تقديم

 

تقديم

في رحاب الكتاب. مجموعة من أربعة أجزاء أن لم يكن من خمسة. تحاول أن تدخل القارئ العربي إلى عالم الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد. فالكتاب المقدّس في نظر المسيحيّ وحدة لا تتجزَّأ. من أول آية في سفر التكوين مع خلق السماء والأرض، حتى آخر آية في سفر الرؤيا مع العروس التي تنادي الرب لكي يأتي بسرعة. نحن لا نفصل بين عهد جديد وعهد قديم.
مهما أرادت بعض الفئات، فلا تستطيع أن تستغني عن العهد القديم، وليس الأمر بجديد. فمع مرقيون في القرن الثاني كانت محاولة وصلت بنا لا إلى الاستغناء عن العهد القديم كله وحسب، بل حتى عن أناجيل ثلاثة هي متّى ومرقس ويوحنا. وحُذفت بعض الأمور من انجيل لوقا. وطارت أيضًا كتب أخرى مثل سفر الرؤيا ورسائل يعقوب...
ومهما أراد العالم اليهوديّ أن يستأثر بالتوراة وكأنها ملك خاص به، فهو لا يستطيع أن ينسى أن غنى الشرق دخل في العهد القديم الذي تميّز بعبادة الله الواحد. ولما نُقلت التوراة إلى اليونانيّة، دخلت في لغة عالميّة. واليوم قد ترجمت إلى ألفي لغة ونيّف، فصارت كلمة الله إلى جميع الشعوب، يقرأها الشعب اليهودي كما تقرأها كل أمم العالم. لسنا نحن من يسيطر على كلمة الله وكأن الرب صار "صنما" بين أيدينا. بل كلمة الله تدعونا إلى التجاوب مع كلام الله الذي يتوجّه إلينا اليوم في كل محطات حياتنا.
تقول الكنيسة إن العهد الجديد يتجذّر في العهد القديم. فإن قطعناه عنه، كنّا كمن يقطع للشجرة جذورها. وتقول إن العهد القديم يستضيء بالعهد الجديد. فهو لا يجد كامل معناه إلاّ في المسيح. لا شكّ في أن هناك تطوّرًا في الكتاب المقدّس يصل إلى الذروة مع الأناجيل. لاشكّ في أن شرائع وفرائض لم يعد معمولاً بها في العالم الوثنيّ كما في العالم اليهوديّ نفسه، مثل الذبائح وما يتعلّق بالكهنة. لا شكّ في أن العالم اليهوديّ كان في البدء يعدّد زوجاته. ولكن على عتبة العهد الجديد، فهم أن الرب يكره الطلاق كما قالت النبي ملاخي. كما فهم أن الله الواحد الذي تزوّج شعبه هو واحد وعروسه واحدة. فلا يحقّ للرجل أن يعدّد زوجاته. لاشكّ في أن هناك تطوّرًا من شريعة الغاب حيث يقتل لامك سبعة وسبعين شخصًا مقابل شخص قُتل في قبيلة. إلى شريعة المثل مع القول المأثور: سنّ بسنّ وعين بعين. إلى واجب مساعدة العدوّ إذا سقط حماره في حفرة. وفي النهاية قال سفر الامثال: إن جاع عدوّك فأطعمه وإن جاع فاسقه.
مجموعة في أربعة أجزاء. تبدأ مع العهد الأول أو العهد القديم. ثم تتوالى مع العهد الثاني أي العهد الجديد. فنحن نقرأ في الرسالة إلى العبرانيين: العهد الأول كانت له شعائر العبادة... وقالت: لو كان العهد الأول لا عيب فيه، لما دعت الحاجة إلى عهد ثان. وهكذا يرتبط العهدان الواحد بالآخر. من أجل هذا سمّينا الجزء الأول "العهد الأول". وقدّمناه في ثلاث محطات. الأولى: الشعب العبراني، الشعب اليهودي. الثانية: تقاليد الفكر الديني في التوراة. الثالثة: مواضيع ونصوص من الكتاب.
بعد أمور عامة عن تاريخ الشعب اليهودي ومبادئه وكتبه، نتوقّف عند الدراسات الأخيرة حول أسفار الشريعة الخمسة ولاسيّما في التقليدين الاشتراعي والكهنوتي. وأخيرًا، كانت محاولات لاهوتيّة تكتشف غنى العهد الجديد، ولاسيّما على مستوى الخطيئة والرحمة... وما نسينا مع هذه الدراسات التي قد تبدو مجرّدة من بعض حياة، أن نقدّم مواضيع ونصوصًا تدلّنا على الحياة التي تملأ الكتب المقدّسة.
هذا ما أردنا أن نقدّمه في هذا الجزء الأول، ونحن نرجو أن نكون قدّمنا خدمة للباحثين في الكتاب المقدّس، متأمّلين أن يأتي "العهد الثاني" بعد "العهد الأول"، والدراسة في العهد الجديد بعد الدراسة في العهد القديم، بانتظار الثالث الذي هو "بين العهدين"، والرابع الذي عنوانه: "أبعد من الكتاب".

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM