مع كنيسة كورنتوس الزواج تبادل بين الرجل والمرأة
 

الزواج تبادل بين الرجل والمرأة
7: 1- 7

بعد أن تحدّث بولس عن الفوضى الجنسيّة في الجماعة، فأصدر حكمه في حادث زنى "لا مثيل له حتّى عند الوثنيين" (5: 1)، وأعلن أن أجسادنا أعضاء المسيح التي لا يمكن أن تكون أعضاء زانية (6: 15)، واصل كلامه عن الزواج. لا شكّ في أن أسئلةً عديدة وردت إليه: هل نمارس العلاقات الزوجيّة بعد أن صار الملكوت قريباً؟ وماذا عن الزواج بين المسيحيّ والوثنيّ؟ وما هو مركز البتوليّة؟ أما في النصّ الذي نقرأ فانطلق الرسول من سؤال بسيط، وأعطانا تعليمات عامّة عن علاقة الرجل بامرأته وعلاقة المرأة برجلها. فالمساواةُ ستكون الأساس الذي ينطلق منه الرسول ليقدّم الحلول. ونقرأ النصّ:
(1) وأما من جهة ما كتبتم به إليّ، فخير للرجل أن لا يمسّ امرأة. (2) ولكن خوفاً من الزنى، فليكن لكل رجل امرأته ولكل امرأة زوجها، (3) وعلى الزوج أن يوفي امرأته حقها، كما على المرأة أن توفي زوجها حقّه. (4) لا سلطة للمرأة على جسدها، فهو لزوجها. وكذلك الزوج لا سلطة له على جسده، فهو لامرأته. (5) لا يمتنع أحدكما عن الآخر إلاّ على اتّفاق بينكما وإلى حين، حتّى تتفرّغا للصلاة، ثمّ عودا إلى الحياة الزوجيّة العاديّة لئلاّ يعوزكم ضبطُ النفس، فتقعوا في تجربة إبليس. (6) أقول لكم هذا، لا على سبيل الأمر، بل على سبيل السماح، (7) فأنا أتمنّى لو كان جميعُ الناس مثلي، ولكن لكل انسان هبة خصّه الله بها، فبعضهم هذه وبعضهم تلك.

1- سياق النصّ
نقطة الانطلاق في روم 7، هو أنه وُجد، في كورنتوس، بجانب المتفلّتين من كل قيد على المستوى الجنسيّ، مسيحيّون تأثّروا بالحياة النسكيّة، فمالو إلى رفض مؤسّسة الزواج، أو طلبوا أن يُحلّ الزواجُ ولا سيّما حين يهتدي أحد الزوجين إلى المسيح، أو تمنّوا أن يعيش الرجل مع امرأته، كما الأخ مع أخته. يعيشان تحت سقف واحد ويتعاونان في جميع أمور الحياة، ولكنهما يمتنعان عن الحياة الجنسيّة.
في العالم اليهوديّ، كان الزواج واجباً يبرّره إيلادُ البنين. فعلى كل رجل أن يؤمّن، بواسطة أبنائه، تواصَل شعب الله. ترك بولس هذا التقليدَ، أو بالأحرى لم يحصر نفسه فيه. من جهة، هو يتطلّع إلى نهاية العالم القريبة، والأيام الصعبة الآتية. ومن جهة ثانية، لم يكن متزوّجاً، وإن سبق له وتزوّج، كما كان يفعل الفريسيّ في عمر مبكر، فهو حرّ من كل قيد زواج خلال رسالته. أو أن امرأته ماتت، أو تمّ انفصال. أما التخلّي عن الزواج من أجل البتولية، فأمرٌ معروف في الكنيسة، على مثال ما فعل يسوعُ نفسه.
ونلاحظ في ف 7 أن بولس يجيب على أسئلة محدّدة طرحها عليه الكورنثيّون، ولا يعطي تعليماً كاملاً عن الزواج والبتوليّة، وعن العائلة والأولاد. فهناك نصوص أخرى نقرأها في أف 5: 22- 6: 4؛ كو 3: 18- 21. لا يتحدّث الرسول عن الزواج كمؤسّسة، بل عن الأشخاص. وهناك نُسكٌ فيه يتخلّى المؤمن عن ممارسة الزواج، ولكنَّ لهذا النُسك حدوداً وشروطاً. لهذا، ذكّر بولس الكورنثيّين بالفطنة اللازمة لئلاّ يحسبوا نفوسهم "ملائكة" فيقعوا "في تجربة إبليسط.
ونبدأ بقراءة الجواب على السؤال الأول: هل يبتعد الرجل عن امرأته، لأن الزمان قريب؟ يقول الرسول إن العزوبة خير في ذاتها. وهذا "الخير" لا يعارض "الشرّ" (وكأن الزواج شرّ)، بل يقابل خيراً آخر. ففي نظر بولس، العزوبة أفضل من الزواج الذي هو خير أيضاً. ولكنه لا يكون خيراً، إلاّ للذين نالوا نعمة العيش في الوحدة والعزلة. أمّا بالنسبة إلى الآخرين، فالزواج خيرٌ بالنسبة إلى الشرّ الذي هو التحرّق بالشهوة والزنى. العزوبة "موهبة" خاصة، وعطيّة من نعمة الله (آ 7). فالذين لا يمتلكونها، ينصحهم بولس بالزواج، بل يحضّ المؤمنين على الزواج لخير النفوس وكرامة الكنيسة.
وما نلاحظه أوّلاً، هو أن الرسول يستبعد تعدّد الزوجات كما في تك 1: 27 (ذكراً واحداً وأنثى واحدة)؛ 2: 18 (أصنع له مثيلاً يعينه). كما يستبعد حياة الزنى خارج الزواج. كلٌّ من الزوجين لا يمتلك نفسه، بل يخصّ الآخر. هو لا يستطيع أن يفعل ما يشاء، وليست له حرّية مطلقة بالنسبة إلى الآخر. في العالمين اليهوديّ والوثنيّ، كان الرجل ينعم بوضع مميّز بالنسبة إلى المرأة. له كل الحقوق وما عليه واجبات. أما المرأة فلا حقّ لها، بل واجبات بالنسبة إلى الرجل وإلى الأولاد، كما هو الحال في العالم الشرقيّ إجمالاً. الرجل لا يرتبط بامرأته. هذا يعني أنه يقدر أن يرتبط بامرأة أخرى، أو بنساء عديدات. أما المرأة فترتبط بزوجها وبزوجها وحده. وخيانتُه زنى تُعاقَب بالقتل، بالرجم. أما الانجيل، فجاء هنا بالجديد الجديد: مساواة على مستوى الكرامة: لا رجل ولا امرأة، مساواة على مستوى الحقوق والواجبات.
لم يوافق بولس أولئك الذين يريدون زواجاً، لا تجامعَ فيه على مستوى الجسد. فيذكّرهم أن العلاقات الجنسيّة واجب متبادل بين الزوجين: أما الامتناع فقد يعرّض أحدهما، أو الاثنين، للزنى. وهو لا يسمح بالعفّة إلاّ بثلاثة شروط: الأول، توافق تام بين الزوجين. لا يفرضها الواحد على الآخر كتضحية ليس مستعداً لها. الثاني: إلى حين، إلى وقت قصير. لا مدى الحياة. فالانسان لا يقدر أن يبالغ في الاتّكال على امكانيّاته. لماذا نطلب عون الله في مشروع نجازف فيه. الثالث، من أجل التفرّغ للصلاة: رياضة روحيّة، اختلاء من أجل حياة حميمة مع الله نعمّق فيها ما التزمنا به في عمادنا.
في العالم اليهوديّ، كانت العلاقات الجنسيّة تجعل الانسان نجساً، فتمنعه من المشاركة في الاحتفالات الدينيّة. فنحن نقرأ في 1صم 21: 5 أن رجال داود لا يحقّ لهم أن يأكلوا "الخبز المقدّس" إن لم يكونوا صانوا نفوسهم من النساء. ونقرأ في سفر الخروج (19: 15) أن موسى طلب من الشعب أن يستعدّ للقاء الربّ على جبل سيناء: "كونوا مستعدين لليوم الثالث ولا تقربوا امرأة" (اليوم، في بعض الطقوس الشرقيّة، لا يحقّ للكاهن أن يحتفل بالذبيحة الالهية إن اقترب من امرأته في الليلة السابقة). ذاك كان معنى «العفّة» عند اليهود. أما عند المسيحيّين، فالامتناع الجنسيّ يعني أن نقدّم للربّ ذبيحة نرضى بها طوعاً، فندلّ على أننا لسنا عبيداً للحواس، بل أسياد نفوسنا من أجل خدمته.
غير أن بولس لا يفرض الزواج على جميع المؤمنين (آ 6). فإن فعل عارض نفسه بنفسه. فعزوبته ليست عصياناً ولا شقاء وتعاسة. فقد أعطته حرّيةً كبيرة من أجل خدمته (آ 32). فبولس سعيد في الحالة التي يعيشها، وهو يتمنّاها للكثيرين. لكنه يعرف أن تمنّيه لا يمكن أن يتحقّق. فالربّ لا يهب الجميعَ الموهبةَ عينها. وهكذا يلتقي الرسول بما قاله الانجيل عن البتوليّة والعزوبة في مت 19: 10- 12: "وفيهم من لا يتزوّجون من أجل ملكوت السماوات".

2- مساواة في الحياة الزوجيّة (7: 1- 4)
بعد المقدّمة (آ 1)، نقرأ كلاماً لم يعتَد عليه العالمُ القديم، سواء اليهوديّ منه أو الوثنيّ: مساواة تامّة بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجيّة. هنا نتذكّر أن المسؤولين كتبوا إلى بولس، وهو في أفسس، أسئلة في هذا الموضوع، كما حملوا إليه أسئلة شفهيّة. لماذا طُرحت هذه الأسئلة، وفي أي ظرف؟ هذا ما لا يظهر بوضوح. ولكن التشديد على الامتناع عن العمل الجنسي وما في هذا الامتناع من خير (آ 1، 8، 7، 27، 38، 40)، يجعلنا نفهم أن هناك دعاية من أجل الفلتان الجنسيّ (الذي اشتهرت به كورنتوس). بعد أن تحرّر المؤمن من الشريعة اليهوديّة، فهو ينقاد للروح. ولكن أي روح؟ لهذا سيقول بولس في آ 40 ب: "أظنّ روح الله فيّ أنا أيضاً".
ولكن بولس لا يريد أن يضع عقدة نفسيّة لدى المؤمنين الذين يرون النهاية قريبة، فيمتنعون عن ممارسة الحياة الجنسية داخل الزواج (رج آ 7 ب، 28، 36، 39). ثم هو يحذّر المؤمنين من "محاربة" الغريزة الجنسيّة (آ 2، 5، 8، 36). "عودوا إلى الحياة الزوجيّة لئلاّ يعوزَكم ضبطُ النفس". في الواقع، طرحت الجماعةُ أسئلة على نفسها: هل تتوافق الحياةُ الجنسيّة في الزواج مع القداسة المطلوبة من المؤمنين؟ أما يفضّل الامتناع؟ هل يجب أن نتزوّج؟ وإن تزوّجنا هل نعيش معاً كزوجين، أو كأخ وأخت؟ لا نعجب من هذا الاتجاه "النسكيّ والتقشّفي" في مدينة مثل كورنتوس عُرفت بمجونها. ثم إنه وُجدت ظاهرةٌ مماثلة في العالم اليونانيّ.
وجاء الجواب الأول أنه خير للرجل أن لا يمسّ امرأة. هل هذا الامتناع يجد سببَه في ذاته، أم في إطار النهاية القريبة؟ ولكن يبقى أن تحذيرَ بولس جاء حازماً ضدّ الذين ينادون بالامتناع، ويقابل بين ما هو ضروريّ وما هو موضوع تمنٍّ. بما أن هناك خطراً، ليكن لكل رجل امرأته، هذا مع العلم أن وضع الامتناع يمكن أن يكون فيه بعض الخير. فبين "الزنى" و"الامتناع" يبقى الدواء الزواجَ والحياةَ الزوجيّة.
وبعد أن قدّم بولس القاعدة التي يمكن أن توافق الجميع، توجّه إلى المتزوّجين الذين هم أول من تهمّهم هذه الأسئلة، فأعطاهم توجيهات حول التصرّف الذي يتصرّفون به (آ 3- 5). هي نصائح واضحة ومليئة بالحكمة. إن بولس مقتنع من أهميّة العفة، ولا سيّما في هذا المناخ، ولكنه يطلب قبل كل شيء مصلحة المؤمنين الحقيقيّة. نلاحظ في آ 3- 4 الموازاة التامّة داخل الجملة: على المرأة، على الزوج. هي مساواة تامّة في الحقوق والواجبات. وفي آ 5، يتوجّه الكلام إلى الاثنين معاً. فكلٌّ منهما يستطيع أن يأخذ الخط الصحيح، وكلٌّ منهما يمكن أن يقع في تجربة إبليس. وتتحدّث آ 4 عن الجسد. حين يُعقد الزواج، لا يخصّ الزوج (أو الزوجة) نفسه (نفسها)، بل هو (هي) للآخر. وإن أحسّ (أحسَّت) بميل إلى «العفّة»، اقتناعاً أو خوفاً، فلا يُسمح (لها) له أن يمنع (تمنع) هذا الحقّ الذي أعطاه للآخر حين قال نعم. وهنا يمكن أن نقول في خط 6: 16: الاتحاد بزانية يفصل عن المسيح. أما الاتحاد بين الزوجين فيثبّت الوحدة مع المسيح.

3- عفّة موقتة (7: 5- 7)
ويستخلص الرسول النتائج ممّا قاله في آ 4. كما يكرّر بشكل منعٍ، الأمرَ الذي أعطاه في آ 3. "على الزوج أن يوفي امرأته حقّها". "لا يمتنع أحدكما عن الآخر". ليس هناك سوى استثناء واحد: إن أراد الزوجان التفرّغ للصلاة. غير أن الرسول يضع حدوداً: اتفاق تام بين الاثنين، لوقت قصير نعود بعده إلى الحياة العادية. نشير هنا إلى أن الصلاة المذكورة، ليست الصلاة اليوميّة التي نقوم بها. وإلاّ لأجبرنا على ممارسة العفّة طوال حياتنا. بل هي فترة خاصة جداً يتفرّغ فيها الزوجان بكلّيتهما للصلاة.
لماذا يجب أن يعودا إلى الحياة الزوجيّة؟ لا يستطيعان أن يضبطا نفسيهما، فيقعان في التجربة. إذن، يسمح بولس بمثل هذه العفّة بشروط. ولكنه يفرض على الزوجين العودة إلى الممارسة الزوجيّة العاديّة. ولماذا ترتبط الصلاة بالعفّة؟ تلك كانت فكرة معروفة في العالم الوثنيّ كما في العالم اليهوديّ. فالمعلّمون كان يعفّون عن العلاقات الزوجيّة، لفترة محدّدة، ليتفرّغوا لدراسة التوراة درساً مطولاً. رج وصيّة نفتالي (8: 8 -9 ): "هناك وقت أكون فيه مع امرأتي، ووقت فيه امتنع من أجل الصلاة. الممارستان هما من الله. وإن لم تُحفظا حسب ''الترتيب'' (الطقس)، فهما للبشر سبب خطيئة كبيرة".
في آ 6 يميّز بولس بين ما يسمح به وما يأمر به. فما يأمر به هو من عند الربّ (آ 10). وما يسمح به يمكن أن يكون نصيحة من "رجل جعلته رحمةُ الربّ موضعَ ثقة" (آ 25). ويمكن أن يكون ما يسمح به نصيحةً من النصائح تنطلق من حياته أو من يقينه. هذا لا يعني أننا نفاضل بين العفة والفوضى الجنسيّة، بل بين العفّة والزواج. وسوف يقول: العفّة هبة من الله. والزواج أيضاً.
«أنا أتمنّى». غير أن العفّة ليست هبة معطاة لكل واحد. الانسان يختارها بحرّيته، ولا تُفرض عليه فرضاً. كل انسان ينطلق من واقعه الشخصيّ. فإن عاش العفّة، فليحذر تجربة إبليس إن لم يضبط نفسه. وإن تزوّج، فليمارس الحياة الزوجيّة بدون تردّد. المهمّ، الاتّفاق التامّ بين الزوجين بحسب شريعة الله. وهكذا، وإن كان الزواج هو الوضع العام للبشريّة، فهو يحتاج إلى نعمة خاصّة لنعيشه كما يليق بالانجيل وبحسب القواعد التي أوردها الرسول هنا في آ 3- 4. إذن، هو موهبة (هناك أناس لا يقدرون أن يتزوّجوا، أو لا يحقّ لهم احتراماً للآخر بسبب مرض أو إعاقة جنسيّة...)، وإن تكن العفّة موهبة أسمى من أجل التفرّغ التام لله في الرسالة أو في الصلاة.

خاتمة
كانت نقطةُ الانطلاق سؤالاً بسيطاً، فوصلت بنا إلى لاهوت يشدّد على كرامة المرأة التي كانت ممتهنة، فيجعلها مساوية لزوجها في الحقوق وفي الواجبات. أما التوصيات الخاصة، فتبقى حاضرة لنا اليوم في الكنيسة، فنطبّقها في الوضع الذي نعيشه. ونعرف أن كلَّ حالة نعيشها هي هبة مجانيّة من الله. يبقى علينا أن نُنميها. هي نداء من عند الله، ونحن نجيب بالطاعة لإلهام الروح الذي يعلّمنا كيف نقرأ أحداث الحياة اليوميّة، وكيف نسمع كلاماً يكون بشكل "نبوءة"، لأنه يكون كلمةَ الله تُرسل إلى الواحد منا في الوضع الذي يعيشه والغموض الذي يلفّه.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM