الربّ عون الأبرياء

الربّ عون الأبرياء
المزمور السادس والعشرون

1. المزمور السادس والعشرون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل إلى الرب ليخبره أن حياته في خطر. اتَّهموه كذبًا فالتجأ إلى الهيكل طالبًا من الرب أن يعلن بطريقة من الطرق براءته على الحاضرين وينجّيه من حكم الموت. فهو حين دخل أتمّ الشروط اللازمة التي تسمح له بالدخول إلى الهيكل (على غرار ما قرأنا في المزمور 24): من يصعد إلى جبل الرب؟

2. الرب يعين المتّهم البريء.
آ 1: مقدّمة: صرخة ثقة بالرب: على الرب توّكلت. حياة المرتّل لا عيب فيها، ولذلك فهو متأكّد أنه لن يزلّ وأنه يبقى ثابتًا وسط الجماعة. لقد أتمّ وصايا الله وعمل بها، فابتعد عن طريق المنافقين.
آ 2- 5: ويبدأ المرتّل اعترافًا سلبيًا: لم أجالس الأشرار، لم أدخل مع الماكرين. وهو مستعدّ لأن يمرّ عبر النار (لا في الماء فقط) لكي تُعلن براءته. لقد قرّر أن يعيش مع الله، ولهذا رفض مرافقة الأشرار (1: 1) وكذبهم (12: 3؛ 41: 8) وأفكارهم الشريرة (56: 6): من يحبّ الله يُبغض الأشرار (5: 6؛ 139: 22).
آ 6- 10: يستعدّ المرتّل للاقتراب من الله بعد أن أعلن الله براءته. يقترب من المذبح وينشد نشيد الشكر، لأن الرب لم ينبذه، كأناس تلطّخت أيديهم بالدماء وبالرجاسات (أش 1: 15- 16؛ هو 6: 9). فلو طُرد المؤمن من الهيكل وأبعد عن حضور الله لكان هذا الإبعاد يعني حكم الاعدام عليه.
آ 11- 12: توسّلٌ كله ثقة: إفتدِني وارحمني فأباركك في جماعة شعبك.

3. يعرف المرتّل وهو في الهيكل أنه بحضرة الله الذي يرافع عنه تجاه عدالة البشر. وضع ثقته في الله منذ القديم، ولكنه في هذه الساعة يتذكّر أن من يتوكّل على الرب ينجو نجاة وتكون له نفسه مغنمًا (إر 39: 18). هو أمين لعهد الرب وواثق برحمته، فلذلك لا يخاف أن يمتحنه ذاك الذي يعرف ما في داخل الانسان، الذي يفحص الكلى والقلوب (إر 11: 20). وإن أجبر على عبور النار، فسيكون كالفضّة التي يُنزع عنها خبثها.
ينتظر المرتّل حكم الله لتظهر براءته. الله يعرفه، ولكنه يمتحنه لتظهر براءته أمام الناس. يبحث الناس عن الحقيقة، ولكنهم يفشلون مرارًا في بحثهم (تث 21: 1). أما الله فيعطي علامة على براءة المؤمن الملتجئ اليه. ويبدأ الاحتفال، فيغسل المؤمن يديه علامة طهارته، ويطوف حوله المذبح منشدًا للرب نشيد شكر، لأن الرب برّأ ساحته فأخذه إلى جانبه وأسكنه بيته، ولم يتركه يسكن مع الخطأة والقاتلين.

4. عندما نقرأ هذا المزمور، نحسّ أننا بعيدون عن الروح الفرّيسيّة التي تعرّفنا اليها من خلال مثَل الانجيل (لو 18: 11): "أنا لست مثل الناس الطامعين الظالمين الزناة". هذا ما قاله الفريسي عندما دخل ليصلّي في الهيكل. كلنا خطأة، ويسوع وحده يستطيع أن ينشد هذا المزمور، لأنه قدّوس بريء لا عيب فيه ولا صلة له بالخاطئين (عب 7: 26). هو الذي ما استطاع أعداؤه أن يثبتوا عليه خطيئة (يو 8: 46)، رغم أنهم جعلوه مع الاثمة (مر 15: 27). ولكن الآب برّر ابنه، ونقله من الموت إلى الحياة.
ونحن عندما ننشد: أغسل يديّ بالنقاوة، تكون صلاتُنا تمنيًا لطهارة يعطيها الرب كما أعطاها أشعيا (ف 6) لنستطيع أن ندخل بيت الرب ونقيم حيث سكنى مجده. فالرب هو من يطهّرنا من كل شرّ (1 يو 1: 9). نصلّي هذا المزمور باسمنا وباسم الكنيسة، طالبين من الرب المسيح الذي ضحّى بنفسه من أجلها، "أن يقدّسها ويطهّرها بماء الاغتسال، فيزفّها إلى نفسه كنيسة مجيدة لا عيب فيها ولا تجعّد ولا ما أشبه ذلك، بل مقدّسة لا عيب فيها" (أف 5: 25- 27).

5. عبور في المحنة
يبدو أن الآية الثانية هي مفتاح المزمور 26، وفيها يطلب المرتّل من الله أن يجيزه في المحنة ليعرف نوايا قلبه. فيجب أن نفهم هذا المقطع على أنه صورة لمحنة حقيقيّة ماديّة وملموسة، على أنه حكم من الله يخضع له المرتّل لتظهر براءتُه.
فالله يعرف براءة هذا الرجل. يعرف كليتيه وقلبه أي أعماق قلبه، وإن هو اختبرها فلكي يعطي برهانًا ملموسًا وبشريًا عن نقاوتها. من أجل هذا يقول المرتّل: أنصفني، أحكم لي بالعدل. هو لا يطلب أن يتبرّر لأنه متأكّد من براءته. ولكنّه يقول: برّرني أمام الناس، أمام القاضي والمحكمة. هنا نفهم أيّة عدالة يعني المرتّل الذي يحتجّ أنه بريء أمام اتهام يهدّد حياته.
ولكن كيف يقدر الله أن يُظهر حقّ صفيّه؟ كيف يقدر أن يُبرّره؟ هل يتدخّل الكاهن في الهيكل؟ هل يعطي الرب علامة من عنده؟ كل هذا معقول. ومهما يكن من أمر، فسيرى المرتّل في تبريره نعمة من عند الرب. لقد احتمى في الهيكل قرب الربّ، والربّ سيحميه ويدافع عنه ولا يسمح بالظلم في بيته لئلا ينجَّس.
وهكذا يكون هذا المزمور صرخة ثقة بالرب رغم كل الصعوبات التي تحيط بالمرتّل. إذا افتداه الرب ورحمه، حينئذ يتأكّد أنه نجا، فيبارك الرب في الجماعة ويشكر له إحسانه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM