هذه دياري إلى الأبد

هذه دياري إلى الأبد
المزمور المئة والثاني والثلاثون.

1. المزمور المئة والثاني والثلاثون هو مزمور مسيحاني ينشده الملك الذي اختاره الرب ومسحه ليكون باسمه رئيسًا على شعبه. يتلوه الحجاج فيعيشون حادثًا قديمًا هو انتقاله تابوت العهد إلى أورشليم. يسيرون في طواف ويعلنون عن خيبة أملهم بعد رجوعهم من الجلاء. لم تتحقّق مواعيد الله: أين الملك، أين تابوت العهد علامة حضور الرب في شعبه؟

2. يتذكّر الشعب، عبر انتقال تابوت العهد، اختيار الله لصهيون وداود.
آ 1- 5: مواعيد الله لداود: يجازي بالخير غيرته الملكية.
آ 6- 10: انتقال تابوت العهد في تطواف: يحضر الله اليوم في الليتورجيا، فيقوم اليوم كما في الماضي ويسير أمام شعبه.
آ 11- 12: جواب الله: يحلف لداود ويقيم معه عهدًا.
آ 13- 16: وعد الله لصهيون: اختارها مسكنًا له.
آ 17- 18: هذا الحلف هو عربون المستقبل لصهيون ولداود.

3. تذكّر يا رب. نداء ترفعه الجماعة إلى الرب ليتذكّر داود. أيكون الرب قد نسي داود والحالة هي ما هي؟ يطلبون من الرب، ليس فقط أن يعيد إلى ذاكرته، بل أن يجعل الماضي حاضرًا الآن، وأن يتمّم كلمات قالها في الماضي. يطلبون من الرب أن يساعد الجماعة، فتكتشف حضورًا اكتشفته في الماضي وخفي عنها الآن. يتذكّر الله وتتذكّر الجماعة معه ما وعد به الله مدينتَه وملكه. وعندما تتذكّر تعيش مراحل تاريخ الخلاص في سر الليتورجيا، تعيش من جديد ما صنعه الله من أجل شعبه.
حلف الله لداود واختار أورشليم. وهو حلف يربط الله بطريقة لا يمكنه الرجوع عمّا وعد به. وهو عهد، والعهد يبقى قائمًا ما دام الملوك أمناء على عهدهم لله. وهكذا بعد الوعد لابراهيم والوعد لموسى، يأتي الوعد لداود ليتمّ حلقة مواعيد الله: منذ الآن سيربط الله وجوده بمدينة أورشليم حيث يقيم تابوت العهد، بعد أن كان يتنقّل من مكان إلى مكان دون أن يجد له مكانًا يستقر فيه.
اختار داود أورشليم ليجعل الله فيها مسكنًا، ولكنه باختياره هذا نفّذ ما كان الله قد أعدّه منذ الأزل. فاختيار مدينة أورشليم يستند إلى كلمة وحَلَف من قبل الله ومن قبل داود. أقسم الرب لداود: لأجلسنَّ من ثمرة بطنك على عرشك. وأقسم داود للرب: لن أدخل بيتي إلاّ أن أجد مقامًا ومسكنًا للرب. وإقامة الرب في أورشليم ستكون مكان راحته إلى الأبد، وموضوع بركة وفرح للمساكين أحبَّاء الله، ومنهم الكهنة.
وتنمو سلالة داود في أورشليم وتكون قويّة (القرن علامة القوّة)، وتبقى حيّة متجدّدة كالسراج يضاء في الهيكل فلا ينطفئ. ما دام الله حاضرًا، يبقى ملكه حاضرًا يرعى جماعته. وينتظرون علامة حضور الله الجديدة في الانتصار على الاعداء وفي تتويج الملك. ولكن هذا الانتظار يتأخّر فيتزعزع الايمان والرجاء في قلب الشعب: هل نسي الله مواعيده وترك السكن في مدينته أورشليم؟

4. يعبّر هذا المزمور عن فقدان الصبر عند الشعب الذي ينتظر ملكًا من سلالة داود. ونحن المؤمنين في العهد الجديد نقول إن هذا الملك جاء في شخص يسوع بن داود (مت 1: 1؛ 9: 27)، وفيه أقام الله لنا قرن خلاص (لو 1: 69): هذا الملك المسيح صار هيكل الآب ومسكنه النهائي فنتذكّر أعمال داود للرب، وخاصة أعمال يسوع بن داود من أجل إقامة ملكوت الله فنصلي ليأت ملكوتك.

5 أ. داود وأورشليم
نحن هتا أمام صلاة، لأن الحالة تعيسة رغم هتاف الفرح المفعم بالرجاء. يتطلّع المؤمنون إلى داود وكأنه الوسيط، ويتذكّرون وعد الله المضاعف: اختار داود واختار أورشليم.
حلف الله لداود حلفًا لا يتراجع عنه، حلفًا يربطه إلى الأبد. هو لن يخون عهده، بل ما قاله هو تأكيد وحقيقة دوِّن في تاريخ الكون. وهذا القسَم هو الوعد الذي تلاه ناتان لداود (2 صم 7: 16) بأن سيجلس دومًا على عرش داود واحد من نسله. وهكذا نكون أمام مثلّث من الوعود: وعد لابراهيم، وعد لموسى، ووعد لداود. نلاحظ إن الوعد لابراهيم يكاد يكون غائبًا عن المزامير (47: 10؛ 105. 9، 42) وأن الخروج من مصر يحتلّ مكانًا هامًا وإن بصورة ضمنية. أما الوعد لداود المرتبط باختيار صهيون فستوضحه المزامير مرارًا وتعلن أن الله وحده يُجلس الملك على العرش ويُبقيه هناك.
واختار الله أورشليم. ففي وقت من التاريخ قرّر الربّ أن يختار صهيون كمقام له. لا شكّ في أن داود اختار أورشليم مركزًا لله وخضع الله لاختيار داود. ولكننا نجد في مقاطع أخرى أن داود نفذ اختيار الله الازلي. أما هنا فما قام به الله وما قام به داود يشكّلان عملاً واحدًا. فاختيار أورشليم مؤسَّس على كلمة الله وقسَمه على كلمة داود وقسمه. وتذكّرنا آ 13 باختيار الرب هذا ورغبته أن يقيم حيث اختار له "المسيح" داود مقامًا. وفي آ 14 نرى أن الله لم يعد إلهًا من البدو تائهًا من مكان إلى آخر، بل صار إلهًا مقيمًا في مكان من الامكنة وإلى الأبد. ويُلزم الله نفسه أن يبقى دومًا في أورشليم لأن هذا هو مكان راحته.

5 ب. تأمّل
يحتفظ المسيحي من هذا المزمور بثلاثة أمور:
أولاً: غيرة لسكن الله بيننا. هذه الغيرة فكّر فيها الرسل حين رأوا بدهشة يسوع ينظّف هيكل أبيه من التجار (رج يو 2: 17). لماذا لا نستوحي هذا المثل من أجل حبّ الكنائس وخدمتها؟ لماذا لا نملأها بهتافات مسيحانية كتلك التي أطلقها اليهود من أجل يهوه؟ أجعل نسل داود خادمك ينبت، وأجعل شأنه يرتفع من أجل خلاصك. ولقد أنشد زكريا، والد يوحنا المعمدان، تحقيق هذا الخلاص في نشيد شكر استوحى كلماته من هذا المزمور: "تبارك الرب إله اسرائيل الذي أقام قوّة خلاص في بيت داود عبده". ونبقى في جو الصلاة مع عبارة "ليأت ملكوتك" فنفهم أن مخلّصنا هو الملك المسيحاني الذي من نسل داود (مت 1: 1؛ 9: 27؛ 15: 22؛ 20: 30؛ 21: 9).
ثانيًا: موضوع صلاة مسكونية نطلب فيها من الله أن يغدق خيراته بغزارة حسب وعده على صهيون التي اختارها والتي تكمّلها الكنيسة. أن يعطي الكهنة قداسة تحتل القلوب، والمؤمنين فرحًا عارمًا، والمساكين قوت الزمن وقوت الروح (رج مز 34)، وكل ذوي الارادة الصالحة وفرة نعمته (رج لو 2: 14)، وأعداء الانجيل نورًا فلا يسيئوا إلى حاملي البشارة في العالم. كذا نقرأ في سفر الرؤيا (21: 2- 3): "رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة وسمعت صوتًا يهتف: هوذا بيت الله مع الناس. يسكن معهم ويكونون شعبه وهو يكون الههم".
ثالثًا: نجد دعوة أن لا نهمل شيئًا لنستقبل فينا المسيح يسوع ونحوطه بمحبة حارة. قال أوغسطينس: "إرغَب بكل صدق في صداقة المسيح. يريد أن يقيم عندك. هيِّئ له المكان. وكيف ذلك؟ أحببه بدل أن تحب ذاتك. إن أحببت ذاتك أغلقت في وجهه الباب. إن أحببته فتحت له الباب. وإن فتحت له دخل. وبدل أن تحب نفسك فتهلك، فأنت تخلص مع الذي تحب... ولكنه لا يستريح في الذين بردت فيهم المحبة (رج مت 24: 12). هو يرتاح في الذين يثبتون إلى الانتهاء (رج مت 24: 13). فكن أنت من هؤلاء".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM