رثاءعلى أورشليم

رثاء على أورشليم
المزمور التاسع والسبعون

1. المزمور التاسع والسبعون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل باسم الجماعة في إحدى ليتورجيات التوبة التي كان يحتفل بها الشعب خلال أيام الضيق والحرب بعد زمن السبي إلى بابل. الهيكل منجَّس ومهدّم، والدم يسيل أنهارًا، والموتى لم يدفنوا. فيتساءل المرتّل: إلى متى يا رب؟

2. شكوى الشعب أمام الله بسبب خراب مدينة الله.
آ 1- 4: تصوير الحالة الحاضرة. لسنا أمام حدث عابر، بل أمام واقع طال وجوده: أورشليم مهدومة والهيكل منجَّس بسبب خطايا الشعب وغياب الرب. ترك الله شعبه، فجاءت الأمم الأجنبية فنجَّست الأرض بالدم والجثث، وصار اسرائيل سخريةً لجيرانه (ار 23: 30؛ 24: 9).
آ 5- 7: تبدأ الشكوى بسؤال (إلى متى يا رب) يدلّ على نفاد صبر الشعب وقد طالت حالتهم القاسية. غضب الله فلم يترك للإنسان أي أمل بالحياة، لأن الغضب كالغيرة يعمل كالنار ويهدم كل شيء، فمن يقف في وجهه؟
آ 8- 9: ويطلب المرتّل المغفرة، لأن خطيئة الشعب جعلت الله يوجِّه غضبه على أحبّائه، لا على أعدائه. خطيئة الشعب ماثلة دومًا أمام عيني الله، عمرها عمر تاريخ اسرائيل. إن كان لا يستحق أن يتدخّل الله من أجله، فلينظر الرب إلى استحقاقات عبيده، بل لينظر إلى مجد اسمه الذي تعرّض للخطر بسبب فشل وهزيمة هذا الحليف الذي هو شعبه.
آ 10- 12: دعوة إلى الانتقام: يبقى اسرائيل شعب الله. ولكن الناس يتساءلون: هل يستطيع الله أن يخلّص أخصّاءه وينتقم لدم عبيده؟
آ 13: الوعد بذبيحة الشكر. يروي المرتّل ما حصل عليه من نعمة، وينشد نشيد المجد لله رغم أن الخلاص يبدو بعيدًا، لأن عمل اسرائيل الخاص هو انشاد مجد الله.

3. اسرائيل ميراث الله وملكه (تث 4: 20؛ 9: 26) وأورشليم عاصمته، والهيكل مقر سكناه. اجتاح العدو الأرض، وهدم المدينة، وأحرف الهيكل، يقول المزمور: حُرثت صهيون كحقل، وتحوَّلت أورشليم إلى كومة من الركام، وصار جبل الهيكل مرتفعًا تكسوه الاشجار (مي 3: 12). وفوق ذلك صارت جثث الشعب مأكلاً لطير السماء ولبهائم الأرض وليس من يزجرها. والرب يبقى ساكتًا لا يتحرك، فإلى متى؟
4. ما نقرأه في آ 6 و12 عن طلب الانتقام لا نستطيع أن نصلّيه وقد علّمنا يسوع أن نغفر لمن يضطهدنا (مت 5: 44) كما فعل هو على صليبه (لوقا 23: 34). ولكن صلاة يسوع من أجل أعدائه لا تعني أنه يطلب النجاح للقوات المعادية. فسفر الرؤيا (6: 10) يقول: "إلى متى يا رب لا تنتقم لدمنا من سكان الأرض"؟ وإذ يقول أيضًا (16: 6): عادل أنت يا رب في أحكامك، فهو يلتقي والآية الثالثة. فإذا فسرّنا آ 6 و12 كتوسّل يرفعه شعب الله إلى الرب على مضطهديهم ليحدّ من قدرتهم، يستطيع هذا المزمور أن يحمل صلاة الكنيسة المهدّدة بإيمانها ووجودها في أماكن كثيرة من العالم.

5. تأمّل
يشتكي المرتّل ويبكي بسبب ما حلّ بأورشليم التي دُمرّت. ولسنا هنا فقط أمام حدث مرّ وعبر بل هو يدوم وما عاد ينتهي. ومع دمار أورشليم هو دمار الهيكل ومركز حضور الله. هذا يعني أن الله غائب عن مدينته وعن شعبه. إلى متى سوف ينتظر؟
إلى متى؟ ما عاد الشعب يطيق الاحتمال أمام غضب الله (أي عقابه) الذي ما هدئ بعد. وهكذا كاد الرجاء بالحياة يخبو. وإذا كان لا بدّ من إظهار الغضب فليظهر على "الأعداء"، لا على أبناء شعبك.
ولكن إذا كان الله يعاقب شعبه، فبسبب خطاياه. أجل، ترتبط الخطيئة بالعقاب في العهد القديم، وكأن كل خطيئة عقاب. هذه الفكرة تعود إلى العالم الشرقي ولاسيّما في بلاد الرافدين. وهي تطلب من المؤمن أن يتوب عن خطيئته، ويقدّم الذبائح المفروضة بعد أن نجِّست الأرض بالدماء التي سُفكت فيها.
"تذكّر" الرب هذه الخطيئة وما غفرها بعد، لأنها قديمة قدم شعب اسرائيل. فإذا كان الإنسان لا يتوب، لا يغفر الله له خطيئته، ولا يُظهر له رحمته وحنانه. أما ما يدلّ المؤمنين على خطيئتهم فهذه الحالة التعيسة التي يعيشونها من أسوار ما زالت مدمّرة، من هيكل صغير حقير، من شعب ضائع يخضع لحكم أجنبي. فإلى متى يا ربّ. ذاك هو صراخ شعب الله. وقد يكون صراخ كل جماعة من جماعاتنا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM