مؤامرة الشعوب
المزمور الثالث والثمانون
1. المزمور الثالث والثمانون هو مزمور توسّل تنشده الجماعة طالبة من الرب العون على أعداء شعبه الذي يعيش ضيقًا عظيمًا، بسبب ما يهيَّأ له من حرب لافنائه. ربط اسرائيل مصيره بمصير الرب، فهل يرضى الرب أن يزول شعبه من الوجود. وإن زال، فمن يقوم بالنشيد والحمد لله؟
2. مؤامرة الشعوب على شعب الله، ودعوة شعب الله على هؤلاء الشعوب.
آ 2: نداء وتوسّل إلى الله ليتدخّل من أجل شعبه: اللهم لا تصمت، لا تهدأ.
آ 3- 9: شكوى إلى الله على الأمم بسبب عدوانها على اسرائيل.
آ 10- 19: صلاة إلى الرب يطلب فيها الشعب عقابًا للأعداء المتحالفين عليه.
يعرض المرتّل حالة شعبه (آ 3- 55) كما في المزمور 2: 2- 3. فضجَّة مؤامرة الشعوب كضجة أمواج البحر، وأي ضرر من مكيدة تتوجّه إلى شعب محسوب على الله ليمحوه من التاريخ. يعدّد المتآمرين (آ 6- 8): أدوم، اسماعيل... وأشور، ويطلب المرتّل أن يتدخّل الله، فيصبح مصير الأعداء كمصير الذين قهرهم جدعون ودبورة (آ 10- 12). ثم يطلب معونة الله الكونية في عاصفة تكنس كل شيء وتجعله كالقش في نار حريق لا يشبع، فيقهر العدو ويلبس الخزي. ولكن من هم المتبارزون في هذه الحرب؟ اسرائيل هو حليف الله الذي يخبئه في دياره (17: 14؛ 27: 5)، وأعداء اسرائيل هم الذين يطلبون أن يمحوا شعب الله من الوجود. الله حليف اسرائيل وكل من يهاجم أخصاء الله يكون عدوّه الشخصي، وسيّد الخليقة والتاريخ لن يتوانى عن نجدة شعبه كما فعل عندما ضرب ملوك كنعان (قض 4- 5) وأمراء مديان (قض 7- 8) متوسّلاً قوى الطبيعة عليهم (قض 5: 20)، بانتظار انتصاره في أورشليم. أما الأعداء فهم جيران أشرار، بعضهم مثل موآب وعمون والفلسطيين كانوا تابعين لداود، وبعضهم الآخر مثل جبال (وهي غير جبيل- بيبلوس ولكن مدينة جنوبي البتراء) والهاجريّين والاسماعيليين، وهي أمم ترتبط بالعرب. أما عماليق، وهو أول عدو لاسرائيل، فقد نساه شعب اسرائيل منذ عهد داود. ويذكر المرتّل أخيرًا مدينة صور القريبة والمتحالفة مرارًا مع اسرائيل، وأشور التي هدّدت وتهدّد أرض شعب الله. وإن بقي الشعب على أرضه رغم وجود كل هؤلاء الأعداء، فالفضل يعود إلى الرب الذي لا يجب أن يرف له جفن، وإلاّ زال شعبه من الوجود.
3. يدعو الشعب الله ويطلب إليه أن يتحرّك، أن لا يبقى ساكتًا. لم يكن اسرائيل مرتاحًا أن يسكت الله بل يريده أن يكون قائد حرب يهاجم العدو قبل أن يتآمروا. فأصوات الحرب قريبة وقضية اسرائيل هي قضية الله: "أعداؤك، مبغضوك يرفعون رؤوسهم"، ائتمروا على شعبك، يريدون شرًا بشعب الله، وبالتالي يريدون أن يرفعوا رؤوسهم أمام الله.
4. كيف نفهم هذا المزمور الذي فيه يطلب المرتّل القصاص لأعدائه. الشعب يجد نفسه في حالة الدفاع عن النفس وهو يطلب العون من إله العهد القدير.
- الشعب يعرف أنه يحمل مشعل الله، فإن هم زالوا زال مشعل الله، لأن مصيرهم يرتبط بمصير الله.
- أظهر الرب في تاريخ الخلاص أنه المحامي عن اسرائيل وديّان الشعوب السامي. فليتدخّل الآن كما فعل في الماضي، وليعامل الأعداء بحسب شريعة السن بالسن والعين بالعين.
ونحن أبناء العهد الجديد نصلي هذا المزمور عارفين أن الأعداء هم الخطيئة والموت والشيطان (رؤ 13: 1 ي؛ 20: 7- 10) ونحن نطلب من الرب أن يزيلهم، فيكون هو كلا في الكل.
5. تأمّل
طلب المؤمن من الرب أن يتدخّل. أن لا يبقى صامتًا، مكتوف اليدين، وكأن الأمور لا تعنيه. ويعرض أمامه الواقع وكأن "الله" لا يراه. يعرضه كما في مز 2: 2- 3. الشعوب تتآمر، الشعوب تضجّ وتثور. وهذه المؤامرة تتوجّه على الذين يقيمون في حمى الربّ. وتأتي بعد ذلك لائحة المتآمرين ولاسيّما أشور وما تركه من شرّ في عالم الشرق ولاسيّما في فلسطين.
ليتدخّل الله فيصيب المتآمرين ما أصاب الذين دحرهم في حروب دبورة وجدعون. ولتأت العاصفة والنار. هو الله يتدخّل في التاريخ وفي الكون فيدلّ على قدرته. فالشعب حليف الرب الذي يجعله ضيفًا في بيته يدافع عنه. والرب حليف شعبه، لا منذ الخلق والخروج، بل بشكل خاص منذ زمن القضاة. أما الأعداء فهم "جيران أشرار"، لأنهم يعبدون الآلهة الوثنية على ما يقول سفر الحكمة عن مصر. ولكن في النهاية ستأتي الشعوب كلها إلى أورشليم كما يقول مز 87. فتقول: كلنا وُلدنا هنا. في أورشليم مدينة الله، ينبوع بركاتنا