آية قانا الأولى
2: 1- 12
تلك كانت أولى آيات يسوع أتى بها في قانا الجليل. أظهر مجده فآمن به تلاميذه.
إن معجزة قانا هي خاتمة القسم الأول وفاتحة القسم الثاني. إنها تختتم الوحي الأولى الذي وصل إلى التلاميذ. يتبع مشهد قانا في اليوم السابع من أسبوع بدأ في 1: 29. في هذه الحال، نكون أمام تلميح عن خبر الخلق (تك 1: 1- 2: 4 أ). وهنا نظرة أخرى إلى أسبوع هيّأ ظهور سيناء وعطية الشريعة. لقد أراد يوحنا أن يرينا في يسوع ذاك الذي يتمّ فيه وحي سيناء: "الشريعة بموسى، النعمة والحق بيسوع" (1: 17). هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، هذه الآية تفتتح سلسلة السبع آيات التي تتوزّع إنجيل يوحنا، قبل القيامة، آية الآيات. نقرأ في آ 11: تلك كانت أولى آيات يسوع. إذن ستتبعها آيات. وبين قانا حيث حوّل يسوع الماء خمراً، وبين قانا التي فيها شفى ابن عامل الملك، نجد ثلاثة وجوه تلتقي بيسوع: نيقوديمس الذي هو رئيس لدى اليهود. السامرية التي حملت البشارة إلى شعب "منشق" فعرف في يسوع مخلّص العالم. عامل الملك الذي هو وثني. قالت له يسوع: "ابنك حي". فآمن هو وكل أهل بيته (4: 53).
نحن أمام عرس غريب. أمام خبر مبني بناءً روحيّاً، بحيث يجب أن نتخلّى عن معرفة ما حدث بالضبط. إنطلق يوحنا من تذكّر حقيقي، فألقى ضوءاً ساطعاً على التاريخ، فصار من الأفضل أن نهتم باللاهوت أكثر منه بالواقع.
ونبدأ بدراسة النصّ.
في المقدّمة (آ 1- 2) نتعرّف إلى أشخاص الخبر وعلاقاتهم المتبادلة. وتُعرض ظروف العرس دون أن يكون أي حديث عن العروسين. لا يشير النصّ إلى العروس. أما العريس فلا يذكر إلاّ بفم رئيس المتّكأ. ظن رئيس المتّكأ أن العريس هو الذي جاء بالخمرة الطيبة. ولكن العريس الحقيقي هو يسوع المسيح. وقد أعطى خمرة جديدة من أجل أعراس الملكوت.
والأشخاص الآخرون هم: يسوع، أم يسوع، تلاميذ يسوع، الخدم. ونلاحظ أن النصّ يقدّم هؤلاء الأشخاص مع رئيس المتّكأ بالنظر إلى يسوع. يسوع هو المحور، هو قلب الخبر. هناك أمه هو. هناك تلاميذه هو. لن يكون للتلاميذ دور فعّال. ولكن لهم أهميّتهم: هم شهود في الخبر. هم موضوع التحوّل: بعد الآية، صاروا مؤمنين.
في المشهد الأول (آ 3- 4) نجد يسوع وأمه. نقص الخمر الذي هو عنصر جوهري من أجل العرس. فكان هذا النقص نقطة انطلاق الخبر. كانت الأعراس في العالم اليهودي (والشرقي عامة) تدوم أسبوعاً كاملاً. فلا بدّ من تهيئة كمية كبيرة من الشراب. لماذا نقص الخمر؟ هذا ما لم يقله الراوي، بل هو لم يهتم له. واتخذت أم يسوع (هكذا تسمّى في إنجيل يوحنا، ولا تسمّى أبداً مريم) المبادرة فتدخّلت.
لم تتدخل بشكل مباشر، بل عبر إعلان وقول عابر. تلك هي طريقة يوحنا في تقديم الطلب بعاطفة تدلّ على الإحترام. هكذا طلبت مرتا ومريم من يسوع أن يتدخّل: "الذي تحبّه مريض" (11: 3). كان على رئيس المتّكأ (أو العريس) أن يهتمّ بهذه التفاصيل. وسنرى أن المشهد بين يسوع وأمه يوازي المشهد بين العريس ورئيس المتّكأ.
نظنّ أن هذا التبديل في الأدوار سيعطينا المفتاح الذي به ندخل إلى الخبر. إن الحوار بين يسوع وأمه يبدو بشكل لغز. ولقد فسرّه بعض الشرّاح انطلاقاً من أفكار مسبقة، لا من مدلوله الأدبي. إن جواب يسوع (ما لي لك، ماذا بيني وبينك؟) لا يترك مجالاً للشك حول طبيعة الحوار. هذه العبارة العبرية ترد مراراً في العهد القديم وهي تدلّ دوماً على سوء تفاهم: أو أنه طُلب من شخص أن يتدخّل في أمور شخص آخر فرفض. أو أن شخصاً أراد التدخّل في أمور شخص آخر فأبعد ورُفض مبدأ تدخّله.
هناك شرّاح يخفّفون من قساوة كلمات يسوع بلهجة يفترض فيها العاطفة، أو نظرة من حنان يوجّهها يسوع إلى أمه. أما يوحنا فم الذهب فرأى في هذا الكلام طريقة عنيفة في معاملة مريم. لا ننسى أن خير الأمور وسطها. جواب يسوع هو إيجاد مسافة بينه وبين أمه: دعاها لكي تتجاوز مجرّد الأمومة بحسب اللحم والدّم، لتولد كما يولد كل تلميذ، لتولد ولادة الإيمان.
وقال يسوع: "لم تأتِ ساعتي بعد". هناك تفسيران ممكنان. الأول يجعل علامة استفهام في نهاية الجملة: "ألم تأتِ ساعتي بعد"؟ في هذه الحالة، يؤكّد يسوع أنه ما دام حاضراً لن تنقص خمرة العرس. الثاني (التفسير المفضّل) يقرأ الجملة كتأكيد فيه يجعل يسوع من هذه الآية الأولى، استباقاً وإعلاناً للساعة التي ستتمّ على الصليب. لا يستطيع أحد أن يقرّر ساعة يسوع، حتى ولا أمه، فمن الآب وحده يتسلّم الابن العلامة التي تعلن: لقد تمّ.
وعلى الصليب سيجمع يسوع أمه والتلميذ الحبيب إلى قلبه (19: 25- 27). كلاما يمثّلان إسرائيل الحقيقي، يمثلان الجماعة التي تواصل حضور يسوع وعمله بعد ذهابه وعودته إلى الآب. وفي قانا، صارت أم يسوع أول تلميذ ليسوع.
في المشهد الثاني، نرى أم يسوع والخدم (آ 5- 6). إن كلمة أم يسوع للخدم، تدلّ على أنها تجاوزت العتبة التي دعاها يسوع لكي تتجاوزها. قالت: "إفعلوا كل ما يأمركم به". إن هذه الكلمة تبرز تعلّقاً غير مشروط. وهكذا صارت أم يسوع بالجسد، الأولى بين التلاميذ.
في المشهد الثالث، نرى يسوع والخدم (آ 7- 8). يبدو هذا المشهد وكأنه معزول عن الرسمة كلّها. هذا يدلّ على أنه يحتلّ قلب الخبر. توقّف الإنجيلي وأطال، وكأنه يقدّم صورة بطيئة عن الأعمال والأوامر، وكيف نفّذت: "إملاوا هذه الجرار ماء". فملأوها حتى فاضت. "إستقوا الآن وقرّبوا لرئيس المتّكأ". فقرّبوا (آ 7- 8). هذا هو وقت تتمّة المعجزات. كان هناك نقص ولّد الخبر. والآن قد سدّ النقص. وكل شيء يمكنه أن ينتهي في الفرح، في جوّ العيد.
وفي المشهد الرابع، نرى سيّد المتّكأ والخدم (آ 8 ب- 9 أ). في الواقع، هنا يبدأ سوء التفاهم. لم يعرف رئيس المتّكأ من أين جاء الخمر. إن الأصل السرّي لهذا الماء الذي صار خمراً، يحيلنا إلى الأصل السرّي ليسوع وعطاياه. والخدم الذين يرمزون إلى المؤمنين الذين "يسمعون" الكلمة، يعارضون رئيس المتّكأ: هو لم يكن يعرف (يدري). أما هم فكانوا يعرفون.
في المشهد الخامس، نرى رئيس المتّكأ والعريس (آ 9 ب- 10). إن رئيس المتّكأ والعريس يقابلان أم يسوع ويسوع (الذي هو العريس الحقيقي): لقد وصل سوء التفاهم إلى الذروة. جهل رئيس المتّكأ (كان عليه أن يؤمّن الخمر) أن شخصاً حلّ محلّه كرئيس متّكأ. وجهل أيضاً أن العريض ليس ذاك الذي يظنّ. هو لا يدري، ومع ذلك يكتفي بجهله فيذكر العادة المعمول بها.
وجاءت خاتمة الخبر فدلّت على القيمة الرمزية للآية: "أظهر مجده فآمن به تلاميذه". هذه النهاية تفهمنا أننا لسنا فقط أمام نادرة وحكاية صغيرة. لهذا نحن نحتاج إلى ضوء الأسفار المقدّسة وحدث القيامة لكي نفهمها.
ماذا تقول الأسفار المقدّسة؟
إن موضوع الأعراس المسيحانية وأهميّة الخمر، أمر يذكره العهد القديم مراراً. حلم هوشع (2: 23- 24) بأزمنة مسيحانية فيها "يستجيب الرب (لطلب) السماوات، والسماوات تستجيب (لرغبات) الأرض. الأرض تستجيب لحاجات الحنطة والخمرة الجديدة والزيت النضير. وكل هذا يلبّي حاجات يزرعيل" (أي: الله يزرع).
وينتظر أشعيا (62: 9) الأزمنة الأخيرة: "إن الذين استغلّوا الحنطة يأكلونها ويسبّحون الرب. والذين جمعوا العنب يشربون منه لا أروقتي المقدّسة". إن يسوع أعطى، بل أغدق بوفرة، وأفرط في العطاء. فالكيلة تساوي 40 ليتراً. هذا يعني أن حوالي 700 ليتر من الماء تحوّلت إلى خمر. وهذا يعني أن الأزمنة المسيحانية قد بدأت في شخص يسوع.
إن التلميح إلى الجرار الست الفارغة والمعدّة لتطهير اليهود، يساعدنا على التثبّت من المعنى الرمزي. فالأعراس بين إسرائيل والله قد وصلت إلى طريق مسدود: فالعدد 6 (7- 1= 6) يدلّ على النقص وعدم الكمال. ثم إن الحوار بين يسوع وأمه يذكّرنا من خلال كلماته، بحوارات أخرى في العهد القديم. حين نقص الخبز في مصر، دعا فرعون الشعب للذهاب إلى يوسف: "وجاعت كل أرض مصر، فصرخ الشعب إلى فرعون طالباً الخبز. فقال فرعون للمصريين كلّهم: إذهبوا إلى يوسف، وافعلوا ما يقوله لكم" (تك 41: 55). وهكذا بدا يسوع كيوسف جديد يطعم الشعب ويتيح له أن ينتقل من العوز إلى الوفر. ولكن التقارب الأوضح يبدو مع خر 19: 8 حيث التصق الشعب بالعهد بهذه الكلمات: (كل ما تكلّم به الرب نعمل بحسبه". إن أم يسوع هي صورة إسرائيل الجديد.
ونقرأ خبر قانا على ضوء الفصح والقيامة.
دوّنت معجزة قانا من أجل المؤمنين الذين اختبروا الإيمان الفصحي وانقطعوا عن العالم اليهودي. كل هذا نستشفّه في بناء النصّ. فالمطلع والخاتمة يضعان القارىء في سياق فصحي. "في اليوم الثالث" أو "بعد ثلاثة أيام". هذا ما يشير إلى القيامة حيث ظهر مجد يسوع (2: 11). وحيث صار إيمان التلاميذ كاملاً. ويصوّر مجمل الخبر كيف أن الإنتقال من العالم اليهودي إلى العالم المسيحي قد تمّ في يسوع.
فالعالم اليهودي الذي انفصل عنه المسيحيون الأولون، يصوّر هنا كتيّار ديني تعب فصار إلى النهاية. فالجرار الست المعدّة لتطهير اليهود هي فارغة، والمسؤولون عن العرس لم يحتاطوا للأمر: فالعرس المسيحاني قد استنفد وانتهى. ثم حين تدخّل يسوع فأعطى العرس إمتداداً غير منتظر وعجيباً، لم يستطيع رئيس المتّكأ ولا العريس (الذي هو صورة إسرائيل) أن يتقبّلوا الجديد الذي يحمله يسوع: إكتفى رئيس المتّكأ بأن يعود إلى الماضي ويقول: "درجت العادة".
وأم يسوع هي هنا: هي تلك التي بها صار العيد بين الله والبشرية ممكناً. لقد قادت إسرائيل الجديد (الذي يرمز إليه الخدم هنا) إلى يسوع. وبفعلها هذا صارت المرأة، صورة إسرائيل الجديد، وخضعت لابنها، وعلّمت شعبها الخضوع: "إفعلوا كل ما يأمركم به". كمية الخمرة ونوعيتها الفائقة تدلاّن على أن العيد المسيحاني قد بدأ وأنه لن يكون نقص في الخمر بعد الآن.
تساءل أحد آباء الكنيسة: "هل شربوا الخمر كلّه"؟ فأجاب: "لا. فنحن ما زلنا نشرب منه".
قال أحد الشرّاح: "إن الأفكار اللاهوتية التي يتضمّنها هذا المقطع هي من العمق، بحيث إن جميع نظرياتنا يجب أن تتوقف. فهناك أكثر من هدف وضعه الإنجيلي نصب عينيه".
هناك أولاً موضوع الإيمان. يقول النصّ: "وآمن به تلاميذه". تجاه هذا الإيمان الجديد في الكنيسة الفتية، نتوقف أولاً عند الوجهة الإكليزيولوجية (على مستوى الكنيسة). فإن 2: 1- 11 لا ينفصل إلاّ من الخارج عن خبر نداء التلاميذ الأولين. فبحسب مضمونه، يشكّل النصّ خاتمة التوسيع الذي بدأ في 1: 19. والآن، في قانا، في اليوم السابع، اجتمعت "الكنيسة" للمرة الأولى، وظهرت "الخليقة الجديدة". ولكن في 2: 1، سمّي هذا اليوم السابع "اليوم الثالث". هذه الإشارة تدلّ على سرّ القيامة. فالكنيسة لا تولد إلاّ من سرّ الفصح.
والإشارة إلى الجرار الست هي واضحة. فيوحنا يفكّر في التلاميذ الستة الذين أقبلوا إلى الإيمان. منذ يوحنا المعمدان واندراوس ويوحنا (لا يذكر اسمه) إلى سمعان وفيلبس ونتنائيل. لقد أعلن يسوع لهؤلاء التلاميذ (1: 51) أنهم سيرون ابن الإنسان في قدرته ومهابته الإلهية. في قانا تحوّل الماء إلى خمر. ولكن المعجزة الأعظم هي تحوّل التلاميذ: "أظهر مجده فآمن به تلاميذه".
ثم إن الكرستولوجيا (الحديث عن المسيح) لا تنفصل عن الإكليزيولوجيا. فإذا تساءلنا عن "المجد" الذي أظهره يسوع في قانا، نفهم أنه بداية ما سيتم في القيامة التي تتوّج الآيات السبع التي أوردها يوحنا في إنجيله. إن الروح خلق الإنسان الجديد، خلق ذاك الذي يؤمن بيسوع. هذه هي المعجزة العظمى. إذن، وحي المجد هذا، ليس قبل كل شيء في الحدث الخارجي الذي هو علامة وحسب. فما هو حاسم، هو التحوّل الروحي الذي يجعل الإنسان جديراً بأن يكتشف الطبيعة الإلهية في يسوع الذي هو الكلمة. هذه الطبيعة لم تنكشف لرئيس المتّكأ، مع أنه ذاق "الخمر الجديد". فالتلاميذ وحدهم، الذين يمثّلون كنيسة المسيح المؤمنة، "رأوا مجد الكلمة الذي صار بشراً". هنا تظهر العلاقة الحميمة بين ابن الإنسان وأبيه السماوي (1: 51). فما نكتشفه في مستوى أول من صورة المسيح التي نجدها في هذا المقطع، هو طبيعة يسوع، لا طبيعته المسيحانية، هو كيانه الخاص الذي يكشفه حين يعمل في البشر.
وصلت مريم إلى العرس قبل يسوع وقبل تلاميذه. وتدخّلت فحصلت على الخمرة الطيّبة. ولكن يسوع لا يتحرّك بتنبيهات البشر، ولو كانت أمه بحسب الجسد. فإرادة الله هي التي تحدّد الساعة التي فيها يظهر مجده. ويحلّ الخمر محل الماء، فيكون عمل الابن امتداداً لعمل الأم. والإهتمام البشري يترك المكان للغنى الإلهي. لا شك أن رباطات اللحم والدّم لم تعد مهمّة. ولكن مريم، القريبة روحيّاً من يسوع، كانت أول من اكتشف اقتراب علامة الخلاص. لقد أبرز يوحنا في إنجيله مشاركة هذه المرأة في المعجزة. بكلمة قالتها لابنها، مثّلت العهد القديم. وبالكلمة التي قالتها للخدم دخلت في إرادة الله، وأخذت على عاتقها وضعاً سيهيمن في نظام الخلاص الجديد. في قلب الكنيسة، كنيسة العهد القديم أو كنيسة العهد الجديد، تبقى مريم أقرب القريبين من يسوع.
دُعي يسوع إلى العرس فلبّى الدعوة. وفي هذا حقّق ما قال مطلع إنجيل يوحنا: "جاء إلى خاصته". هنا نترك ما قاله الغنوصيون والمانويون في الماضي حول الإنفصال بين عالم المادة وعالم الروح. لقد عاش يسوع حياته على الأرض كما عاشها كل إنسان: أكل، شرب، تعب، نام... شاركنا في حياتنا وأفراحنا وأحزاننا (بكى على لعازر) بشكل طبيعي جداً. ولكنه نفح كل هذه الأعمال بنفحة إلهية، فصارت الأعراس مثلاً انعكاساً لواقع أبدي.
كان العرس يمتدّ طويلاً (تك 29: 27؛ قض 14: 12؛ طو 11: 19). كانوا يأكلون ويشربون وينشدون ويرقصون ويمارسون بعض الألعاب (قض 14: 12). وكانت العروس تنتقل إلى بيت عريسها بإحتفال عظيم. وهذه العظمة كان لها أساسها في نظرة العهد القديم إلى الزواج كما "أسّسه" الله.
حين دخل طوبيا إلى خدر العروس، طلب من سارة أن تصلّي معه: "مبارك أنت، يا أله آبائنا، أنت الذي خلقت آدم. أنت الذي خلقت حوّاء لتكون عونه وسنده. ووُلد الجنس البشري من هذين الإثنين. أنت الذي قلت: لا يحسن أن يكون الإنسان وحده، فنصنع له عوناً شبيهاً به. والآن، أنا لا أطلب اللذة حين آخذ أختي، ولكني أتصرّف بقلب صادق. تنازل وتحنّن عليّ وعليها لنصل معاً إلى الشيخوخة. وقالا كلاهما: آمين. وناما معاً في تلك الليلة" (طو 8: 5- 9). هذا ما نجده في السبعينية اليونانية. أمّا في نصّ الشعبية اللاتينية فنقرأ: "والآن أيها الرب، أنت تعلم أني آخذ أختي زوجة لا رغبة بالجسد، بل من أجل نسل يسبّح إسمك إلى الأبد".
حين عاد هذان الزوجان إلى خبر الخلق، تطلّعا إلى الوحدة في الحب حتى عمر متأخّر كهدف الزواج الحقيقي. لا شكّ في أن الحياة اليومية كان ينقصها بعض المثالية في الميثاق القديم. ولكن يسوع أعاد النظام القديم إلى ما كان عليه من جمال: فتعليمة موسى حول كتاب الطلاق كانت تنازلاً أمام الضعف البشري. "في البدء، خلق الله الإنسان رجلاً وإمرأة. لهذا يترك الرجل أباه وأمه، فيصير الإثنان جسداً واحداً. وما ربطه الله لا يفرّقه الإنسان" (مر 10: 6- 9 وز).
أعاد المسيح إلى الزواج كرامته، كعمل مقدّس وعظيم. ولكنّه عرف أنه ما زال نظاماً أرضياً وعابراً. غير أنه في العمق يعكس وحدة المسيح مع الكنيسة (أف 5: 32). إن المسيح الذي هو العريس يحلّ محل الله في أعراسه مع شعبه (هو 2: 21 ي؛ أش 54: 5؛ حز 16: 8). في هذا المعنى ينشد سفر الرؤيا: "لنفرح ونبتهج ولنشد بمجده، لأن عرس الحمل قد حضر، وعروسه قد هيّأت نفسها... طوبى للمدعوين إلى وليمة عرس الحمل" (رؤ 19: 7- 9). فيسوع هو الحمل الذي جاء إلى قانا مع عروسه، فدشّن أعياد الزواج التي هي صورة عن وليمة عرس الحمل الأبدية.
من خمر فاض في عرس من أعراسنا، إلى خمر الإفخارستيا المقدّسة، إلى الخمر السماوي. هكذا ينتقل المزمن من عيد إلى عيد، ومن فرح إلى فرح حتى يصل إلى فرح عرس الحمل، إلى العيد الذي لا ينتهي