تقديم

 

تقديم
حين جمعت كنيسة أنطاكية رسائل القديس بولس، جعلت معها الرسالة إلى العبرانيين. فكانت تارة بعد الرسالة إلى رومة حالاً، للدلالة على قرابة بين الرسالتين اللتين توجّهتا إلى كنيسة واحدة، وطورًا كانت بعد الرسالة إلى فيلمون، للدلالة على أن الرسالة إلى العبرانيين لا تقف في صفّ واحد مع الرسائل البولسيّة الثلاث عشرة. قد ترتبط ببولس من قريب أو بعيد. أو هي وُلدت في المدرسة البولسيّة. لكنها ليست من يد بولس ولا من تلميذ من تلاميذه. وهذا ما يفسّر تحفّظ كنيسة رومة التي تسلّمت هذه الرسالة وعرفت مصدرها.
رسالة هي في الواقع عظة أرسلت مع خاتمة تربطها ببولس الرسول رباطًا بسيطًا. توخّت أن تشجّع المؤمنين الذين من أصل يهوديّ. ندموا حين تركوا العهد القديم بكهنوته وهيكله وطقوسه. وأخذوا يعودون عن اعترافهم بيسوع المسيح. وأول خطوة كانت الابتعاد عن الاجتماع الاسبوعيّ، والانتقال من المجمع إلى الكنيسة، ومن الكنيسة إلى المجمع. والتشجيع ضروريّ بشكل خاص، لأن الاضطهادات تصيب المؤمنين وإن لم تكن وصلت بهم إلى الدم والموت في سبيل المسيح. سبقهم أبطال ضحّوا بكل شيء من أجل إيمانهم. سبقهم معلّمون، مثل بطرس وبولس، ماتوا بعد أن نقلوا التعليم إلى الجيل الثاني المسيحيّ.
رسالة تحدثّت عن عظمة ابن الله، عن كهنوته، عن ذبيحته التي قُدِّمت مرة واحدة فنالت الخلاص الأبديّ للبشريّة كلها. فالكهنوت الجديد حلّ محلّ الكهنوت القديم، والذبيحة الواحدة حلّت محلّ الذبائح المتعدّدة. فلا يبقى للمؤمنين الذين نالوا الموهبة السماويّة وشاركوا في الروح القدس، سوى التمسّك بالايمان. أما إذا سقطوا فتنتظرهم دينونة رهيبة لأنهم بدوا وكأنهم يصلبون ابن الله مرّة ثانية. تتحوّل حياتهم من فردوس إلى أرض تنبت شوكًا وحسكًا.
تلك هي الرسالة التي نقدّم شرحًا عنها. جاءت في خمسة أقسام: اسم يسوع واسم الملائكة (1: 5-2: 18). يسوع حبر رحيم وأمين (3: 1- 5: 10). كهنوت المسيح كهنوت حقيقيّ (5: 11-10: 39). الايمان والثبات (11: 1-22: 13). السبل المستقيمة (12: 14- 13: 19).
أما أسلوب التفسير فجاء في ثلاثة وجوه: هناك القراءة البلاغيّة التي تحاول دراسة النصوص ومقابلتها بعضها مع بعض على مستوى البنية الخارجيّة والصور البيانيّة وعلاقة المقاطع بعضها مع بعض. وهناك قراءة تفصيليّة تتوقّف عند الألفاظ اليونانيّة تدرسها لفظة لفظة وتستخلص معنى الآيات داخل رسالة ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالأسفار المقدّسة فأوردت نصوصها أكثر من مرّة. والوجه الثالث هو الوجه الرعائي أو ما سمّيناه القراءة الاجماليّة. هنا حاولنا أن نتأمّل في النصّ ككل لنستخلص منه بنوع خاص المعاني اللاهوتيّة من أجل الصلاة والوعظ والإرشاد.
توسّع العمل، فجاء الكتاب ضخمًا، لأننا أردناه دراسة مستفيضة، قدر الامكان، لرسالة خاف عدد كبير من أن يقرأها. غير أننا توخّينا أن نقدّم مرجعًا يكون بين يدي الباحث ودارس اللاهوت والكاهن... نختار منه ما نحتاج، ونعود إلى هذا الفصل أو ذاك حسب الغرض الذي نبتغيه. وقد نعود فيما بعد إلي فصل آخر أو وجهة أخرى. ففي أي حال، لا يحقّ لنا أن نجهل كتابًا من الكتب المقدّسة كان له الدور الكبير في كنائسنا الشرقيّة. لهذا أردنا هذا التفسير الذي يقودنا في معارج رسالة تُعرّفنا إلى مبدئ ايماننا ومكمّله الذي تحمّل الصليب من أجلنا قبل أن يجلس عن يمين عرش الله.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM