الفصل الثامن والثلاثون :رحمة الله تجاه الصغار

الفصل الثامن والثلاثون
رحمة الله تجاه الصغار

بعد أن توقّقنا عند رحمة الله في اللغة والنصوص، عند حنان الرب ورأفته، نتعرّف إلى رحمة الله تجاه الصغار، صغار القوم. من فقراء وغرباء، من يتامى وأرامل. تجاه كل الذين يعيشون بشكل أو بآخر على هامش المجتمع.
يُروى عن يسيب، ابن كارت، ملك أوغاريت (رأس شمرا)، أنّه طلب من أبيه أن يستقيل، لأنّه لا يقوم بواجباته كملك. وما هي هذه الواجبات؟ "لم تقض قضاء الأرملة، لم تُنصف المسكين، لم تطرد الذين يعرّون المسكين، لم تطعم اليتيم أمامك، لم تكن أخًا للمريض ورفيقه على سرير الألم".
إذا كان الملك هو "قائم مقام" الله على الأرض، سواء في الشرق القديم بشكل عام وفي اسرائيل بشكل خاص، فواجبات الله هي ثلاث: يهتمّ بالضيف والغريب. يهتمّ باليتيم والأرملة. يهتمّ بالضعفاء والمرضى والمساكين. ولماذا؟ لأنّه الله، ولأنَّ قلبه مليء بالرحمة تجاه خلائقه.

1- الضيف والغريب
كيف نعرف اهتمام الله بالضيف والغريب؟ حين نسمع وصاياه من أجل شعبه. "إذا نزل بكم غريب وأراد أن يصنع فصحًا للربّ فليُختتن فيصير كالصريح في الأرض" (خر 12: 48). شريعة واحدة تكون للصريح والدخيل (آ 49). لا تمييز بين ذاك الذي وُلد في الأرض، وذاك الذين "تهجّر" من أرضه فصار غريبًا في أرضك. والوصيّة واضحة بالنسبة إلى السبت: ترتاح أنت، ويرتاح "نزيلك الذي يقيم في مدنك" (20: 11). الكلمة العبريّة المستعملة هي "جر" وهي قريبة من العربيّة "جاور"، أقام قرب مسكنه. والجار هو المستجير أي الذي يطلب إغاثة لأنّه ضعيف ولا سند له. "ج ر" هو الأجنبيّ والغريب. هو الشخص الذي يعيش بعيدًا عن أهله وأرضه. وهو يقابل "الصريح"، أي المولود في مكان لم يُقتلع منه (ازرح في العبريّة).
ويتابع سفر الخروج فيقول: "لا تظلم الغريب ولا تضايقه" (22: 20). ثم يقول: "لا تضايق الغريب" (9:32). والسبب: "كنتم غرباء في أرض مصر... أنتم تعلمون نفسيّة الغريب". فكما أنَّ الربّ اهتمّ بشعبه يوم كانوا غرباء في مصر، هكذا يهتمّ المؤمن بكل غريب يقيم في جواره، فيدلّ على عناية الله بالغرباء.
ولن يكون الاهتمام بالغريب سلبيًا فحسب. لا يكتفي المؤمن بأن لا يسيء إليه، بل يعامله بالرحمة. فالغريب أساسًا هو فقير. ونحن نقرأ في سفر اللاويين: "إذا حصدتم حصيد أرضكم، فلا تستقص إلى أطراف حقلك في الحصاد، ونثار حصيدك لا تلقطه. ولا تعد إلى خصاصة كرمك، ونثار كرمك لا تلقطه، بل اترك ذلك للمسكين والغريب" (19: 9-10). أنا الربّ آمرك بهذا. وأنا أعطيتك هذه الأرض، وأنا أطلب منك أن تعطي، "فأنتم غرباء ونزلاء عندي" (25: 23) يقول الربّ. أعاملكم كما تعاملون الغريب.
وسيخطو سفر التثنية خطوة فيدعو إلى محبّة الغريب. "أحبّوا الغريب، فإنّكم كنتم غرباء في مصر" (19:10). والله يسمّي نفسه "مُحبّ الغريب" الذي "يرزقه طعامًا وكسوة"، و"قاضي حقّ اليتيم والأرملة" (18:10). نجد هنا كلمة "اهب" أيّ أحبّ. الله يحبّ، والانسان يحبّ مثله. وهذه المحبّة نعبّر عنها بالمشاركة في خيرات الأرض (24: 19-22)، بالمشاركة في الفرح. "إفرح بجميع الخير الذي أعطاه الرّبّ إلهك لك وبيتك، أنت واللاوي والغريب" (26: 11).
ويكون صوت الأنبياء امتدادًا لما قرأناه في أسفار موسى الخمسة. ندَّد حزقيال بشعبه فقال: "يهينون الأب والأمّ، يعاملون الغريب بالظلم، يضطهدون اليتيم والأرملة" (22: 7). وهدّد بالعقاب. وقال الله بلسان زكريا: "لا تظلموا الأرملة واليتيم والغريب والمسكين، ولا يفكّر واحدكم على الآخر بالشرّ" (7: 10). فكما لا يرضى الله عن شرّ يتمّ داخل شعبه، هو لا يرضى عن ظلم يسيء إلى هذه الفئات المقهورة في العالم. فهو الإله الرحوم. وقد ربط معاملة الغريب بمخافة المؤمن له (ملا 3: 5).

2- اليتيم والأرملة
حين نعلم وضع اليتيم والأرملة في مجتمع لا يقدّر المرأة قدرها ويعتبر الولد ملكًا لوالده، نفهم اهتمام الله بهاتين الفئتين، وذلك في خطّ ما نعرفه في الشرق القديم. فالالاهة ننشي "تعرف اليتيم والأرملة، تعرف ظلم الانسان للانسان. ننشي هي أم اليتيم والتي تعتني بالأرملة. تُحقّ حقّ الفقير، وهي الملكة التي تجتذب المهجّر إلى حضنها وعندها يجد الضعيف ملجأ".
في النصوص القديمة عامّة، وفي التوراة خاصّة، يترافق اليتيم مع الأرملة. يقول الربُّ في قانون العهد: "لا تسئ إلى أرملة ولا يتيم. فإن أسأت إليهما وصرخا إليّ، أسمع صراخهما فيشتدّ غضبي" (خر 22: 21-22). غضبُ الله هو رفضه لوضع مؤلم. وكما سمع صراخ شعبه المعذّب في أرض مصر، هو يسمع اليتيم والأرملة، فيتصرّف كالزوج بالنسبة إلى امرأته والأب بالنسبة إلى ابنه.
ويتوقّف سفر التثنية مطوّلاً عند حقّ هاتَين الفئَتين المقهورَتين، كما يهتمّ بالغريب والفقير. فعلى المؤمن أن يعشِّر أمواله، ويكون هذا العشر "للغريب واليتيم والأرملة الذين في مدنكم، فيأكلون ويشبعون فيبارككم الربّ إلهكم في جميع ما تعملون" (14-29). وعندما يأتي العيد، ويعمّ الفرح دياركم، فلا تنسوا "الغريب واليتيم والأرملة" (16: 11، 14).
وترد وصيّة تعود بالمؤمن إلى أيام العبوديّة والضيق في أرض مصر. "لا تحرّف حكم غريب ولا يتيم، ولا ترتهن ثوب أرملة (أي تأخذ لها آخر ما لها، ثوبها الذي على جسدها). وأذكر أنّك كنت عبدًا في مصر وفداك الربُّ إلهك من هناك" (17:24-18). ويتابع النصّ مشدّدًا على إشراك هذه الفئات المسحوقة في خيرات الأرض. "إذا حصدت حصادك في حقلك فنسيت حزمة في الحقل، فلا ترجع لتأخذها. دعها للغريب واليتيم والأرملة. فيباركك الربّ إلهك في جميع أعمال يديك. وإذا خبطت زيتونك، فلا تراجع ما بقي في الأغصان، دعه للغريب واليتيم والأرملة. وإذا قطفت كرمك، فلا ترجع إلى قطفه مرّة بعد مرّة. دعه للغريب واليتيم والأرملة" (24: 21). وهكذا تصل بركة الله من خلالك إلى الذين اقتلعوا من أرضهم أو من بين أهلهم. فشأن اليتيم والأرملة كشأن الغريب، والربّ يهتمّ بهم جميعًا.
ونسمع الأصوات النبويّة. يهتف أشعيا (17:1): "تعلّموا الإحسان واطلبوا العدل. أغيثوا المظلوم، وأنصفوا اليتيم، وحاموا عن الأرملة". ويتابع مندّدًا بشعبه: "لا ينصفون اليتيم بشيء، ولا تصل إليهم دعوى الأرملة" (23:1). لهذا، "لا يرحم الله أيتامهم وأراملهم" (9: 16). هنا نتذكّر كلام الانجيل: "كونوا رحومين كما أنّ أباكم رحيم". أو: "إن لم تغفروا، فأبوكم السماوي لا يغفر". ويقول إرميا (28:5): "لا يحكمون بالعدل في دعوى اليتيم، ولا يقضون للمساكين بالحقّ". ويناديهم: "أصلحوا طرقكم... لا تجوروا على الغريب واليتيم والأرملة، ولا تسفكوا الدم البريء" (7: 6، رج 22: 3). الجور على اليتيم يساوي سفك الدم البريء. ويرفع هوشع صلاته إلى الربّ في ضيق شعبه: "فيك أيُّها الربّ يجد اليتيم رحمة" (14: 4).
وترد صلوات المزامير فتحدّثنا عن الله الذي يأتي لمساعدة اليتيم (14:10). نطلب منه أن "يُنصف اليتيم والمقهور" (آ 18). فالله هو "أبو اليتامى ومعين الأرامل". (68: 6) مع أنّه الربّ الاله المتعالي فوق البشر. وفي 146: 6-9 يعلن المرنِّم صفات الله: ينصف المظلومين، يرزق الخبز للجياع، يُطلق الأسرى، يحرس الغرباء، يعين الأيتام والأرامل.

3- الضعفاء والمساكين
الاهتمام بالمساكين هو صفة من صفات الله. فالربّ وحده هو راعي شعبه، وإنّ رعاه الملك فباسمه. وبهذه الصفة، هو يدافع عن المساكين ويطلب من المقتدرين أن يتصرّفوا على مثال الله.
أ- الله يدافع عن المساكين
نقرأ أوّلاً تث 10: 17-18: "الربّ إلهكم هو إله الآلهة وربّ الأرباب، الإله العظيم الجبّار الذي لا يحابي ولا يرتشي. يحكم لليتيم والأرملة، ويحبّ الغريب". فالله، في تساميه وتعاليه، يؤمّن العدالة للبشر. هو بعيد عن قاض يُشرى ويُباع. وتدخّله يخدم ثلاث فئات من الناس: الأرملة، اليتيم، الغريب. أي الضعفاء الذين ليس لهم من يدافع عنهم. هم لا يستحّقون هذا الاهتمام، ولكنَّ الربّ المحبّ يفعل، والمحبّة هي عطاء. الله يرى في ممارسته للعدالة، فعلَ محبّة تجاه المحرومين.
وينشد مز 76 الربّ بصفته القاضي الذي "يقضي" للناس، ولاسيّما لمساكين شعبه. ويبارك مز 103: 6 الربّ الذي يُنصف المسحوقين. ويعلن المرنّم: "أعرف أنَّ الرب يحكم للمساكين ويُعطي البائسين حقّهم". فالمسكين يعرف أنَّ حماه في الله لأنّه مسكين. والقضاء الإلهي الذي ينتظره يجعل حقّه يتغلّب على ظالميه.
وفي مز 9، يتحدّث المرنّم عن "خصومه" الذين يطلبون حياته. "الرب يجلس إلى الأبد، وللقضاء ثبّت عرشه ليقضي للعالم بالعدل ويدين الأمم بالاستقامة. الربّ ملجأ المقهورين، ملجأهم في يوم الضيق... ينتقم ممَّن يسفك الدماء، ويذكر ولا ينسى صراخ المساكين... البائسون لا يُنسون أبدًا، ورجاء المساكين لا يخيب" (آ 8-19).
بما أنّ الربّ ملك، فعليه أن يقيم العدل. لهذا، فهو لا يستطيع أن يترك الأقوياء والأشرار يُرهقون الضعفاء. إنّه يسحق المضايقين، ويُنصف اليتيم والفقير والضعيف والبائس. لهذا، حين يحسّ المؤمن بضعفه، يرفع صراخه إلى ربّه. "أنصفني يا الله من قوم لا يرحمون، ومن أهل المكر والجور نجّني" (43: 1). "خلصني باسمك يا الله، وبجبروتك أحسن إليّ" (3:45). وإذ ينتظر المرتّل تدخّل الله الخلاصيّ، يحتمي وراء ضعفه ومسكنته. "أنا مسكين وبائس، لكنك يا ربّ تهتمّ بي. نصيري ومنقذي أنت، فلا تتأخّر يا إلهي" (8:40). وفي 10:35 ينشد: "عظامي جميعها تقول: من مثلك أيّها الربّ ينقذ المساكين البائسين من سالبيهم الأقوى منهم".
حين يُدشِّن الله ملكه في أورشليم، يهتمّ اهتمامًا خاصًا بالضعفاء والمرضى والمتعبين، وهكذا يدلّ على أنّه راعي شعبه. "ها هو الربّ إلهكم آت وذراعه قاضية. يرعى قطعانه كالراعي ويجمع صغارها بذراعه ويحملها حملاً في حضنه ويقود مرضعاتها على مهل" (أش 40: 9- 11). في هذا المجال نقرأ حز 34: "في مرعى صالح أرعاها... هناك تربض في حظيرة صالحة، وترعى في مرعى خصيب. أنا أرعى غنمي، وأنا أعيدها إلى حظيرتها، فأبحث عن المفقودة وأردّ الشاردة وأجبر المكسورة وأقويّ الضعيفة" (آ 14-16). وفي هذا الخطّ يقول مي 4: 6-7: "ألمّ المشّردين، أجعل العرج يمشون والجياع أمّة عظيمة، فيملك الربّ في جبل صهيون من الآن إلى الأبد".
إنّ مجيء الربّ يتمّ في نهاية الأزمنة عبر قدرته وسلطانه، وهو ينتصر على "أعدائه"، على الذين يضايقون شعبه ومساكينه. وسيكون انتصاره دلالة على حنانه ورحمته تجاه الضعفاء والمرضى. لهذا يهتف النبي أشعيا (35: 1-10): "ستفرح البرّية والبادية، ويبتهج القفر ويُزهر كالنرجس، يُزهر إزهارًا، ويبتهج ويترنّم طربًا... يرى كلّ بشر مجد الله وبهاء الربّ إلهنا. شدّوا الأيدي المسترخية وثبّتوا الركب المرتجفة. قولوا لمن فزعت قلوبهم: تشدّدوا ولا تخافوا! ها إلهكم آت لخلاصكم... عيون العُمي تنفتح وكذلك آذان الصمّ، ويقفز الأعرج كالغزال ويترنّم لسان الأبكم... يكون هناك طريق سالكة... يسير فيها المخلّصون والذين فداهم الربّ".
إنَّ ساعة تدخّل الربّ ترى فرح المتألّمين، أولئك الذين طلبوا ماء وما من ماء (17:41). ويُعلن ف 61 البشرى للمساكين فيقول: "ستمتلكون في الأرض مضاعفًا ويكون فرحكم مؤبدًا. فأنا الربّ أحبّ العدل وأبغض الاختلاس والظلم... فكما الأرض تخرج نباتها والحقلة تُنبت زرعها، كذلك الربّ ينبت العدل فيتمجّد أمام جميع الأمم" (آ 7- 11).
ب- الله يطلب منّا الاهتمام بالمساكين
على كلّ مؤمن واجبات تجاه الضعفاء والمساكين، وعليه أن يؤدّي حسابًا أمام ذلك الذي يعتبر نفسه المدافع عن البؤساء. نقرأ في خر 22: 20-26، تحذيرًا من ظلم الغريب، من مضايقة اليتيم والأرملة. ويتابع النصّ مقدّمًا أمورًا عمليّة: "إن أقرضت مالاً لمسكين من شعبي، فلا تعامله كالمرابي ولا تفرض عليه ربى. وإذا استرهنت ثوب قريبك، فعند مغيب الشمس تردّه إليه، لأنّه كساؤه الوحيد، كساء جسده، ففي أي شيء ينام؟ إن صرخ إليّ استجبت له لأني حنون".
الغريب والأرملة واليتيم والمسكين يُدفعون دفعًا إلى الاقتراض. ولكنَّ الله يحميهم ويتدخّل إذا ظلمهم أحد. والسبب ليس صلاحهم. بل لأنّه حنون. وسيشدّد سفر التثنية على واجب تأمين الضروريّ للمحتاج. فمن لم يلبّ هذه الحاجة، كانت خطيئته عظيمة. ومن أعطاهم، حلّت عليه بركة الله. فالأرض لا تخلو من محتاج. "لا تقسّوا قلوبكم ولا تبخلوا على أخوتكم المحتاجين فيما بينكم. بل افتحوا لهم أيديكم وأقرضوهم مقدار ما يعوزهم... لذلك آمركم اليوم أن تفتحوا أيديكم لإخوتكم المساكين المحتاجين الذين في أرضكم" (7:15- 11). هنا نتذكّر كلام الربّ في إنجيل القديس لوقا (6: 38): "أعطوا تُعطوا (أي: يعطيكم الله): كيلاً ملآنًا مكبوسًا مهزوزًا فائضًا تُعطون في أحضانكم، لأنّه بالكيل الذين تكيلون يكال لكم". بمقدار ما تعطون يعطيكم الله.
وفي تث 24: 14-15 نقرأ عن المسكين الأجير: "لا تهضم أجرة مسكين ولا بائس... بل ادفع إليه اجرته في يومه قبل أن تغيب الشمس عليها، لأنّه مسكين وبها يعول نفسه، لئلا يدعو عليك إلى الربّ فتكون عليك خطيئة". وإذا أردتم أن تكونوا قديسين كما أنّ الله قدوس، لا تظلموا أحدًا، ولا تسلبوه، ولا تحتفظوا بأجرة الأجير عندكم إلى الغد (لا 19: 13). وسيكون كلام القدّيس يعقوب في رسالته امتدادًا لهذه الوصيّة: "والأجور المستحقّة للعمّال الذين حصدوا حقولكم التي سلبتموها يرتفع صياحها، وصراخ الحصّادين وصل إلى مسامع ربّ الجنود" (5: 4).
وهذا الواجب المفروض على الجميع تجاه المساكين والضعفاء، مفروض بالأحرى على الملك وعلى كلّ صاحب سلطان. قال إر 12:21: "يا بيت داود، أحكموا بالعدل كلّ صباح. وأنقذوا المظلوم من يد الظالم، لئلاّ يتفجّر غضبي كالنار جزاء شرِّ أعمالكم". وفي 22: 3: "أحكموا بالعدل، وأنقذوا المظلوم من يد الظالم، ولا تضطهدوا الغريب واليتيم والأرملة، لا تجوروا عليهم". وقال أشعيا (1: 23): "حكّامك قوم متمرّدون وشركاء لقطّاع الطرق. كلّهم يحب الرشوة ويسعى وراء الربح". وفي 3: 14-15: "الربّ يدعو إلى المحاكمة شيوخ شعبه ورؤساءهم فيقول: أنتم الذين نهبتم الكروم وسلبتم المساكين وملأتم بيوتكم. ما بالكم تسحقون شعبي وتطحنون وجوه البائسين"؟
وتجاه توبيخ الأنبياء، نجد صلاة المزامير وفيها يوجّه الله كلامه إلى رؤساء شعبه: "إلى متى تقضون بالجور وتنحازون إلى الأشرار؟ أحكموا للذليل واليتيم، وأنصفوا المسكين والفقير. أنقذوا الوضيع والبائس، ونجوّهما من أيدي الأشرار" (82: 3- 4).

خاتمة
ذاك هو اهتمام الله بشعبه، ولاسيّما بالوضعاء والمساكين. هو الذي سمع صراخ الذين كانوا عبيدًا، ما زال يسمع صراخ المتألّمين في أي وضع وُجدوا. وسبب تدخّله هو في الدرجة الأولى رحمته، لا برّ هؤلاء الناس ولا أعمالهم الصالحة. فلا غريب لدى الله، وكلّ إنسان على صورته. ولا يتيم لأنّه هو أبو اليتامى. ولا أرملة ولا فقير، فهو من يعولهم جميعًا. فليس لهم أن يخافوا. هكذا بدت رحمة الله تجاه حاجات الجسد من طعام وشراب ولباس وبحث عن راحة وفرح وحريّة. ولكنّ رحمة الله ستكون أسطع ظهورًا تجاه حاجات النفس، تجاه الخطيئة وما يلحقها من عقاب. إنّه الإله الذي يغفر ويسامح، الاله الذي يرحم ويتحنّن.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM