ابن الله من نسل داود

1
ابن الله من نسل داود
1: 1- 7

ترتبط بداية الرسالة إلى رومة بعيد الميلاد، لأنها تشدّد على أن ذاك الذي وُلد في الجسد، في لحم (ودم)، هو يسوع ابن الله. سوف نقرأ روم 1: 1- 7، فنكتشف أولاً تحيّة بسيطة عرفها العالم اليهودي والعالم الروماني، ثمّ نتطلّع إلى بولس ورسالته (آ 4- 5)، قبل أن نتحدّث عن أساس الايمان المسيحيّ حول يسوع الذي هو انسان كامل وإله كامل.

1- النعمة والسلام
أنا بولس، عبد المسيح يسوع.
دُعي من قبل الله ليكون رسولاً...
أتوجّه إليكم، يا أحبّاء الله،
الذين في رومة،
المدعوّين ليكونوا قديسين. عليكم النعمة والسلام
من الله أبينا،
ومن ربّنا يسوع المسيح.
نقرأ هنا ثلاثة عناصر معروفة في الرسائل القديمة: المرسِل، من أرسلت إليه الرسالة، التحيّة أو التمنّي. هذا ما نجده لدى الوثنيّين كما في سفر المكابيين الثاني (9: 19) أو سفر الأعمال (23: 26)، ولدى المسيحيين (أع 15: 23؛ يع 1: 1). راعى بولس هذا التعبير هنا، كما في رسائل أخرى (1 تس 1: 1؛ 2 تس 11: - 2) في بنيته الأساسيّة، فكان أميناً لعادات عصره.
نحن في نهاية سنة 57. بولس هو في كورنتوس (اليونان) حيث قضى ثلاثة أشهر الشتاء (أع 20: 3) بعد عمل رسوليّ طويل. إنه ينتظر الربيع ليحمل إلى أورشليم (أع 19: 21) ما جمعه من تبرّعات من أجل الجماعة الأولى، في أورشليم (15: 25- 27؛ رج 1 كور 16: 1- 4؛ 2 كور 8- 9؛ غل 2: 10). وإذا سارت الأمور مسيرتها، سيمضي إلى اسبانيا بعد أن يمرّ على المسيحيين في رومة (15: 23- 24، 28). والرسالة إلى رومة تعلن عن هذه الزيارة وتهيّئها.
«بولس عبد المسيح». هذا اللقب أعطيَ في العهد القديم لعدد من الأشخاص لعبوا دوراً في مخطّط الربّ: موسى (خر 14: 31)، داود (2 صم 7: 8)، إيليا (1 مل 18: 36). وسمّى بولس نفسه «عبد يسوع المسيح»، لأنه واعٍ أنه دخل في هذا المخطّط الذي تمّ في المسيح يسوع وتكرز به الكنيسةُ بواسطة الرسل.
«أحبّاء الله في رومة». إليهم أرسل بولس رسالته. وصل إليهم حبّ الله في المسيح يسوع. أدركهم في نداء مجانيّ (آ 5؛ 8: 28- 30؛ 35- 39)، فجعلهم يدخلون بدورهم (15: 25- 26) في «الشعب المقدّس»، الشعب الذي انفصل عن الوثنيين، وتكرّس لله، والتزم طريق القداسة (6: 19- 23). وبولس أيضاً سمع هذا النداء (آ 1). وهو يتمنّى لمراسليه النعمة عينها الآتية «من الله أبينا ومن الربّ يسوع المسيح» (آ 7).
«النعمة والسلام». من الله الحيّ تأتينا هذه النعمة والسلام. النعمة (خاريس في اليونانية) تقابل الحنان. هي محبّة الله المجانيّة: أسلم ابنه لأجلنا (8: 32). اختارنا (11: 5). برّرنا (3: 24)، فما حقّ لنا أن نفتخر (3: 27). والسلام هو التحيّة في العالم السامي، تجاه النعمة في العالم اليوناني. نحن هنا أمام سلام بين الله والبشر. غاب بسبب الخطيئة، فعاد بيسوع المسيح (5: 1؛ رج 2: 10؛ 30: 17؛ 5: 33). السلام هو ملكوت الله (14: 17) الذي يطبع بطابعه علاقتنا مع الجميع إذا أمكن (12: 18؛ 14: 19).

2- بولس ورسالته
أنا بولس عبد يسوع المسيح.
دُعيت (من قبل الله) لأكون رسولاً،
فُرزتُ للانجيل...
به نلتُ النعمة والرسالة
لأدعو إلى طاعة الايمان،
جميعَ الأمم الوثنية، وأنتم أيضاً منهم
دعاكم يسوع المسيح.
شدّد بولس على صفته كرسول (1 كور 15: 8- 9). هو من أرسله الله (10: 15)، وكلّفه بأن يعلن البشارة على الأمم الوثنية، على البشر كلهم. فُرز، جُعل جانباً، دعاه الله إلى هذه المهمّة التي هي نعمة خاصة، حصل عليها (1 كور 15: 10) حين اهتدى إلى الربّ (رج غل 1: 15- 16).
لماذا شدّد على هذا الموضوع؟ لأنه لاحظ أن المسيحيّين في رومة هم جزء من الأمم الوثنيّة. وحين كتب بولس إلى مسيحيّي رومة، أحسّ ببعض الانزعاج، لأنه أمام كنيسة لم يبشّرها هو ولا تلاميذه، ولا هو زارها. وحين يزورها في نهاية حياته، سيكون سجين المسيح. لهذا جاء كلامه متحفّظاً. هو يريد أن يشاركهم في نعمة نالوها. يريد أن يشجّعهم وينال التشجيع منهم (1: 11- 12). وفي النهاية، يعلن لهم زيارة ستكون عابرة (15: 23- 24). ستكون رومة محطّة له في طريقه إلى اسبانيا.
كيف ستستقبله كنيسة رومة؟ هذا ما لا يعرفه. وإذ هو يكتب رسالته، يتجاوز مبدأ أخذه على نفسه: أن لا يمضي إلى مناطق وصل إليها الانجيل، بل إلى مناطق لم تسمع بعد باسم المسيح (15: 20- 21). وإذ أراد أن يكون أميناً لهذا المبدأ (15: 22)، ما أراد المجيء إلى رومة ليحمل الانجيل (1: 13- 14)، مع أنه مقتنع أن رسالته تتوجّه إلى جميع الأمم الوثنية، وبالاحرى إلى رومة عاصمة العالم الوثني. فلا نعجب إن شدّد بولس، منذ البداية، على هذه الرسالة (1: 13- 14؛ 15: 15- 19). فهو بهذه الصفة وحدها يبرّر مجيئه إلى رومة وكتابة رسالة إلى المسيحيّين في رومة.

3- أساس الايمان المسيحيّ
نشير هنا إلى أن المسيحيّة وصلت باكراً إلى رومة، وكانت مزدهرة سنة 49- 50، حين اتّخذ الامبراطور كلوديوس قراراً بطرد اليهود، بسبب خلافات سبّبها، بلا شك، صراع بين يهود صاروا مسيحيين وآخرين ظلّوا على يهوديّتهم. كيف بدا إيمانُ هؤلاء المسيحيّين؟ جاء الابن في الجسد ووُلد من نسل داود، وقام من بين الأموات بقدرة الروح. ونقرأ نصّ الرسالة:
ليُعلن البشارة
التي سبق أن وعد بها بأنبيائه
في الكتب المقدّسة
في شأن ابنه:
حسب الجسد، وُلد من نسل داود،
وحسب الروح القدس،
أقيم في قدرة ابن الله
بقيامته من بين الأموات،
ربّنا يسوع المسيح.
انطلق بولس من عنوان رسالة بسيط، لا يختلف عمّا في عالمه، فتحدّث عن رسالته قبل أن يصل إلى عمق الايمان المسيحيّ. أراد الرسول أن يتكلّم عن مهمّة سيقوم بها، فتكلّم عن الموضوع الجوهريّ في هذا الايمان الذي يكرز به (10: 14- 17)، بحيث ينتقل المؤمن من المعصية (اللاطاعة) (5: 19) إلى الطاعة (آ 5: 6: 15- 19؛ 10: 16) والخضوع لمخطّط الله. لا شكّ في أنه لن يكون هو أول من يعلن الانجيل في رومة، بعد أن جاء المسيحيون للقائه حين وصل إلى رومة سنة 61، مع عدد من السجناء. ولكنه أراد أن يذكّرهم بهذا الانجيل الذي تحدّث عنه في الرسالة إلى غلاطية، كي يشاركهم في هبة روحيّة من الهبات، وليقوّيهم (آ 12) في إيمانهم، ويُنعش ما سبق لهم أن تعلّموه، ويساعدهم ليكونوا «تقدمة تُرضي الله» (15: 16).
هذه البشارة هي موضوع وعد في الكتب المقدسة. أُعلنت مسبقاً. وُعد بها المسيحيون. وبولس هنا هو صدى لتقليد مسيحانيّ أوّلانيّ يعتبر أن جميع أحداث يسوع حتى القيامة، قد جرت حسب الكتب (1 كور 15: 1 - 5). «كل مواعيد الله وجدت نَعَمها في يسوع» (2 كور 1: 20).
ونقرأ في قلب هذه البشارة: «ابن الله» (رج 1 تس 1: 10؛ 1 كور 1: 9). سيدعوه بولس في روم 8: 32: «ابنه الخاص». هذا الابن هو، بحسب الجسد، من نسل داود. الجسد (أو: البدن) أو اللحم (والدم)، صفة تدلّ على العالم القديم، عالم الخطيئة والموت الذي سبق يسوع. والحياة «حسب الروح» هي حياة المسيحيّ كخليقة جديدة (2 كور 5: 17) تنتمي إلى العالم الجديد الذي دشنته عطيّةُ الروح القدس (8: 9- 13؛ رج أع 2: 33).
الانتقال من عالم إلى عالم، يتمّ بالنسبة إلى المسيحيّ، حين يهتدي إلى المسيح وينال سرّ العماد (6: 3- 11؛ 8: 1- 4). وقدّ تمّ هذا الانتقال على مستوى تاريخ الخلاص، في موت يسوع وقيامته. فبمولد يسوع «من نسل داود»، صار الابن بحسب الجسد من نسل بني اسرائيل (9: 3- 5)، من سلالة ابراهيم (4: 1؛ غل 3: 16). وخضع للشريعة (غل 4: 5) التي تقود إلى اللعنة والموت (3: 10 - 13). وحين مات يسوع، وضع حداً لهذا العالم (حسب الجسد) الذي كان جزءاً منه، ما عدا الخطيئة (عب 41: 5). وحين قام (آ 4) ونال الروح، «أقيم ابن الله بالقدرة» (أو: مع القدرة، في القدرة؛ أع 2: 33). عندئذ تتحقّقُ لابن الله الكلمةُ التي تعلنه ملكاً إلى الأبد، حسب مز 2: 7: «أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك» (أع 13: 33). قيامةُ يسوع هي مثل ولادة جديدة جعلته بكر إخوة عديدين (8: 29)، بكر عالم جديد، عالم بحسب (أو: في) الروح. هو الآن الربّ والمسيح، كما قال بطرس في سفر الأعمال (2: 36) فذكّرنا بكلام الرسول: «يسوع المسيح ربّنا» (آ 4).

خاتمة
في هذا الإطار، نحن أمام ولادتين لابن الله. هناك ولادة أدخلته في عالم «الجسد» على أنه من نسل داود، فصار واحداً منا ووُلد من امرأة (غل 4: 4) وخضع للناموس. والولادة الثانية تمّت في موته وقيامته من بين الأموات، فكانت انطلاقة عالم جديد وخليقة جديدة «حسب الروح». بين هذين العالمين تقفُ حياتُنا، كما وقفت حياة المسيحيين في رومة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM