الرب متعال على الأمم

الرب متعال على الأمم
المزمور المئة والثالث عشر

1. المزمور المئة والثالث عشر هو مزمر مديح ينشده المرتّل للرب باسم عبيد الله وخدّامه، باسم مساكين الرب (كهنة، ولاويون وغيرهم) الذين تكرّسوا لدرس الشريعة وحفظها وترديدها. هدفه تعليمي، وهو يبيّن رحمة الله الذي ينزل من أعلى سمائه نحو بني البشر لرِفعهم، فيبعث فيهم الرجاء. ينطلق من حالة مساكين يهوه (الرب) ليعبّر عن حالة الشعب الوضيع في منفاه: يُنهض المسكين عن التراب ليُجلسه مع العظماء. هذا المزمور هو الاول في سلسلة "الهلل (التهليل) الكبير" الذي ينشده شعب اسرائيل في أعياده الكبيرة (الفصح، الحصاد، المظال).

2. مديح اسرائيل إلى الاله العلي الذي ينحدر إلينا.
آ 1- 3: دعوة إلى عبيد الرب ليسبّحوا اسم الرب ويباركوه من أجل عمله الخلاصي. لا حاجة إلى دعوة الشعب والأمم الغريبة والكون كله. فجماعة مساكين يهوه، الذين يمثّلون شعب الله (عبيد الله)، والذين هم أوسع من جماعة ليتورجية، يصل نشيدهم إلى أقاصي الأرض، إلى كل مكان تشتّت فيه شعب الله، ويمتد في الزمن من الآن إلى الأبد.
آ 4- 6: أسباب هذا المديح: عظمة الله: من مثل الرب الهنا. هو فوق الأمم، فوق آلهة الأمم، فوق السماوات بقامته ومجده، وفوق الكون والتاريخ. يجلس في السماء، ينظر إلى الأرض ويراقب من أعلى سمائه أقلّ شيء في الخليقة. هو عظيم جدًا، ولا صغير أمامه لأنه يهتمّ بكل شيء.
آ 7- 9: أسباب هذا المديح: عمله الخلاصي الذي يعبّر عن رحمته في الماضي والحاضر والمسبل: يقلب الأمور رأسًا على عقب، فيرفع المسكين عن المزبلة والبائس عن التراب ليجعله بين العظماء. يُحدر الاعزاء عن الكراسي ويرفع المتواضعين. يهب العاقر أبناء عديدين، لأن الأمومة الخصبة هي مجد المرأة، والبنون يربطون الآباء بمجيء المسيح: هذا ما سيحدث لصهيون حسب نشيد أشعيا (54: 1): "رنِّمي أيتها العاقر التي لم تلد".

3. يتوجّه هذا المزمور إلى عبيد الرب، ويدعوهم إلى تسبيح اسم الرب، أي الرب بذاته. أعلن عن اسمه بكلمته وأعماله، وتفسير اسمه المحبة الحاضرة والقدرة الفاعلة من أجل خلاص شعبه. وعبيد الله يسبّحون الله العظيم ويفهمون أن الشعوب أمام عظمته كنقطة من دلو وكغبرة في ميزان، والقارات مثل حبة رمل، والأمم كلاشيء (أش 40: 15- 17)، وحتى سماء السماوات لا تستطيع أن تسعه (1 مل 8: 27). ومع كل عظمته نستطيع أن ندعوه "الهنا" وقد انحدر بحريّة تامّة ورحمة واسعة نحو شعبه الضعيف ليرفعه من التراب ومن المزبلة. من أجل هذا ليكن اسمه مباركًا.
هذا النشيد مخصّص لاسم الله. والاسم هو الشخص بما فيه من سرّ وبما يعبّر عن ذات الله الظاهرة بأعماله. ما يميّز الله عن بقيّة الآلهة هو اسمه يهوه الذي به دخل تاريخ شعبه. فعندما كشف عن اسمه يهوه لموسى، كشف له عمّا سيفعله من أجل شعبه. اسمه يهوه لأنه يتدخّل في تاريخ البشر. وهذا الاسم يجب أن يمدحه اليهود به أينما كانوا: من مشرق الشمس إلى مغربها. يمدحونه باسم الأمم وباسم الكون، لأنه سيّد الأمم والكون.

4. إن موضوع هذا المزمور (1 صم 2: 8: أمّ صموئيل)، وهو انحدار الله العلي ليرفع الوضعاء، نقرأه في نشيد العذراء مريم (لو 1: 46- 57: تعظّم نفسي الرب) الذي هو مقدمة تُدخلنا في جوّ العهد الجديد، لأنه يصوّر بداية عمل الله الخلاصي الذي يجد كماله في يسوع المسيح. ويسوع الاله الذي صار جسدًا وأخلى ذاته آخذًا صورة العبد (فل 4: 6- 8)، قد رفعه الله وأعطاه اسمًا يفوق كل الأسماء. فعلى خطى المسيح تسير كنيسته، وبوحي كلامه يسير المؤمنون، وهم الذين تعلموا منه أن من اتّضع ارتفع ومن ارتفع اتّضع (مت 23: 12).

5. "هلّلوا للرب يا خدّامه، هلّلوا لاسم الرب". تعود الكتب المقدّسة مرارًا إلى هذه المدائح لأنها ليست على مستوى اللامبالاة؟ بل هي ذبيحة وتقدمة ترضي الله. قال الله: "ذبيحة الشكر هي العبادة التي تكرمني" (مز 50: 23). وقال المرتّل في موضع آخر: "أمدح اسم الله بنشائدي، أمجّده بمدائحي. هذه الذبيحة تُرضي الله أكثر من ذبح عجل بقرون وأظافر" (69: 31- 32).
وتوصينا الكتب المقدّسة مرارًا بهذا الواجب. ونحن نرى الذين نجوا من خطر يعلنون لله شكرهم ويقدّمون ذبيحة الحمد. وتقولون: أين الصعوبة في كل ذلك؟ أي انسان مهما كان وضيعًا أو صغيرًا لا يستطيع أن يقوم بهذا الواجب ويمتدح الله؟ حين تفكّرون مليًا، ترون في الوقت عينه أن هذا الواجب لا يخلو من صعوبة، وأننا نربح حين نمارسه.
أولاً، الابرار وحدهم مقبولون لكي يقدّموا هذه الذبيحة. فيجب أن نرتّب حياتنا قبل أن نأتي ونقدّم المدائح لله. "فالمديح ليس صالحًا في فم الشرّير" (سي 15: 9). ثانيًا، يجب أن نمدح الله، لا بكلامنا فقط بل بأعمالنا. وهو يطلب منا بشكل خاص مثل هذا المديح الذي يؤول لمجده: "ليضئ نوركم أمام الناس فيروا أعمالكم الصالحة ويمجدّوا أباكم الذي في السماوات" (مت 5: 16).
تلك هي المدائح التي يقدّمها الكروبيم لله. ولهذا، حين سمع النبيّ (أشعيا) هذا النشيد الروحيّ، عرف شقاءه ووضاعته فهتف: "ويل لي لأني رجل دنس الشفتين، وأقيم وسط شعب شفاهه نجسة" (أش 6: 5). لهذا، حين أوجب المرتّل على نفسه أن يمدح الله، بدأ بقوّات السماوات: "يا ساكني السماوات، إمدحوا  الرب. أيها المقيمون في أعالي   الفلك إمدحوه     " (148: 1).
يجب أن نكون ملائكة قبل أن نقدّم مدائحنا لله. ولنحذر من أن نهتمّ اهتمامًا قليلاً بهذا النوع من المدائح. ولنفعل بحيث تسبق حياتُنا فمنا، وليُسمع سلوكُنا صوتَه قبل لساننا. عند ذاك يصبح صمتُنا نفسه مديحًا يسرّ الله. وحين تُفتح شفاهنا يجب أن يتناسق نشيدها كل التناسق مع حياتنا. (يوحنا الذهبي الفم).

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM