الخاتمة
نظرة أخيرة إلى سفر الرؤيا
في نهاية قراءتنا نفهم بشكل أفضل آنيّة التعليم الذي يقدّمه رؤ للمسيحيين في نهاية الألف الثاني وعلى عتبة الألف الثالث، بل في كل عصر من العصور.
وعى الكاتب أنه يعيش في عالم يخضع لسيد بغيض ومخيف هو إبليس. ومن خلال التعايش. الصعب مع الإمبراطورية الرومانية، يكتشف بذار معارضة تامة بين عالمين يجب أن يخضع الواحد للآخر لأنهما لا يستطيعان أن يتواجدا معاً. غير أنه لا يكتفي بأن ينزع القناع عن هذا العالم "الشرير" ويشجبه، بل يعلن أن وراء عالم الظواهر هناك عالم آخر لا يدركه إلاّ الإيمان، عالم هو في الواقع الحقيقة الوحيدة. هذا العالم الجديد قد تدشنَ بشكل نهائي ولا رجوع عنه في انتصار يسوع الفصحي، في ظفر المسيح الذي هو الحمل المذبوح.
وحين يشهد المسيحيون ويموتون على مثال معلّمهم، فهم منذ الآن يدلّون على واقع انتصار المسيح، فيجسدونه فيهم ويظهرون حقيقته. إنهم يكشفون مجد الإله القدير وحده ويدعون سائر البشر لكي يتّخذوا موقفاً وإلاّ واجهوا الدينونة. فحرب المسيحيين دوماً صعبة لأن تجربة المساومة مع عبّاد الوحش دوماً حاضرة، مع أنهم منذ الآن لبسوا الثوب الأييض، وذاقوا أفراح المدينة المقدّسة وثمرة شجرة الحياة. لهذا تتوجّه إليهم حتى نهاية الكتاب التهديدات والتحذيرات.
وهكذا تبرز المفارقة في رؤ عن رؤية الأمور هذه. هناك وضع المسيحيين. هناك دمج بين الأزمنة والأماكن. هناك لغة تحاول أن تعبّر بلسان البشر خبرة ترتبط بحياة الله. الكنيسة هي جماعة صغيرة وضعيفة ومهدّدة بالزوال بسبب الإضطهادات. ولكنها مختومة بخاتم الله الحيّ فتعيش منذ الآن البركات الأبدية التي يمنحها الله للذين يحبّونه. في الكنيسة المستقبل حاضر منذ الآن. والماضي هو في الحاضر والحاضر لا بدّ أن يأتي. والكنيسة هي في الوقت عينه في السماء وعلى الأرض. وقد اتخذ "الموت" و"الحياة" معنى آخر. فمَن يحيا مع الحمل لا يخاف الموت. والذين يعتبرون نفوسهم أحياء (لأنهم أقوياء في العالم) هم معدّون منذ الآن للموت الثاني.
كيف نعبّر عن هذه الأمور بلغة كوّنها البشر؟ هناك تقاربات ورموز وصور تحاول أن تصوّر ما لم تره عين ولم تسمع به أذن. ومع ذلك، فهذه اللغة تحيلنا إلى الله الذي هو الآخر الذي لا بدّ من أن نستقبله. ولا يفهم رؤ إلاّ ذاك الذي قبل أن "يتواطأ" مع هذا الكتاب لأنه آمن بكلمة الله وشهادة يسوع. الذي فتح قلبه لحبّ المسيح وجنون الصليب وخبرة الفرح الجديد في الملكوت التي لا يعبّر عنها. وحده يفهم رؤ ذاك الذي ذاق الماء الحيّ وسكر بخمرة الروح الذي يكلّمه في قلبه. فالروح والعروس يقولان: تعال! والسامع فليقل: تعال! والعطشان فليأتِ. ومَن يشاء فليأخذ ماء الحياة مجّاناً! آمين. تعال أيها الربّ يسوع