الصلاة الكهنوتية

الصلاة الكهنوتية
17: 1- 10

الحياة الابدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك.
أورد لنا يوحنا صلاة يسوع هذه. فكم يجب أن نتمعّن بها. لا شكّ في أن الإنجيلي رتّبها فجعل يسوع يقول: "ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته". ومع ذلك فالأصالة ظاهرة. ورغم الظواهر يبدو النصّ بسيطاً. هو صلاة طوعية جاءت بطريقة عفوية فكان لها جمالها.
لا يصلّي يسوع من أجل العالم. هذا لا يعني أنه يرذل العالم. فما يهمّ يسوع قبل كل شيء هو مصير تلاميذه. نحن هنا في وضع حدودي، يطلق فيها إنسان من الناس صلاته الأخيرة. لم نصل بعد إلى الصرخة الأخيرة: "أنا عطشان"! بل نحن أمام مقدّمة تدخلنا في المجد.
وتسمية هذه الصلاة "بالصلاة الكهنوتية" تأتيها من تشفّع يسوع من أجل تلاميذه. إن يسوع يحمل همّ أصدقائه. يخاف من سقوطهم. وسيدلّ المستقبل أنه كان على حقّ.
وسيكون همّ الوحدة موضوع القسم الثاني (آ 11- 26). أما الآن فيسوع يتكلّم عن نفسه. كأني به يقول: أيها الآب أنهيت عملي. والآن جاء دورك. هذا هو أساس كل صلاة: أن نسلّم ذواتنا بكليتها إلى الله في انتفاضة أخيرة، وبعد أن نكون قمنا بواجبنا. هذا ما يعطي لحياة تامة امتداداً لا تدركه أيدي البشر. فوراء لفظة "أعطى" (المتواترة في النص) يجب أن نقرأ "سلّم". كل ما لنا قد سلّم إلينا كوديعة، وخصوصاً الاشخاص.
هذا ما يقويّ إحساسنا بمسؤولياتنا. فأمام اقتراب الموت، يصلّي يسوع خاصّة من أجل نفسه. هو يحتاج أن "يعرف". هذا هو التمجيد. هو لا يستطيع شيئاً أمام متّهميه كمحكوم عليه بالإعدام. إذن، يستند إلى الله والى تلاميذه. هؤلاء هم فخره إذا عرفوا أن يثبتوا. وقوضهم تعود إليه والى الله. ثم إن على الآب أن يخلّص ابنه من السقوط والمذلّة. فكرامة الآب هي على المحكّ.
كل شيء هو تبادل في هذه الصلاة التي تدهشنا حقيقتها. فالحبّ لا يسير أبداً في اتجاه واحد. هناك اتجاهان. الحب يسير كالحياة. إنه عطاء (هدية) ينتقل من يد إلى يد. ورغم قلق خفيف نستشفّه في الكلمات، نستطيع أن نتكلّم عن صلاة من التهليل. ويمكن أن تُتلى ليلة عشاء فصحي. فالليتورجيات الفصحية القديمة كانت تترك مكاناً لمثل هذه الصوات.
"أنا غلبت العالم". هذا ما قاله يسوع. هو لم ينتصر بعد. أو بالأحرى كل شيء قد انتهى، والغلبة هي قضية وقت. فالاختيار انتزع التلاميذ من هذا العالم. ولقد تعب يسوع في أن ينزع نفسه عنهم. حُطمت وحدة، فتحقّقت وحدة أخرى، وحدة أعمق. كانت الصلاة لحمة في الجماعة الأولى. وكانت المشاركة مع المسيح قوّة للمؤمنين. والصلاة التي تلاها يسوع بعاطفة لم يستطع ضبطها إلاّ بصعوبة، جمعت في شخصه الماضي. والمستقبل، الزمن والأبدية.
قال يسوع: "أنا أتيت إليك". لا نجرؤ أن نستمع إلى هذا الصوت الذي لا يتوجّه الآن إلينا، بل إلى الآب الذي لم يواجهه بعد كما سيفعل بعد الموت والقيامة.
وقت نادر. تنتظر آذاننا وقلبنا. سنسمع الصلاة الطويلة الوحيدة التي وصلت إلينا من يسوع. ولكن ندهش وقد ننزعج. لماذا تتحدّث هذه النجاوى عن المجد (وهي كلمة لا نحبّها كثيراً).
نحن نربط طوعاً المجد بالقوة والتباهي ووضع المسافة بيننا وبين الآخرين. فالمجد لدى شخص، يجعله بعيداً عنا وعن متناولنا، ويعود بنا إلى عيشنا الخامل. حين نحتفظ بأفكارنا في هذا الوقت، نقتل قوة الاصغاء التي يجب بالأحرى أن تجتذبنا إلى الإله الحقيقي. فيسوع المتكلّم إلى أبيه، يفكّر الآن ويتكلّم من أجلنا. إنه وسيط كما لم يكنه في هذه الساعة: "أيها الآب، عرّفت البشر إليك".
وهذا يعني أنهم عرفوا مجد الله. عرفوا قدرة الحياة التي فيه، كما تقول النصوص البيبلية. وبما أننا أمام إله هو حبّ، فهذه القدرة هي صالحة وقد جاءت لتغدق الخيرات على الخلائق.
إنطلاقاً من هنا نستطيع أن نتكلّم عن المجد. المجد هو إشعاع الله. إشعاع ينبع من قوة الحياة فيه، من وزن الكيان. الله مجيد. الله مجد هو مع ما فيه من حياة وجمال وحبّ. وكل هذا يجعلنا ساجدين في صلوات الشكر والمديح التي نتلوها.
كان موسى قد أحسّ إحساساً عميقاً بهذا الوضع حين توسّل إلى الله فقال: "أرني مجدك". وفي يوم من الأيام انفجر الخبر: "رأينا مجده. المجد الذي ناله الابن الوحيد من الآب" (1: 14). بعد هذا، إستعددنا لنتعرّف إلى مجد الله بمجد المسيح: "مجّد اسمك فيمجّدك ابنك".
وليس المجد فقط قوة حياة. انه أيضاً قدرة على العمل: "أيها الآب، مجّدتك على الأرض حين أتممت العمل الذي سلّمته إليّ". أما العمل فهو خلاص العالم. كشف لهم حبّ الآب فحمل إليهم الخلاص. وساعة تلا يسوع هذه الصلاة، كان يستعد ليتمّ هذا العمل. وسيجعل الآبُ مجدَ الابن يسطع، فيختم مهمته الخلاصية بالقيامة.
نشكرك أيها الرب الإله من أجل ابنك. لقد مجّدك حين أتمّ المهمة التي سلّمتها إليه وهو لا يزال يمجّدك حين يقدّم ذاته لنا في الكلمة التي نسمعها والخبز الذي يغذينا. بما أنه فينا، فامنحنا أن نشعّ حضورك بالصلاة والحب الأخوي. لك المجد إلى الأبد

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM