إن لم يبن الرب البيت

إن لم يبن الرب البيت

مع مز 123- 127 من مزامير الحجّاج أو المراقي (يرتقون أي يصعدون تلة أورشليم وسلّم الهيكل)، نحن داخل أورشليم. شعرنا بالأمان وأسوارها تحيط بنا كما بمعصم، فتدلّ على حماية الله لشعبه. قد تكون المدينة عرفت أياماً مظلمة، ولكنها ذكرى ومضت. لهذا ينفجر الفرح كما يحسّ به الحصّادون. وتصبح هذه الثقة التي استعادها المؤمنون، ملموسة. تصبح بركة تتوجّه إلى كل واحد منهم.
الرب هو الذي يبني البيت أي الهيكل. بل كل بيت من بيوتنا. الربّ هو الذي يحرس المدينة، مدينة أورشليم. وكل مجهوداتنا بدونه تبقى باطلة. وبناء البيت يعني أيضاً في ما يعني، تأمين نسل يجعل صاحبه يرفع رأسه في الساحة العامة، ويجعل الناس يذكرونه جيلاً بعد جيل.
قد يكون الإطار الذي وُلد فيه هذا المزمور ولادة ولد في البيت. جاء الأصدقاء والأهل والجيران فسلّموا على الوالدين وعبّروا عن عرفانهم لهذه الهديّة التي لا تثمّن: ولد في البيت. فالبيت بلا ولد سريع العطب. إنه كالمدينة التي "يرفض" الله أن يحميها. قد نضع فيها الحرس ونكثرهم، قد نقوّي الأسوار وندعمها، فهي إلى الدمار إن لم يكن غداً، فبعد غدٍ. فلماذا التعب والهمّ. هنا نتذكّر ما قاله يسوع في مت 6: 25: "لا يهمّكم لحياتكم ما تأكلون وما تشربون، ولا للجسد ما تلبسون".
و"يسخر" المرتّل من الذين يغرقون في العمل. ينهضون باكراً. وينامون متأخّرين، بعد أن قضوا نهارهم كله في الكدّ والتعب. وهكذا يحسبون أنهم ثبّتوا حياتهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم. ولكن الربّ يمنح الخير لأحبّائه ساعة "ينامون". فهو الذي ينبت الزرع وينميه سواء نام الناس في الليل أو قاموا (مر 4: 27).
تحدّث هذا المزمور عن بيت الحجر الذي كان يُسرق بسهولة. فسلّمه إلى الله. وتحدّث عن العائلة التي يزداد أفرادها ببركة الله. وتطلّع في النهاية إلى بيت الله الذي يجمع في "جدرانه" كل الآتين إلى الحجّ. ولم تعد المدينة واحدة من مدن فلسطين، بل المدينة المدينة، أورشليم. فهي حقاً مدينة الله وإليها يصعد الحجّاج ثلاث مرّات في السنة لينشدوا السلام الذي يحمله اسمها: "ليكن السلام في أسوارك، والسعادة في بيوتك".

ننشد إليك اليوم هذا المزمور، مزمور المراقي والصعود
هناك صعود إلى مدينتك وهيكلك، والموضع الذي يحجّ إليه المؤمنون
هناك ارتقاء إليك بعد مسيرة طويلة ومضنية
نصل إليك يا ربّ فتعلّمنا وتعطينا الحكمة الحقيقيّة.

نريد أن نفهم اليوم أننا نحن البشر لا نقدر أن نكفي نفوسنا بنفوسنا
نحن لا نقدر أن نسير الأمور مسارها الصحيح بقوانا الخاصة
نحن ضعفاء وعاجزون، نحن مرضى ومحدودون
ولهذا نلتفت إليك في هذا الصيام المبارك.

كل شيء فينا عطيّة منك يا الله
كل شيء نملكه قد وهبته لنا يا الله
النجاح في بناء نقوم به معك، عطيّة منك يا الله
والحماية التي نحصل عليها، عطيّة منك أيها الربّ القدير.

الخبز الذي نأكله كل يوم، هو هبة من لدنك
والأولاد الذين في بيوتنا، عطيّة من سخائك الدائم يا أب الجميع
فهلاّ تعلّمنا أن نتّكل اتكالاً تاماً على عنايتك
وهلاّ فهمنا أن مجهودنا البشري ناقص إن لم نستند إليك.

إن لم يبنِ الربّ البيت، فباطلاً يتعب البناؤون
إن لم يحرس الربّ المدينة، فباطلاً يسهر الحارس
باطل لكم أن تفيقوا مبكرين وتناموا متأخرين وتأكلوا خبز الجوع
الرب هو الذي يزوّد أحبَّاءه وهم نائمون.

أنت يا ربّ حاضر منذ بداية الكون إلى نهايته
وعملك يمتدّ منذ وضعت البشر في جنة عدن
فيصل إلى أورشليم الجديدة المبنيّة لمجد الملك العظيم
أنت ما زلت أنت، وما زلت تبني وترفع مدماك مدينتك.

وما زلت تجمع شعبك منذ أول عيلة على الأرض حتى هذا الشعب الكبير
أردته كثيراً كالنجوم في السماء، وكالرمل على شاطىء البحار
مدينتك مدينة الأبرار، وفيها يقوم النسل المقدس
وفي وسطها ستبني ملكوتك على الأرض وتحميه من كل شر.

إبنِ يا ربّ بيوتنا، إبنِ بيتك، فعملنا باطل إن لم تضع يدك مع أيادينا
إبنِ يا ربّ مدائننا، إبنِ مدينتك واحرسها، فنحن ضعفاء إن لم تقوّ منا العزيمة
حاول الأقدمون أن يبنوا برجاً يصل إلى السماء، أن يستغنوا عنك، بل أن يتحدّوك
فانتهى ما كان يجب أن يكون: باب الله صار مدينة البلبلة والخلاف والتشتت.

ويحاول أبناء عصرنا أن يبنوا مدنهم بالتقنية وينسون حضورك
وبعد هذا يتعجّبون لأنهم فشلوا، فما بنوا بيتاً يرتاح فيه الانسان
وما بنوا مدينة ننعم فيها براحة البال
فذكّرهم بكلماتك: لا تقولوا في قلوبكم: قوّتي أعطتني هذا الغنى
لا تقولوا: قدرة يدي منحتني كل هذا الخير
بل قولوا: الربّ أعطاني القوة لأجمع هذا الغنى. فلا تنسوا الربّ إلهكم.

ونحاول نحن يا ربّ أن نعمل، ونتعب ونكدّ، فيذهب كل هذا باطلاً
نحاول أن نبني، ولكن مهما حاولنا، يبقى بناؤنا ناقصاً
نحاول أن نحرس، ولكن مهما حاولنا، لن نستطيع أن ندرأ كل الاخطار عنا
فجمال البيت هبة منك، وحراسة المدينة عملك وحدك.

بنى شعبك الهيكل المقدس، فرأى في عمله عطية منك
ورأى في الهيكل رمزاً وشهادة لعونك الدائم له
ونجا شعبك، ونجت مدينته من الفاتح المجتاح
فرأى فيك إله الخلاص الذي يعمل من أجل الضعفاء والمساكين.

ونحن شعبك، نطلب منك عوناً وحماية، فاجعلنا نحسّ بعملك من أجلنا
نطلب منك خبزنا اليومي، ولا نضع اتكالنا إلاّ على عنايتك
لا نتكل على نشاط محموم، ولا على الحيلة والشطارة
بل نلقي همنا عليك، وأنت تهتم بنا.

نسمع قولك: يا بني لا تعمل أشغالاً كثيرة
فمن ركض كثيراً حصل على الباطل
ومن وزع مجهوده سار إلى الفشل
الخير والحياة والغنى من عندك يا ربّ،
والحكمة والعلم والمعرفة من عندك يا ربّ
والمحبة وطرق الأعمال الصالحة من عندك
كل هذه عطاياك، وهي تدوم للأتقياء والذين يطلبون مرضاتك.

تقول حكمة البشر: الويل لمن يؤجّل عملاً إلى غد
وتقول أنت يا ربّ: طوبى للذي يؤجّل إلى الغد، لأنه عائش في الرجاء
وتقول: ما أتعس من يسهر ولا يجعل اتكاله عليّ
ما أتعس من يسهر ويجرجر حياته نهاراً وليلاً.

وتقول: أية فائدة أن تقوموا باكراً إن لم يكن الرب رفيقكم في قيامكم
أية فائدة أن تعملوا وتطيلوا العمل، فإن لم يعطِ الرب الوفر فأية فائدة من تعبكم
أنتم تكدّون وتتعبون لتأكلوا خبزاً لا يشبعكم، خبز الجوع
أما الربّ فيزوّد أحبّاءه بأفضل طعام وهم نائمون ومرتاحون.

سمعنا كلامك يا ربّ، وفهمنا أننا لن نهتمّ لما نأكل ولما نلبس
وتعلّمنا أنك الكرم المطلق الذي يرزق طير السماء طعامه
وعرفنا أنك تُلبس عشب الأرض أجمل حلّة، وبالأحرى تهتمّ بأبنائك
وحدهم الوثنيون يطلبون أمور اللبس والأكل،
وحدهم الكافرون يهتمون بأمور الغد
هم يهتمّون لأنهم يجهلون عنايتك يا ربّ.

نحن نسمع هذا، ولكننا لا نتعلّم الكسل والتخاذل
نحن لا نريد أن نسير سيرة باطلة متوانية، ولا نأكل الخبز من أحد مجاناً
ولكننا نستند إليك، وأنت تبارك مجهودنا وتنمي ثماره
ولكننا نتكل عليك قبل أن نرتمي في العمل وننقاد إلى التعب.

أنت تفجّر العيون في الوهاد، وتجعلها تسيل بين الجبال
من مائك يشرب وحش البرية، ومن ثمر أعمالك تشبع الأرض
أنت تخرج الخبز من التراب، وتعطي الانسان خمراً تفرح قلبه
تزأر إليك الأشبال، فتعطيها طعامها في حينه
من أجل كل هذا نلقي همنا عليك
وننتظر منك أن تعولنا وتسندنا فلا نتزعزع إلى الأبد.

البنون ميراث الربّ، وثمرة البطن ثواب منه
أبناء الانسان في شبابه كسهام بيد الجبار
هنيئاً لمن يملأ جعبته منهم
فهو لا يخزى إذا خاصمه أعداؤه أمام القضاء.

عطاياك عظيمة يا ربّ ولا سيما عطية البنين
فالعمر الطويل والأبناء العديدون، بركة من لدنك يا الله
ولكن عطاياك ليست مادية فحسب، وبركاتك تتجاوز هذه الدنيا
ألا فارفع قلوبنا إليك، وعلّمنا أن نتعلّق بك، يا ينبوع العطايا والبركات.

نحن نتطلّع إلى الماضي، فنعلن أننا قبلنا الكثير منك
ونتلو هذا المزمور، فنتطلّع إلى المستقبل ونفهم الحقيقة:
إذا لم نجعل ثقتنا فيك، فلا نتيجة تُرجى في حياتنا
ونتفهّم كلامك: بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً
ونعرف أن شعر رؤوسنا معدود كله، وأنك لا تنسى واحداً منا.

فكل مشروع نقوم به في عالم الطبيعة أو الفائق الطبيعة، يجب أن يرتبط بك
فإن نجح فهو ينجح بفضلك، يا من تبارك مجهود البشر
عمل تقديسنا، عمل رسالتنا، مرجعه إليك وهو يقوى على قوى الخراب ويعطي ثمراً
فأنت اخترتنا لنحمل ثمراً وتدو ثمارنا، وأنت أمين على اختيارك
وتقول لنا: كل ما تطلبون من أبي باسمي يعطيكم.

نقدر أن نسمع الكلمات ولكن إن لم تكن أنت في قلبنا، يا معلّم الجميع، فباطلاً ما نسمع
نقدر أن نرافق المعلمين، ولكنك أيها الربّ يسوع المعلّم الأوحد، ولغيرك لا نصغي
أنت علة العلل فكيف ننساك، وإن نسيناك فأمامنا الفشل
لهذا نسلّم أمرنا إليك، نجعل ذواتنا في نورك، وأعمالنا داخل تحرّكك.

فأرسل روحك إلى قلوبنا ليعمل فيها، فيحبّ فينا، ويصلّي فينا، وينمي لنا حياتنا
وعلّمنا أن ننفتح دوماً على عمله كالمسكين يفتح كفه منتظراً العطاء
دعوتنا إلي محبتك فلبينا الدعوة، وها أنت تسخّر كل شيء لخيرنا
لهذا نسلّم إليك أمرنا، ونحن عارفون، أنك تبني وتحرس، وتعتني وتفعل
لهذا نقدّم لك فعل المديح والشكران من الآن وإلى أبد الابدين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM