مع كنيسة كورنتوس تقديم

تقديم
حين نقرأ الرسالة إلى كورنتوس، نتخيّل نفوسنا في أفسس، على شاطئ تركيا الحاليّة، حيث وقف بولس يستمع إلى ما يُحمل إليه من أخبار. فخلوة، تلك التاجرة الكبيرة وصاحبةُ التأثير في الكنيسة، حمّلت العاملين عندها أخباراً حول الانقسامات في الكنيسة والتحزّبات. وعرف بولس أيضاً بما في هذه الجماعة التي أسّسها فكان بمثابة الأب لها، من انفلات أخلاقيّ لم يتحرّر بعدُ منه أولئك الذين جاءوا من الوثنيّة منذ زمن قريب.
ووصل إلى بولس، بشكل خاص، المسؤولون في الجماعة: استفاناس، فرتوناتوس، أخائيكوس. حملوا إلى بولس الأخبار الطيّبة عن هذه الكنيسة المزدهرة، التي تتّسع وتتّسع، بل يصل تأثيرها إلى مقاطعة آخائيّة اليونانيّة، ولا ينحصر في العاصمة كورنتوس. ولكنهم حملوا معهم أخباراً لم يُسَرّ الرسولُ بسماعها: خلافات داخل الجماعة التي يجب أن تشهد للمسيح في هذا المحيط الوثنيّ، فيمضي المؤمنون إلى المحاكم، ولا يجدون من يتحلّى بالحكمة فيفضّ خلافاتهم. وهناك فوضى في الاحتفالات، ولا سيّما في عشاء الربّ، حيث التمييزُ واضحٌ بين الفقراء والأغنياء، بين الأسياد والعبيد. هل هذه هي الأخوّة المسيحيّة التي تربط الجميع بواسطة سر المعموديّة، وأكل الجسد الواحد وشرب الدم الواحد؟
وأخيراً، تسلّم بولس رسائل حول الزواج والبتوليّة، حول اللحوم التي تُذبح للأوثان، حول المواهب في الكنيسة، ولا سيّما التنبّؤ والتكلّم بالألسن. وأخيراً، حول قيامة الموتى، والشكل الذي فيه يقومون.
وهكذا كانت لنا نظرة عامة عن جماعة مسيحيّة، تلتئم في أكثر من بيت، لأن عددها يتنامى يوماً بعد يوم. جماعةٌ صغيرة في مدينة يتجاوز سكّانها نصف مليون نسمة، بما فيهم العبيد الذين يشكّلون الثلث في المدينة، والأكثرية في الكنيسة مع العمّال وأصحاب الصناعات الصغيرة. عددٌ قليل من المسيحيّين تجاه أكثريّة ساحقة من الوثنيين. ومع ذلك، فهذه الأقليّة يجب أن تكون الخميرةَ في هذه المدينة، ولا تحسب نفسها ضعيفة بسبب عددها. فالخمرُ القليل يخمّر العجين الكثير، والملحُ القليل يعطي الطبخ نكهته، والنورُ يضيء على الذين في البيت كما على الآتين من الخارج. فهل تلعب كنيسة كورنتوس هذا الدور الذي يُنتظر منها؟ لا شكّ في ذلك. ولكن ينبغي عليها أن تجعل شهادتها أكثر شفافيّة، فتفهم أنها مسؤولة عن البشارة، لا في أخائيّة وحسب، بل في بلاد اليونان كلها.
كنيسةُ كورنتوس شبيهة بكنيستنا. هي أقليّة وسط أكثرية. مشاكلُها هي مشاكلنا. وصعوباتها صعوباتنا. وأفراحها أفراحنا. فإلى تأمّل في نصوص هذه الرسالة الأولى التي احتفظت بها كورنتوس، قبل أن تأخذ مكانتها في المجموعة البولسيّة. بهذه الطريقة وحدها، لا يعود كلام الله من الماضي، بل يتجسّد في كل رعيّة من رعايانا، فلا يبقى حرفاً ميتاً، بل روحاً وحياة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM