الفصل الثامن: أمانة موسى وأمانة يسوع

 

الفصل الثامن
أمانة موسى وأمانة يسوع
3: 1 - 6

تحدّث الكاتب عن صفتين لدى هذا الحبر الذي هو يسوع المسيح: رحيم وأمين (2: 17). وها هو يتحدّث الآن عن الأمانة التي يصوّرها بالنظر إلى تدبير بيت بناه الله (آ 4). بيت هو شعب الله (آ 6): موسى هو فيه كالخادم (آ 2، 5)، وعليه يملك المسيح (آ 6). إن علاقة موسى بهذا البيت تختلف عن علاقة يسوع. فشخص يسوع هو من السموّ بحيث تتفوّق أمانته تفوّقًا لا محدودًا على أمانة وسيط العهد الجديد. وبما أن التراتبيّة ترتبط بالأمانة، نفهم تفوّق العهد الجديد الذي أسّسه يسوع، على القديم الذي كان موسى وسيطه.

1 - تفسير الآيات

أ - الرسول والحبر (3: 1)
نجد في هذه الآية موجزًا للتعليم السابق. بعد ((نحن)) (يجب علينا، 2: 1؛ كلامنا 20: 5)، الذي فيه جعل الكاتب نفسه مع القرّاء، ها هو يستعمل هنا الخطبة المباشرة: أيها الإخوة القديسون. اعتاد الوعّاظ اليهود والاسيانيون أن يسمّوا هكذا أعضاء الجماعة. ومثلهم فعلت الكنيسة الأولى (30 مرة في أع؛ 130 مرة في الرسائل البولسيّة). ((أدلفوس)). رج 2: 11: إيمان مشترك بالمسيح (فل 1: 14). وحدة في المحبّة (1يو 2: 9 ،10). انتماء إلى الكنيسة (1كور 5: 11). ويضاف ((القديسون)) كما في كو 1: 2. نشير إلى أن بولس سمّى المسيحيين ((القديسين)) (عب 2: 11؛ 6: 10؛ 13: 24). فالمسيحيون هم الإخوة (أدلفوي)، القديسون (هاغيوي)، المشاركون (ماتوخوي). هم المؤمنون الذي طهّرهم الحبر وقدّسهم (هاغيازون، 2: 11)، فصاروا حصّة الله. لسنا هنا على مستوى الاخلاقيّات، بل على مستوى الخلاص.
((كليسيس)) (دعوة). ((إبورانيوس)) (سماويّة). نحن أمام نداء جاء من الله، وهو يدعو إلى حياة السماء (11: 16؛ 12: 22؛ فل 3: 24: نداء من الملء). كل مؤمن نال هذه الدعوة فشارك في بركة المختارين، بفضل وساطة عظيم الكهنة. لهذا عليه أن ((يتأمّل)) (كاتونويو))، رج 10: 24)، يتوقّف مليًا، يلاحظ (أع 7: 31، 32؛ يو 1: 23 ،24). هكذا دعا يسوع تلاميذه في لو 12: 24، 27: ((تأمّلوا في الغربان.... تأمّلوا في زنابق الحقل)). عندئذ يكتشفون عناية الآب السماوي.
ونقرأ ((ابوستولوس)) (شليحا في السريانية)، الرسول. هو لقب يُعطى للمسيح بشكل استثنائيّ. استُعمل هنا من أجل المقابلة مع موسى. رج 1: 1 - 2 ،14؛ تث 18: 15، 18. اعتبر المعلمون أن الكاهن هو ((ش ل و ح)) الله. وفي يوم التكفير، سموّه عظيم الكهنة و((ممثّل الشعب أمام الله)). يسوع هو رسول اعترافنا (نعترف به كرسول)، وهو حبر اعترافنا (نعترف به كحبر).

ب - يسوع هو أمين (3: 2 - 4)
ما هو موضوع هذا التأمّل المسيحي؟ أمانة هذا الحبر (بستوس. لا كخادم، تارابون، آ 5: بل كابن، هيوس، آ 6). اذن ليمارس الذين يشاركون في البنوّة، هذه الفضيلة عينها. ((أقامه)). الله هو الذي أقامه. أعطاه الطبيعة البشريّة. أعطاه شخصيّته البشريّة والالهيّة، وحدّد له رسالته. قابل الكاتب أمانة يسوع بأمانة موسى (رج فيلون، الفضائل 175): تسلّم موسى تدبير الله، فتلقّى أوامر الله. سوف نرى أن المسيحيين هم بيت الله، ودور يسوع في هذا البيت شامل شمول التدبير الجديد الذي يلي التدبير القديم.
وسيتوسّع الكاتب (آ 3) في تفوّق المسيح على موسى، بحسب معيار الأمانة، فيستغلّ استعارة البيت (1تم 3: 5) الذي هو صورة عن شعب اسرائيل، وسيصبح صورة عن الشعب المسيحيّ. هذا البيت يرتبط بالله ويخصّه. وبما أن المسيح يتفوّق على موسى، نفهم تفوّق الكنيسة على شعب اسرائيل. يستعمل العهد القديم فعل ((بنى)) (ب ن ه، أش 40: 28؛ 43: 7) ليدلّ على عمل الله الخلاّق. إنه يؤسّس هذا البيت الجديد (الذي يرتبط بالقديم في مجد (دوكسا) يتفوّق على مجد موسى.
وجاء القسم الأول من آ 4 في قول مأثور. هو يعود إلى زك 6: 12 فيتّخذ منحى مسيحانيًا، ويحدّد تفسير عد 12: 7 حيث الكلام عن البيت، لا عن الباني. هكذا تدلّ عب على كرامة موسى كما تدلّ على كرامة يسوع الذي يتفوّق على كل البُناة في الأرض. الله أقام يسوع حبرًا، وبالتالي أعطاه الشعب الأول والشعب الثاني (أويكوس تيو). أعطاه بيته. الله خلق كل شيء. ونظّم تدبير العهد القديم وتدبير العهد الجديد. وهو الذي يختار خدّامه ويرتّبهم. ولكن يسوع ليس خادمًا كسائر الخدّام. بل هو الابن. وبالتالي، عمله هو عمل الآب.

ج - بين الخادم والابن (3: 5 - 6)
لا يتميّز موسى والمسيح فقط (مان... دي) بالشعبين اللذين يرسلان إليهما، بل بالدور الذي يلعبه كل واحد منهما. إذا كان موسى أمينًا لمهمته (سي 45: 4 ،قدّسه لأمانته ووداعته)، فكخادم وعضو في شعب الله (تارابون، لا يرد إلاّ هنا في العهد الجديد). رج عد 12: 7 ، ((ع ب د)). اختارت السبعينيّة ((تارابون)) لا ((دولوس))، لأنها أرادت أن تشدّد على كرامة هذه الخدمة الطوعيّة. هكذا سمّي أيوب (أي 2: 3) وابراهيم واسحاق ويعقوب (تث 9: 27) وموسى (خر 14: 31؛ عد 11: 12؛ تث 3: 24؛ يش 1: 2). نشير إلى أن المدراش سمّى موسى ((ب ن. ب ي ت)). أما عب فاحتفظت بالعبارة ليسوع.
أوكل الله ترجمانه الأمين بأن ينقل أقواله (سي 45: 5) ويلعب دور الشاهد. هو حامل أمين (بستوس) لكلمة الله. هكذا أسّس تدبيرًا يهيّئ وحيًا ساميًا. كان السابق. ولكن، حين جاء من يحقّق التدبير الجديد، كُسف السابق.
أما المسيح (آ 6) الذي أعلنته النبوءات فحقّقها (هو المسيح هنا، لا يسوع، وهو يربط الانجيل بتاريخ اسرائيل)، فهو ابن الله (1: 2؛ رج مت 21: 37). لهذا، فموضعه ليس وسط الشعب كواحد من الشعب. إنه يملك على البيت (10: 21) كسيّد. البيت يخصّه (اويكوس) كما يقول الذهبيّ الفم وتيودوريتس. لم نعد فقط أمام فكرة الامانة، بل أمام تفوّق يسوع ودوره في تأسيس الكنيسة. أما الشقّ الثاني من الآية فيختتم هذه المقطوعة ويشكّل انتقالة إلى التحريض الطويل الذي يلي. ليس اليهود هم الذين يكوّنون شعب الله، بل المسيحيون (هامايس) الذين يجتمعون، لا كشعب من الشعوب، وعرق من الاعراق، بل بالدعوة السماوية. هذا يعني أنهم ينعمون بامتيازات الخلاص ومواعيده، شرط أن يكونوا هم أيضًا أمناء ويثبتوا في ما تعلّموه. رج ((كاتاخو)) الذي لا يعني فقط ((امتلك))، بل تمسّك، تعلّق. ونقرأ أيضًا ((كاوخيما)) التي تدلّ على الافتخار (زك 12: 7) والكرامة (تث 36: 19) فتقابل في السبعينيّة، ت ف ا ر ت، (ف أ ر: زيّن، كرّم) و ((ت هـ ل ه)) التي ترتبط بالفرح. في هذا المعنى، يبتهج البار الذي يرجو الله (مز 5: 12). فمن وثق بالله، ابتهج وكانت له هذه الثقة سببَ فرح. وهكذا ترتبط ((كاوخيما)) بالرجاء (روم 5: 2) الذي يمنح المؤمن فخر الايمان والفرح.
ولفظة ((باريسيا)). هي ((بان ريما)) يعني: نقدر أن نقول كل شيء دون أن نخاف. هي حريّة الكلام (يو 7: 13 ،26؛ 10: 24). هي في نظر لوقا وبولس، الواعظ الذي يتكلّم بجرأة ولا يهتمّ لما يقال (حك 5: 1)، لأنه مقتنع بالبلاغ الذي يحمله (أع 2: 29؛ 4: 13 ،29، 31؛ أف 6: 19). وفي 2كور 3: 12؛ أف 3: 12؛ فل 1: 2؛ 1تم 3: 13، ارتبطت ((باريسيا)). بـ ((بستيس)) (الايمان) و((إلبيس)) الرجاء. في عب، صارت فضيلة مسيحية تميّز علاقة الثقة بين المؤمن والله (3: 6؛ 4: 16؛ 10: 29 - 23). هي تجعلنا في زمن النهاية، فتستبعد الخوف من الدينونة، لأنها تعرف أنها موضوع المواعيد الالهيّة التي تتحقّق. وهذه الثقة بالخلاص، التي يغذّيها الايمان بالله، تتلوّن بلون الفخر (لا 26: 13: ق و م م ي و ت، أي الرأس المرفوع) والفرح (أي 27: 10، ع ن ج، في العربيّة: غنج).
وهكذا يهتمّ الكاتب بإيمان المؤمنين وثباتهم. فيشجّعهم واضعًا أمامهم هدف الحياة المسيحيّة (1: 14؛ 2: 1، 3). هم في عداد المختارين. ويتحدّد موقفهم الأخلاقيّ والروحي، بالنظر إلى الرجاء، بالجرأة والفخر اللذين يليقان بمن يشارك في الدعوة السماويّة.

2 - قراءة إجماليّة
((لذلك، أيها الإخوة القديسون الذين يشاركون في الدعوة السماويّة، تأمّلوا يسوع الرسول وحبر اعترافنا)) (3: 1)
مع أننا انتقلنا إلى قسم جديد (تفوّقُ يسوع على موسى)، إلاّ أن الانتقال جاء منطقيًا وهادئًا. يتوجّه الكاتب إلى ((الاخوة)) الذين يحتاجون التأديب والتوبيخ، وإن كانوا شركاء في الايمان. وأضاف ((القديسين)) (لفظ يدلّ أيضًا على المسيحيين) ليدلّ على تكريس ذواتهم الله واختيارهم بدعوة سماويّة من أجل خدمة الله.
إن الدعوة السماويّة التي يشارك فيها هؤلاء الإخوة القديسون، تدلّ على نداء من أجل كمال سماويّ، يبتعد عمّا في الأرض من ضعف وسقوط. رج 2كور 5: 1 والكلام عن البيت الأرضي (ابيغايوس اويكيا) والبيت الأبدي في السماء (أوكيا أيونوس إن تويس أورانويس). أجل هذا النداء هو الله ((أبونا الذي في السماء)) (مت 6: 9؛ 7: 11). وكنيسة الله (اكليسيا) هي جماعة المدعوين (إك - كاليو). هذه الدعوة تأتي من السماء، وتقود إلى السماء. هو نداء علويّ (فل 3: 14) يدعو المسيحيين إلى الموطن السماوي (عب 11: 16)، إلى أورشليم السماويّة (12: 22). وفي النهاية، سوف يحذّر المؤمنين من الاعراض عن الذي يكلّمهم من أعلى السماوات (12: 25ي). عندئذ لن يفلتوا من العقاب.
من يحمل إلينا هذه الدعوة السماويّة؟ يسوع الذي هو الرسول والحبر. هو المرسل مع سلطة كبيرة جدًا. وهو مرسل ككاهن. أي يقدّم الذبيحة ليكفّر عن خطايا الشعب. لا نستطيع أن نقول إن الكاتب فكّر بموسى كصورة مسبقة عن المسيح في وظيفتيه كرسول وكاهن. فموسى لم يكن أولاً الكاهن في التقليد. بل هارون. أما نقطة التقابل بين الاثنين فالأمانة: كان موسى أمينًا كالخادم، والمسيح كالابن. والمقطع يشير إلى الرسول في خط موسى، وإلى الكهنوت في خط هارون.
((يسوع الذي هو أمين لمن أقامه، كما كان موسى في بيته (= بيت الله). فإنه قد حُسب في المجد أفضل من موسى بمقدار ما الباني يفضل البيت في الكرامة. إن لكل بيت بانيًا، وباقي كل شيء هو الله)) (3: 2 - 4)
سبق الكاتب وصوّر المسيح كحبر أمين (2: 17). وهنا تطبّق عليه الصفةُ أيضًا مع عودة إلى اتمام واجب سُلّم إليه كونه رسول الآب. أما الصورة فصورة المسؤول في البيت، وهو يُتمّ ما لأجله أرسل. والهدف الذي هو في قلب مجيئه وقلب عمله لأجلنا، نقرأه في 10: 7 ،9 مع كلمات مز 40: 8: ((جئتُ لأصنع مشيئتك، يا الله)). وحين نعرف أمانة المسيح لله، نتأكّد أنه جدير كل الجدارة بثقتنا وأمانتنا.
انطلق اريوس من فعل ((أقامه)) (بويايو، صنع)، فاعتبر أن المسيح ليس الابن الأزلي، بل خليقة من خلائق الله. وهناك من اعتبر أن هذا الفعل ينطبق على بشريّة المسيح بحيث لا يمسّ حقيقة لاهوته الأزليّ. قال اثناسيوس انطلاقًا من عب 3: 2: ((حين أخذ الابن ما سوف يقدّمه لأجلنا، أي جسده من مريم العذراء، كُتب حينئذ عنه أنه خُلق، كُوِّن، صُنع)). وقال أيضًا: ((من يستطيع أن يقرأ هذا المقطع (عب 2: 14 - 3: 2) دون أن يشجب الاريوسيين ويُعجب بالرسول المبارك الذي عبّر عنه أفضل تعبير... حين قال ((صنع)) أشار إلى اللحم والدم اللذين شارك فيهما... تحدّث عن خدمة الكلمة البشريّ لا عن جوهر الكلمة)) (عظات ضد الاريوسيين 2: 9).
ومع أن موسى ويسوع شبيهان في أمانتهما للخدمة (آ 3)، فلا نستطيع أن نقول إن الواحد يساوي الآخر. فهناك تعارض. وسوف يبرهن الكاتب تفوّق يسوع على موسى تفوّقًا غير محدود. فيسوع هو باني البيت. تقع هذه الفكرة في خط زك 6: 12 - 13: ((هو يبنى هيكل الرب، وهو يحمل الجلال ويجلس سيّدًا على كرسيه ويكون كاهنًا على كرسيه)). هذا ما يستند إلى وعد الله لداود (1 أخ 17: 11 - 12). فيسوع المسيح، الوسيط والرب، هو باني البيت، أي الكنيسة، شعب الله، الذي بُني في بناء روحي بحجارة حيّة (1بط 2: 5)، ((هيكلاً مقدّسًا)) (أف 2: 22). أما موسى فكان عضوًا في هذا البيت، وبالتالي خادمًا فيه.
أما بيت اسرائيل الذي كان فيه موسى خادمًا، فهو ظلُّ الأمور الآتية، لا الواقع الأخير (10: 1). فاسرائيل القديم الذي قاده موسى من عبوديّة مصر إلى أرض الموعد، عبر الصحراء، قد كان نمطَ اسرائيل الله الحقيقيّ، الذي اقتيد إلى الراحة الأبدية لمجد يسوع (2كور 3: 7ي). اختلف الابن المتجسّد عن موسى، فما كان من البشر فقط، بل من الله أيضًا. كان قبل موسى وبعده. هو قائد خلاص موسى (2: 10) وخالقه. لا شكّ في أن الابن صار خادمًا في البيت الذي بناه حين صار انسانًا، وهكذا كان خادمًا، شأنه شأن موسى، في بيت الله. ولكنه ظلَّ الابنَ الأزليّ، فكان إله موسى ومخلّصه، فتجاوزه في شخصه وفي عمله وفي مجده.
((فموسى كان أمينًا، بصفة خادم، في جميع بيت الله، لكي يشهد لما سيُقال. أما المسيح فكان أمينًا بصفة إبن على بيته الخاص. وبيته هو نحن إن أقمنا على الثقة وفخر الرجاء)) (3: 5 - 6)
إن التعارض بين موسى والمسيح (كلاهما أمينان)، يُلخّص الآن ويوسّع. هناك نقطتان. موسى كخادم، كان أمينًا في بيت الله، بينما المسيح كان الابن، وكان فوق بيت الله. موسى هو الخادم، وهذا يعني وضعًا أدنى من وضع الابن. فالابن هو الوارث (1: 12). وسيُقال عنه في 10: 21: ((كاهن عظيم على بيت الله)).
وهناك علاقة أخرى بين الاثنين على مستوى الوظيفة: موسى يشهد لما سيُقال. فمواعيد الله لا تجد كمالها فيه، بل في ذاك الذي يُتمّها يسوع المسيح.
وفي آ 6ب، نقرأ تحديدًا لهذا البيت الذي يبنيه الابن: بيته هو نحن. رج غل 6: 10 حيث يتحدّث بولس عن ((بيت الايمان))، ويؤكّد لأهل أفسس أنهم لم يعودوا غرباء ولا نزلاء، بل هم مواطنو القديسين، وأهل بيت الله (أف 2: 19). ولكن هناك شرطًا لكي نكون من أهل البيت. لهذا وُضعت الشرطيّة ((إن))، إن نحن أقمنا. في هذا قال يسوع: ((إن أنتم ثبّتم على كلمتي تكونون في الحقيقة تلاميذي)) (يو 8: 31). هذا ما يدلّ على جديّة الدعوة المسيحيّة، ويجعلنا في خطّ العهد، حيث لا يحابي الله الوجوه. فالطاعة له تصل بنا إلى البركة. والعصيان إلى الدينونة.
لا يتكلّم صاحب الرسالة بشكل نظريّ، بل هو ينطلق من وضع واقعيّ. فقد عرف الخطر الذي يهدّد جماعة يكتب إليها: هناك أفكار غريبة. وهناك ضغط أعداء الايمان. فعليهم، شأنهم شأن المسيحيين في كل وقت، أن يواجهوا الاضطراب والتجارب. لهذا حرّضهم لكي لا يضعفوا. وذكّرهم بأن الذي يثبت هوحقًا من بيت الله. هذا التنبيه لا يتعارض مع تعليم يقول إن خلاصنا يرتبط بالمسيح وحده (يو 5: 24؛ 6: 37؛ روم 11: 6 - 7). ولكن هذا يعني أن إعلان الايمان الذي يتعارض مع الحياة، يجعلنا نتساءل إن كنا بعدُ مسيحيين.

خاتمة
في هذه الآيات، نكتشف طريقة الكاتب في دفاعه. كان من السهل عليه أن يقابل بين أمانة المسيح ولا أمانة موسى كما في عد 20: 7 - 14. ولكن القرّاء كانوا يقدّرون موسى كل التقدير، وهو المحبوب لدى الله ولدى البشر (سي 45: 1)، فما أراد الكاتب أن يشكّكهم حين يذكر ما فعله موسى ويستغلّ ضعفه. في هذا قال الذهبي الفم: ((ما بيّن بسرعة تفوّق يسوع. بل خاف أن يثور سامعوه ويُصمّوا آذانهم. فمع أن سامعيه كانوا من المؤمنين، إلاّ أن ذكر موسى كان محفورًا بعمق في قلوبهم)). لهذا، انطلقت عب من أمانة موسى، التي امتدحها الله نفسه. ولكنه شدّد على أنها مُورست في وضع أدنى من وضع يسوع. ستقول الرسالة إن موسى رفض كنوز مصر ليكون مع شعبه في الضيق. وإنه وبّخ الشعب وتشفّع من أجلهم. ولكن مع موسى، ما زلنا على مستوى المواعيد، على مستوى ما سيُقال. أما كمال مخطّط الله الخلاصيّ فيتمّ مع المسيح. لهذا تفوّقت أمانة الابن (الذي صار انسانًا وبالتالي خادمًا) على أمانة موسى.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM