بصوتي إلى الرب أصرخ

بصوتي إلى الرب أصرخ

شابه مز 142 المزمورين السابقين، فاستعمل عبارات الرثاء الفردية كما وجدها في مزامير عديدة (16؛ 22؛ 27؛ 30). والصلاة التي يتلوها لا تفترض إطاراً عبادياً، حتى حين نرى الابرار يحيطون بالمرتّل. فالتوسّل هو جوهر هذا المزمور وإليه تنضمّ عناصر العمل الليتورجيّ من تقديم للواقع ومديح واعتراف.
أما تصوير الواقع فيبدو مبعثراً في المزمور وهو يعبّر عن صرخة عميقة. إن المؤمن يسكب قلبه وهو يلهث. يروي للربّ الضيق الذي يعيش فيه. وهو يجعل الخلاص الذي ينتظره في أعمال الله في الكون وفي التاريخ. ويوضح المرتّل أن شركاً وُضع في طريقه، أن أناساً أقوى منه يلاحقونه، أنه ينتظر أن يخرجه الربّ من السجن.
أيكون المؤمن واحداً من هؤلاء الأسرى الذين يلجأون إلى الله في عذابهم، كما نجد في مز 7؛ 17؛ 22... أو قد نكون في خطّ أش 42: 7 الذي يتحدّث عن التحرير بشكل عام. لا يطلب المشتكي شيئاً محدّداً، بل حركة صغيرة، إشارة تدلّ على سخاء الربّ تجاهه، وتعزّي قلب جميع الأبرار. هو يصلّي لأنه يريد أن يصلّي. يصلّي لكي يستعيد أنفاسه وسط عالم يكاد يخنقه.
أما قلب المزمور (آ 3- 6) فهو صلاة بشكل اعتراف وإقرار. يعلن المرتّل أنه لا يحتاج إلى أن يروي المصائب التي يعيشها. فالربّ يعرف طريقه، ويعرف الفخاخ التي وُضعت له. ومع ذلك فهو يصرخ لأنه يحسّ حاله وحيداً بين يدي الله، ولأن العالم الخارجي يرفض له كل سند (آ 5). وهكذا ترتدي عبارات تقليديّة عمقاً جديداً وقوّة في الإطار الذي يعرفه المؤمن. أنت ملجأي. أنت حصني. أنت نصيبي في أرض الأحياء.

صراخي يا ربّ صراخ الضيق. لهذا أرفع يدي إليك
صراخي صراخ من يئس من الحياة بعد أن تكاثر عليه الأعداء
فرّج عني كربتي، وأعد إليّ الأمل بالحياة
فرغم وهني، أعرف أني أستطيع دوماً أن أتّكل عليك.

حصلَ لي أن انتظرت العون من البشر، فما جاءني عون منهم
فالبشر، وإن مدّوا يد العون، فهم ضعفاء لا يقوون على مساعدتي
والبشر يهمّهم أمر نفوسهم، فكيف يلتفتون إلى البائس والمسكين
لهذا تطلّعت إليك، يا ملجأ المضطهدين والمحامي عنهم.

وجئت إليك أصلي، وأسألك أن تنجّيني من الشر والأشرار
جئت إليك، وأنا متأكد من خلاصك، فأنت لا ترفض طالبيك
جئت، لأعدك بأني سأعترف بك، وأشكر أفضالك عليّ
جئتك خاشعاً متضرعاً، والفرح يملأ قلبي لما ستعمله لي.

بصوتي إلى الربّ أصرخ، بصوتي إلى الربّ أتضرع
أسكب أمامه شكواي، وأعلن لديه ضيقي
حين تعيا روحي فيّ تصون يا رب مسيري.

إليك أصرخ يا ربّ، وأنت تجيبني من جبلك المقدس، يا مجدي ورافع رأسي
إليك أصرخ يا ربّ، وعليك أتوكل، أيها القدوس، فتنجّيني من بؤسي
إليك أصرخ يا ربّ، وأطلب منك الرحمة، فكن نصيري فلا أتزعزع.

أمامك أفيض نفسي، أمامك أعلن عن كآبتي ونواحي، يا إلهي ومخلصي
أمامك أسكب قلبي، وعليك أتوكّل، يا صخرة عزي ومعتصمي
أمامك أبسط يديّ، وأفكر في الأيام القديمة، فأعرف أنك تصغي وتسمع
أحسّ بالتعب والعياء، ولكنك أنت تهدي سبيلي، وتصونني حين أسير
لذلك أحمدك لأجل رحمتك، وأعظمك في الجماعة وأسبّحك
فما أكرمك يا الله.

كاد الضعف والعياء يقودانني إلى القنوط واليأس
ولكنّني تشجّعت، حين تذكّرت أنك تعرف حالي، وما يحيط بي من خصوم تعرف أننا جياع وعطاش، تعرف أننا مرضى ومتألمون
الرعب يحيط بنا والخوف يقضّ مضاجعنا.

حين أكون في الضيق، وأتطلّع إليك يا ربّ،
ويدي تمتدّ إليك، أنا المسكين، طوال الليل والنهار
حين أفكر فيك، أتنهّد وأئنّ، وحين أفكّر في نفسي أحسّ بها تنهار
أنت ستقول لنا كلمه العزاء، أنت لا تغلق قلبك، أنت تحب وترحم
حين أتذكر ما عملته في الماضي، أنتظر منك الآن أن تعمل أنت يا إلهاً أميناً.

في السبيل الذي سلكت، طمر الأعداء فخاً لي
نظرت إلى اليمين وتطلّعت، فما وجدت من يهتم بي
لا مكان ألوذ به، ولا أحد يسأل عني.

قرّاء العهد القديم، تطلّعوا إلى شخص داود يلاحقه عدوّه شاول
كان وحيداً بعد أن تخلّى عنه الجميع، فهرب إلى البرية
فسمع صوتك: لا تخف ولا تجزع، لأني آت لأخلّصك
ستجد معي الطمأنينة والسلام، فلا يعكّر حياتك أحد.

ونحن قرّاء العهد الجديد، نتطلّع إلى ابنك يسوع المسيح
كان سجين المجلس يُحاكَم، لأنه قال الحق
تخلّى عنه الجميع، فما عاد يجد عوناً عند واحد من الناس
فعاد إليك أيها الآب، يطلب الملاذ والمأوى.

رفع إليك الدعاء والابتهال، بصراخ شديد ودموع غزيرة
توسّل إليك، يا من وحدك تستطيع أن تخلّصه من الموت
فاسجبت طلبه لتقواه، وسمعتَ له من خلال الآلام التي احتملها
فأنقذته، لا من موت الجسد، وهو الذي جاء ليخلصنا بموته من الخطيئة،
بل أقمته من بين الأموات، فما مسّ جسده فساد.

وأتأمّل يا ربّ في شخصِ ابنك يسوع، بعد أن تركه الجميع
وأعود إلى نفسي حين أحس أن ليس من يدافع عني
هو سلّم روحه بين يديك، وكذا فعل القديسون
وأنا أسلمك روحي وحياتي، أسلّمك أعمالي ومصيري.

حين أنظر فلا أجد معيناً، كن أنت يا ربّ بجانبي وأعنّي
حين أتطلّع فلا أجد من يهتمّ بي، كن بقربي يا ربّ، كما الأب بقرب ابنه
حين أحسّ أن لا مكان ألوذ به، فليكن قلبك ملاذي وموضع طمأنينتي
حين أشعر أن لا أحد يسأل عني، أسمعني صوتك فيهدأ قلبي
ونادني باسمي، كما ناديت المجدلية فيعود السلام إليّ.

صرختُ إليك يا ربّ، وقلت أنت حماي
وأنت نصيبي في أرض الأحياء
أنصت إلى صراخي يا ربّ، فأنا ذليل جداً
نجّني من الذين يضطهدونني، فهم أشدّ عزماً مني
أخرجني من الأغلال، فأحمد اسمك.
أحسِن إليّ فيكثر الصديقون.

العودة إليك واللوذ بك، هذا كل ما بقي لي
لهذا أصرخ إليك، وأعلن أنك حماي
لا أحد سواك يا الله، لا أحد غيرك يهتمّ بي
أنت كل شيء لي، أنت أملي ورجائي.

أنت لن تخذلني، يا ربي ويا ناصري، ولو خذلني أعزّ أصدقائي
أنت لن تتركني يا إلهي ومخلّصي، ولو تركني أبي وأمي
لو رذلني الجميع فأنت تقبلني، ولو ابتعد عني الجميع فأنت تبقى بقربي
يا قريباً من المخلع والأبرص والنازفة والزانية، لا تتباعد عني بسبب مضايقي.

آمنت بك يا ربّ، وأنا سأعاين ما تفعله لشعبك في أرض الأحياء
رجوتك يا ربّ وتشجّع قلبي بك، فمن لي في السماء سواك
أنت تأخذ بيميني وتهديني، وبعد ذلك إلى المجد تأخذني.

هذا ما أطلبه منك وألحّ في طلبي، لأني فقير ومحتاج
أطلب وألجّ كتلك الأرملة التي ذهبت إلى القاضي تطالب بحقها
لن أذهب من هنا حتى أفوز ببركتك، لن أتركك حتى تغمرني بخلاصك
أدعوك بإيمان وتواضع، يا من في يدك ساعات حياتي.

بادرني برحمتك فأنا ضعيف، وأرسل إليّ قوتك
أعدائي أشد عزماً مني، ولكني أقوى عليهم حين تكون معي
أعدائي هم أعداء الجسد، يسلبوني حقي وحريتي
أعدائي هم أعداء الروح، وهم يريدون أن يقودوني إلى الهلاك
فكن أنت بجانبي، ولا تتخلّ عني.

حينئذ أشكرك يا ربّ، وأشرك أصحابي في نشيد الشكر لك
خافوا فابتعدوا عني، وها هم يعودون إليّ حين رأوا يدك معي
حين انتصرت، أحسّوا وكأنهم هم انتصروا
لهذا انشدوا لك معي، ورتّلوا لاسمك أيها الربّ العلي
فرحوا فرح الأبرار، وهنّأوا نفوسهم مع المستقيمين.

وأعود إليك يا ربّ وأدعوك من عالمنا، عالم العزلة والوحدة
أدعوك من عالم لا يهتمّ الانسان بأخيه، والجار بجاره
أدعوك من عالم نقصه الحوار، فما عاد البشر يعرفون أن يتفاهموا
أدعوك من هذا السجن الذي نعيش فيه وجدرانه الباردة.

أخرج شعبك من عالم يعجّ بوثنية المال وحبّ الذات
فكّ القيود التي أوثقنا بها الشُّر فحبسنا فيها
نحن في حلقة مفرغة، أخرجنا منها، نحن في عالم مظلم، فأرسل إلينا نورك
نحن نتوق إلى عالم مسيحك حيث لا قتل ولا حرب ولا بغض ولا عداوة
فنعلن اسمك أيها الآب والابن والروح القدس من الآن وإلى الأبد.

ويا يسوعنا المسيح، يا من كنت وحدك أمام قضاتك
فما طلبت لهم إلاّ الخير وامتنعت عن أن تطلب الانتقام
يا يسوع الطائع حتى الموت موت الصليب
نحن نسمع صوتك من خلال هذا المزمور
ها نحن نجتمع حولك نحن الذين تبرّرنا بآلامك وموتك
نجتمع لنشكر الآب السماوي في سر القربان المقدس
نجتمع لننشد مدائحنا من أجل عجائبك وآياتك وبالأخص حضورك بيننا.
كن رفيقنا يا يسوع في طرقات الحياة
كن نورنا يا يسوع في ساعات الظلام
ولا تتركنا يا يسوع في ساعة الممات.
يا من اسنقبلت اللصّ وقلت له:
اليوم تكون معي في الفردوس

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM