هذه نراها بعيوننا فنعجب وندهش، ولكن عيوننا تغشنا فنخلط بين الخليقة والخالق.

أما شريعتك يا ربّ فهي كاملة، وفرائضك حقّ وصدق
أوامرك مستقيمة، وصاياك صالحة، وكلامك طاهر
هذه نسمعها بآذاننا، نُدخلها إلى قلوبنا فنقتنع ونرجع إليك
فنشكرك على شريعة أعطيتنا، فيها تسألنا ونحن نجيب، فيها تطلب ونحن نلبّي طلبك.
طوبى للرجل الذي يهوى شريعتك، ويردّد آياتها نهاراً وليلاً
طوبى للرجل الذي يسير بحسب أحكامك، ولا يسير في طريق الخاطئين
التسمناك بقلوبنا فلا تسمح أن نضلّ، أحببنا شريعتك فلا تسمح أن نخيب.

أنت يا نور عيوننا، أكشف لنا عن إرادتك، وأعطنا النور والحياة
أنت يا فرح قلبنا، إنزع من قلبنا الكآبة، وامنحنا الخلاص والسعادة
أنت يا طهر حياتنا، هب لنا النقاء، لأن انقياء القلوب يعاينونك
أنت يا حكمة علويّة، أعدنا عن جهل الجهّال، وأعطنا الحكمة الحقّة الموصلة إلى الملكوت.

وأنا عبدك أستنير بها، ولي في حفظها ثواب عظيم
الزلات من يتبينَّها يا ربّ؟ فمن الخطايا المستترة نقّني
إمنع عبدك عن الكبرياء لئلا تتسلّط عليّ
فأكون منزّها عن كل عيب، ونقيّاً من معصية كبيرة
وتكون أقوال فمي يا رب وهواجس قلبي مرضيّة لديك،
يا خالقي ووليّي أنت.

أريد النور يا ربّ فإذا الظلمة، أريد الحياة فإذا الموت
أودّ أي أسير في طريق الصلاح، ولكن الخطيئة تُقلقني فأزلّ وأقع
ولكنّي أتكل عليك، وفيك أضع رجائي.

قوّة الخطيئة تسيطر عليّ، وأفكاري أفكارُ كبرياء
هواجس قلبي شرّيرة، وأقوال فمي بعيدة عن وصاياك
فتعال إلى نصرتي، وأبعد عني كل عيب، ونقّني من معاصّي.

أنت خالقي وأنا خليقتك، فاهتمّ بي ولا تتركني
أنت مخلّصي وأنا ثمرة خلاصك، فلا تسمح أن أعود إلى الشرّ الذي تركتُه
أنت وليّي وأنا قريب إليك، فلا يفصلْك شيء عني
حياتي وأقوالي وأفكاري بين يديك، فارضَ عنها. ولا ترذلها.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM