يسوع كلمة الله مع القديس يوحنا طرد الباعة من الهيكل
 

 

طرد الباعة من الهيكل 2: 13- 25

لا تجعلوا من بيت أبي بيتاً للتجارة.
سلوك مشكّك! التجّار والصيارفة يقومون بعملهم أحسن قيام. وها هم يُطردون بالسياط بواسطة شخص "مجنون". ماذا يريد في الحقيقة؟ هل يريد أن يقوم بفعلة نبوية كما فعل الأنبياء قبله؟ الرمز واضح. وليس من قبيل الصدف أن يوجّه يسوع كلامه إلى باعة الحمام. هذا لا يعني أنهم أكثر خطأ من غيرهم. ولكنهم هم الذين يبيعون الضحايا من أجل ذبائح الفقراء.
قُسم الناس ثلاث فئات: الاغنياء يشترون البقر. متوسّطو الحال يأخذون الغنم. والفقراء يذبحون الطيور. إذن إهتم يسوع أول ما اهتم بالفقراء. بصغار القوم الذين "يبقّون الدم" ليستطيعوا الوصول إلى الهيكل، هذا إذا قدروا. أجل، لا يريد يسوع أن يكون الهيكل موضع تجارة، موضع ربح واستغلال.
كان زكريا النبي (14: 21) قد أنهى كتابه فجأة فحلم بذبائح تشارك فيها الجماعة كلها، لا فئة من الفئات. وفعلة يسوع معبرّة، لا سيما وأن الحمام يرمز إلى الجماعة في العالم اليهودي المتأخر. ولكن هل نذهب في الغيرة لله إلى حدّ الخروج من الواقع؟
فكّر التلاميذ بطريقة عفوية في ما قاله مز 69: 10 (الغيرة على بيتك ستأكلني). رأى المرتل نفسه في خطر، وقد لاحقه "خصومه" بسبب عمل غيرة قام به من أجل الهيكل. واندفاع يسوع سيكلّفه "الانزعاج" نفسه.
وندهش من هؤلاء التجار الذين لم "يتحرّكوا". بل يتحمّلون تصرّفات هذا "المقلق"، ويكتفون بالوقوف مع الذين تجمّعوا فيما بعد. حين نقرأ إنجيل مرقس، نفهم فهماً أفضل أن يسوع يهاجم ممارسات تتنافى والشريعة: يستعمل التجّار حرم الهيكل بشكل "قادومية" لتقصر الطريق عليهم (مر 11: 16). وهكذا يكون يسوع على حقّ. هو يطالب بالاحترام للمكان المقدّس. واليهود الفطنون حاولوا أن يتحقّقوا من صفة يسوع النبوية (هل هو نبي حقا؟). طلبوا آية. ولكن أليس هذا العمل الساطع آية؟ أم هم يبحثون عن معجزات تبهر العيون.
ومهما يكن من أمر، يقول يوحنا، إن كثيرين آمنوا به. ولكن يسوع لا يثق بهذه الحماسات السطحية. "ما في الانسان" هو هذا الميل السيء الذي به يشيد أبنية خياليّة تجعله "يحسّ" أنه في أمان. هذا هو وضع الهيكل الذي جعلوا فيه ثقتهم دون أن يغيرّوا أعمالهم.
ظنوا نفوسهم أنهم "يبنون"، فإذا هما يهدمون". يقول لهم يسوع: "أنقضوا هذا الهيكل". أما يسوع فهو يبني. إنه يعطي الحياة. إنه يبني جسده الذي هو الكنيسة.
من يتحدّث عن الغيرة، يرفع أنظارنا إلى الله. هذا هو وضع يسوع الذي يشارك الله في غيرته على شعبه. وهذا الحبّ هو حبّ يفضّل الفقراء، لا حب يريد أن يمتلك الآخر. بل حبّ يريد أن يعطي. وليس نار قشّ يشتعل بسرعة وينطفىء بسرعة.
وحاول التلاميذ أن يدخلوا الى ذواتهم. تذكّروا (ترد الكلمة مرتين) آية يسوع الفريدة، أي الفصح. هذه النقطة تحيط بالنص كلّه. وتفتح الطريق أمام عمل تحرير ظنّ عدد من الناس انهم يبنونه، فإذا هم يهدمونه. ولكن الحياة تفتح طريقها عبر الموت. ونحن نحتاج إلى ثلاثة أيام (هو 6: 2) لنكتشف أن بعد الدمار يأتي البناء والخلق، وبعد الموت الحياة.
حصل مشهد الباعة المطرودين من الهيكل قبل توقيف يسوع ببضعة أيام. ظلّ يسوع مدة سنتين يردّد النداء تلو النداء، ويُكثر من الآيات التي تدلّ على معنى رسالته. شفى العديد من المرضى، وقام بالفعلات النبوية التي تدهش العقول.
ولكنه لم يهتمّ إهتماماً زائداً بكل هذا. فهو فعل ما فعل "شبه مكره"، لأنه أشفق على هذا الشعب. رأى ضيق صغار القوم، فانتزعت منه هذه الرؤية أعمالاً وآيات تدلّ على علاقته الحميمة مع الله. ولكن لا التحدّي ولا الانذار استطاعا أن يحصلا منه على شيء. فاستقباله لخاطئة أو لطفل يشكّل عملاً طوعياً يحمل معنى عميقاً يساوي شفاءه للأعمى.
غير أن هذا لم يكن بكافٍ للذين رفضوا أن يستمعوا إليه ببساطة الأطفال. حتى بعد تكثير الأرغفة قالوا له: "أية آية تصنع لنراها ونؤمن بك؟ أي عمل تفعل"؟ فأجابهم: الآية التي يعطي والعمل الذي يعمل هو أن يتمّم إرادة الله أبيه.
وها هو في الهيكل ليعمل إرادة أبيه. أما المسؤولون عن شعائر العبادة فيريدون أن يحاسبوه عمّا فعل. غير أنه أجاب هؤلاء الناس العطاش إلى المعجزات، فخيب آمالهم. قال: "أنقضوا هذا الهيكل وأنا أبنيه في ثلاثة أيام". وقال أيضاً: "لن يكون لكم إلاّ آية يونان".
هذا يعني أن الآية النهائية الوحيدة هي آية آلامه وقيامته. فإذا أردنا أن نتعرّف إليها، نرتدّ، نبدّل قلوبنا وعقليتنا مثل وثنيّي نينوى الذين أحدثت فيهم كلمات يونان انقلاباً.
لقد قاد يسوع تلاميذه في طريق الإيمان المتجرّد. ظلّ بقربهم ذاك النجّار الفقير، نجّار الناصرة، الذي واجه مثلهم الفقر والتعب والقلق والالم والموت. وقيامته نفسها جاءت خفيّة، خفرة. هو لم يظهر في إشعاع مجده، بل بيديه ورجليه المجروحة وبقلبه المفتوح.
ونحن المؤمنين اليوم، أما نزال نطمع بآيات محسوسة ومدهشة؟ هل نقبل أن نثق في صمت الإيمان وبساطته، بذلك الذي أحبنا أولاً وبذل ذاته عنا؟
أيها الرب إلهنا. إنتزعنا من الرتابة والعادة والضجر. أعطِ قلوبنا القوة والشجاعة لنحطّم الاصنام التي "نفبركها"، ونفتح السجون التي نسجنك فيها. أيقظنا من سباتنا واجعل كلمتك تُحدث فينا إنقلاباً فنكون حقاً هذا الهيكل الذي تبنيه أنت وتجعله مقاماً يليق بك وبالثالوث الاقدس.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM