أمانة الله وخيانة الانسان

أمانة الله وخيانة الانسان
المزمور السادس والثلاثون

1. المزمور السادس والثلاثون هو مزمور تعليميّ يحدّثنا عن خطيئة الانسان ورحمة الله ومحبّته. يُنشده المرتّل مديحًا لله الذي يهتمّ بالبشر والبهائم، وتنبيهًا للأشرار الذين تركوا مخافة الله وسلكوا طريق الاثم.

2. خطيئة الانسان أمام رحمة الله.
آ 2- 5: صورة عن الشرّير: تكبّره يُبعده عن الله: مخافة الله ليست أمام عينيه.
آ 6- 10: نشيد إلى رحمة الله وصلاحه: يا ربّ إلى السماء رحمتك.
آ 11- 13: توسّل البار وقد رأى سقوط فاعلي الاثم: أدم رحمتك لعارفيك.

3. يعرض هذا المزمور لوحتين متناقضتين: الأولى تمثّل خيانة الانسان، والثانية أمانة الله. ولكن أمانة الله ستنتصر يوم يُصرع الشرير ولا قيام له.
- في القسم الاول يطرح المرتّل السؤال: كيف يوجد أناس أشرار لا يخافون الله؟ كيف يقدر هؤلاء الناس أن يقولوا: لا يجب أن نخاف الله؟ كيف يسمح الله بالشرّ، كيف يسمح الله بوجود الأشرار والمتكبّرين؟ ويجيب الشرّير: الله لا يرى شيئًا، ولا يقدر أن يفعل شيئًا: لا وجود له. وإن كان موجودًا فهو ضعيف. ويستنتج المرتّل: ولكن هذا التصرّف جنون يضرّ أول ما يضرّ بصاحبه: "سيسقط فاعلو الاثم ويُصرعون فلا يقومون".
- في القسم الثاني نقرأ فعل إيمان المرتّل الذي يخاف الله، يتلوه كردّ على الشرير، فيُنشد فيه رحمة الله ومحبّته وعدله. كل ما في الله عظيم: هو أرفع من الجبال، وأعمق من البحار، ورحمته تحيط بالكون كله، وعدله يسكن السماء، وأحكامه تملأ الاعماق. ترتفع صلاة المرتّل إلى الله في الهيكل، والهيكل صورة مصغّرة عن الكون، والليتورجيا التي تُقام فيه تلخّص التاريخ كله. والرجل العاقل لا يختبئ عن الله، بل يختبئ في الله، ويحتمي بظلّ جناحيه فتكون له منه الحماية.
- في القسم الثالث نجد مقابلة بين مستقيمي القلوب وفاعلي الشر. للأولين تدوم رحمة الرب ومحبّته وعدله، والآخرون يسقطون، يُصرعون، ولا قيام لهم. يبتعد حبيب الله عن الشرّير لئلاّ يقع في شرّه، يتّكل على الربّ فلا يستطيع الشرير أن يغيّر تفكيره. رغم الظواهر، لا يتزحزح المؤمن من مكانه لأن الله يُسنده.

4. كان المسيح في آلامه ضحيّة الأشرار، ولكنه سلَّم نفسه إلى عدل الله ومحبّته الذي أعطاه النصر على أعدائه في القيامة، فكان لهه أن يُنشد نشيد المديح: يا رب إلى السماوات رحمتك، وإلى الغيوم أمانتك. والمسيح يُعطي المؤمنين أن يشاركوه فرحة المجد، لأنهم تغذّوا بجسده ودمه، واستقوا من ينبوع حياته. وهكذا تجد الكنيسة نفسها في هذا المزمور أمام الوليمة الاسكاتولوجية، ووليمة العهد الجديد هي مقدّمة لها، فتغلب كل قوّة معادية وتُنشد نشيدها أمام الله والحمل.
وسيعود موضوع المياه الحيّة في العهد الجديد (يو 4: 1 ي؛ رؤ 21: 26)، وكذلك موضوع النور (يو 1: 4؛ 8: 12؛ 9: 5؛ 12: 46؛ 1 يو 1: 5).

5. كفر الكافر وأمانة الله
نكتشف في هذا المزمور تعارضًا بين كفر الكافر وأمانة الله. وستكون الكلمة الأخيرة لأمانة الله الذي يدمّر الكفّار.
يُطرح السؤال الأول: كيف يوجد كفّار، كيف يوجد أناس لا يخافون الله؟ ويُطرح السؤال الثاني: كيف يقدر هؤلاء الناس أن يقولوا: لا تخافوا الله؟ والسؤال الثالث: كيف يمكن أن يتكبَّر الانسان أمام الله رب الكلّ الذي يقدر أن يحطّم ساعة يشاء المتكبّرين؟
يستند الكافر إلى خبرته المباشرة: لا يعاقب الله بسرعة، إذًا هو لا يرى ولا يقدر أن يفعل. فلماذا نخافه؟ الكافر لا ينكر وجود الله بل فاعلية الله. ولكن هذا هو الجهل والجنون في العهد القديم. لأنه إذا كانت الطريق واسعة إلاّ أنها محفوفة بالمخاطر وسيسقط فيها الكافر. هو لا يملك الحكمة التي تعلّمه الخير، وتبعده عن الشرّ، فهو يفسد نفسه. وأول نتائج الشرّ سوف تقع على رأسه. فمن أساء إلى الغير أساء أولاً إلى نفسه. لأن الشرّ جرثومة لا نستعملها دون أن تصيبنا نتائجها. وهكذا يكون عقاب الكافر كاملاً.
وتجاه هذه الحالة ينشد المرتّل عظمة محبّة الله ورحمته وأمانته، وهي تفوق بعلوها الجبال وتتغلب بعمقها على الغمر. فالكون وكل ما فيه محصور بين حبّ الله وعدله. ففي العلاء نجد السماء حيث يسكن حبّ الرب، وفي الأسفل نجد الأعماق حيث أحكام الله. وبين الاثنين تقف رحمة الله التي تشبه الجبال بعلوها، بل هي ترتفع فوق القمم لتصل إلى الغمام.
الله لا ينسى البشر، بل يأتي إلى عونهم ويهتم بحاجاتهم. والحكيم لا يختبئ عن الله بل يختبئ في الله ويستتر بظل جناحيه فيشبع من دسم بيته ومن لذائذ مائدته، ويرتوي من نهر نعيمه ويعاين نوره إلى الأبد

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM