الله الديّان العادل

الله الديّان العادل
المزمور الثامن والخمسون

1. المزمور الثامن والخمسون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل ليشكو إلى الرب القضاة الظالمين الذين يجورون بأحكامهم على المساكين من أجل رشوة يدفعها إليهم الغني المقتدر. نقرأه فنشعر وكأننا أمام كلام الانبياء الذين اسمعوا صوت العدالة والحق باسم الله، فدعوا القاضي السماوي إلى أن يضع حدًا لهذه الظلامات التي تجعل من القريب وسيلة لاشباع رغبة التسلّط عند الناس.

2. عدالة الناس وعدالة الله.
آ 2- 6: يشكو المرتّل القضاة الجائرين ويعطي صورة عن تصرّفاتهم: يرتبطون بالأشرار برباط المصلحة المشتركة، ويحتقرون الضعيف المسكين رغم أن الرب يحميه. الشرير يملأ الأرض بشرّه ولا دواء له لأنه لا يرجع بسهولة إلى الرب. الشرير يخرج الموت كما تخرج الحيّة السم من فمها، مع فارق واحد وهو أن صوت الحاوي يفعل فعله في الحيّة، أما المنافقون فلا يستطيع أحد أن يضع حدًا لغيظهم الهدَّام.
آ 7- 12: ويتوسّل المرتّل إلى الرب ليأخذ القضاء بيده، فيعاقب هؤلاء القضاة الظالمين ويخلص المسكين من أيديهم، وهكذا تتحقّق عدالة الله على الأرض. كما يتدخّل الله بالقوّة فيحطّم أنياب الاسود ثم يبيدها، هكذا يزيل الأشرار كالمياه التي تسيل، أو كالعشب الاصفر اليابس، أو كالسقط الذي لم ير النور. الرب يدين الارض بحضوره فتعطي عدالة الإنسان ثمارها. حينئذ ينتظر البار أن ينتقم من أعدائه: يغسل قدميه بدم المنافق.

3. يبدأ المرتّل خطابه فيدلّ على القضاة والمتمسّكين بزمام السلطة. هكذا فعل الأنبياء، فقال عاموس (5: 7): "إنكم تحوِّلون القضاء أفسنتينا وتهملون العدل على الأرض". وقال أشعيا (1: 23): "كل يحبّ الرشوة ويتتبّع الاجور. لا ينصفون اليتيم ودعوى الارملة لا تصل إليهم". وبما أن الوظائف تنتقل من الأب إلى الابن فالامتيازات العائلية تلعب دورها، ويبقى المتسلطون يرتعون بسلطانهم والمساكين يقاسون جورهم وظلمهم، ولكن القصاص سيكون عليهم قاسيًا.
القضاة هم في الغالب كهنة الهيكل الذين يعلنون حكم الله وصوته. ولكن هذه الاحكام لم تكن تتميّز دومًا بالعدالة، لأن الرشوة كانت تلعب دورها وحب التسلط يفعل فعله. وهكذا كان البار المسكين يُظلم، لأن الغني المقتدر كان يستفيد من ضعف الكاهن وحبه للرشوة ليسلب المسكين حقه.

4. نقرأ في هذا المزمور كلامًا عن الرغبة في الانتقام يودّ أن يشبعها مسكين مظلوم فتأخذنا عاطفة اشمئزاز. ولكن إن نظرنا إلى هذا الكلام على أنه صرخة دفاع عن النفس يطلقها الإنسان إلى ربه متشكيًا من عدالة مداسة وسط شعب الله، فهمنا المزمور دعاء إلى عدالة الله لتحمي الإنسان من نزوات الإنسان. إنما يبقى أن لا يطلب الإنسان استباق الأمور، بل يترك وقتًا لعدالة الله.
وتصلي الكنيسة هذا المزمور فتعلن للمسيح أنها مضطهدة رغم براءتها. وتطلب منه أن يكون القاضي العادل الذي يدافع عن حقّها ضد عالم الكذب. ثم تقول مع أبنائها: "إلى متى أيها السيّد القدوس الحق، لا تدين سكان الأرض وتنتقم منهم لدمائنا" (رؤ 6: 10)؟

5. الله حطّم أسنان الأعداء: ما أراد الفريسيون أن يصغوا إلى الشريعة. ما أرادوا أن يسمعوا من فم يسوع فرائض الحقيقة، أصمّوا أذنًا ليلتذوا بالماضي وأغلقوا الأخرى ليتنعَّموا بالخيرات الحاضرة. لهذا رفضوا أن يسمعوا. فما الذي عمله الرب؟ "حطم أسنانهم في أفواههم". ما معنى "في أفواههم"؟ أي أجبرهم أن يقرّوا بخطيئتهم، ضغط عليهم ليحكموا على نفوسهم مقرين بما فعلوا اقرارًا خاصًا.
فالفريسي الذي دعا المعلم لم يرضَ عن تصرّفه تجاه الخاطئة التي ارتمت على قدميه. تذمّر عليه فقال: "لو كان هذا الرجل نبيًا لعلم من هي هذه المرأة التي ارتمت على قدميه".
فأنت يا من لست بنبيّ، كيف عرفت أن المعلّم يجهل من هي هذه المرأة التي جاءت إليه؟ ألأنه أهمل فرائض اليهود عن طهارة الجسد؟ ما اهتمّ يسوع إلاّ بنقاوة القلب فبدا مشبوهًا لدى الفريسي.
أما المعلّم الذي عرف حقًا خطايا هذه المرأة فقد عرف أيضًا أفكار مضيفه. فأجابه بما تعلمون وباختصار. "حطّم أسنانه في فمه". وقدّم له مثلاً: "كان لدائن مديونان: واحد له عليه خمس مئة وزنة والآخر خمسون. وبما أنه لم يكن لهما ما يوفيان ترك الدين لكليهما. فمن يحب أكثر"؟
سأل المعلم بطريقة فرضت على الفريسي أن يبحث بحيث "تتحطّم أسنانه في فمه" فأجاب بالخجل السابق للرذل. أما المرأة فجاءت إلى بيت غريب فاستقبلها الله الذي ليس بغريب عنها ودعاها لأن تقاسمه رحمته. أجل "لقد حطم الله أسنانه في فمه". (أوغسطينس).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM