حمل الله

حمل الله
1: 9- 34

ها هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم.
نحن مدعوّون مع يوحنا إلى التأمّل في شخص ذلك الذي يحمل خطيئة العالم، ذلك الذي يعمّد، لا بالماء وحسب بل بالروح القدس.
لم يورد يوحنا بطريقة مباشرة عماد يسوع، ولكنه اهتمّ أكبر الاهتمام بشهادة المعمدان أمام تلاميذه الاخصّاء: "هذا هو حمل الله".
إذا عدنا إلى بناء الإنجيل الرابع، نجد أن هذا اللقب لا يتّخذ كامل معناه إلاّ إذا قابلناه مع خبر الآلام: في هذا الخبر يسلم يسوع الروح ساعة تُذبح حملان الفصح.
ما يهمّ الإنجيلي هو أن يميّز بين عماد الماء البسيط وعماد الروح. ففي أيامه ما زالت مجموعات من المعمّدين الأمناء لذكر معلّمهم والعائشين على هامش الكنيسة. أما الاتحّاد بيسوع فيتحقّق بعلامة الروح الذي حلّ عليه.
يعود هذا النص بشكل ضمني إلى أش 11: 1 حول امتلاك المسيح للروح، مع تشديد على طول الاقامة فيه: الروح يحل عليّ، يقيم فيّ. نحن نعرف أهمية فعل "أقام"، "ثبت" في الإنجيل الرابع. إنه يدلّ على حضور الله في الهيكل، ويشير الى الطابع النهائي للميثاق الجديد.
لا ينزل الروح على يسوع بشكل عابر كما على الأنبياء في الميثاق القديم. بل هو يحلّ عليه، يقيم فيه ويثبت، فيجعل منه هيكل الميثاق الجديد. هذا هو السبب الذي لأجله يستطيع يسوع أن "يعمّد" في الروح. هذا ما يجب أن نشدّد عليه حين نتحدّث عن المعمودية: نحن نُبرز رمزية الماء الذي يغسل ويعطي الحياة. ولكن لا ننسَ أن نُبرز أيضاً الرباط بين الماء والروح. حين نقل إلينا المسيح روحه كالماء الذي يطفىء العطش (4: 12- 14؛ 7: 37- 39)، أتاح لنا أن نحيا حقاً كأبناء الله.
جاء يوحنا يهيّىء طريق الرب بكرازته التي تدعونا إلى التوبة. بالغطس في الماء الذي هو العماد في الأردن. ولكن الكرازة والغطس هما فقط استعداد لمجيء يسوع. لم نعد فقط أمام صوت صارخ في البرية، بل أمام الكلمة الذي صار بشراً. ولم نعد أمام عماد الماء بل أمام عماد الروح.
هل كان الوضع واضحاً بالنسبة إلى تلاميذ يسوع وتلاميذ المعمدان؟ شدّد يوحنا الرسول على امّحاء المعمدان بشكل يجعلنا نفترض أن الأمور لم تكن بسيطة بين الفئتين. والإنجيل الرابع لا يصوّر لنا يسوع وهو يعمّد. إنه وعدَ تلاميذه بالروح وسيكون عمادهم عماد العنصرة. إذن، يجب أن نشدّد على حضور الروح في عماد يسوع: "ذاك الذي ترى الروح ينزل ويحل عليه، هو الذي يعمّد في الروح القدس". هذا ما يشير إليه كل من متى ومرقس ولوقا، غير أنهم يزيدون الصوت الذي سُمع على شاطىء الأردن: "هذا هو ابني الحبيب".
يسوع وُلد من الروح ونحن نعترف به أنه ابن الله. فالتبدّل في المعمودية يدلّ على التبدّل في الميثاق، على الانتقال من الميثاق القديم إلى الميثاق الجديد.
قد نتوقّف اليوم أمام يوحنا المعمدان الذي يدلّنا على يسوع فيقول: "هذا هو حمل الله". ولكننا ننشد مراراً: "يا حمل الله". وقبل المناولة كان الكاهن يقول: "هذا هو حمل الله".
إن صورة حمل الله في نظر يوحنا لها قوة كبيرة في الاعلان المسيحاني: "انتهى زمن الحملان". كانوا يُستعملون من أجل الاتحاد الطقسي مع ألله، وطلب الغفران. ولكن المؤمنين ظلّوا على مستوى الرموز والآمال. أمّا يسوع فهو حمل واقعيّة الخلاص. بهذا الحمل يقدّم الله لنا مصالحة حقيقية وكاملة، إتحاداً بيننا وبينه لا يحتاج إلى واسطة أخرى إلاّ هذا الحمل الذي يُسمّى الفادي والوسيط بين الله والبشر.
هنا نتذكر أولاً حمل أشعيا الذي مات ليكفّر عن خطايا كل الشعب فكان "الحمل الذي يُقاد إلى الذبح" (أش 53: 7).
ونتذكّر ثانياً الحمل الفصحي. كان في البدء علامة عن الخروج الكبير من مصر، فرمز فيما بعد إلى خلاص اسرائيل. ننتقل هنا من الصور إلى الواقع الفدائي بموت يسوع في يوم الفصح، ساعة كانوا يذبحون الحملان في الهيكل. نقول في صلواتنا: "المسيح هو الحمل الحقيقي الذي يرفع خطيئة العالم".
ونتذكّر أخيراً الحمل المنتصر في سفر الرؤيا. لقد صار هذا الحمل الأسد المنتصر الذي يقود مؤمنيه إلى حرب الأزمنة الأخيرة (التي نعيشها اليوم) ضدّ كل قوى الشّر، ويتغلّب عليها. بعد هذا يستعيد وداعته ولطفه خلال أعراسه مع أورشليم السماوية.
وفي النهاية، إنتصر الله على الشّر بواسطة الحمل. ففي وداعة يسوع قوّة خلاصية لا نجدها في "قوى تحرير" حلم بها اليهود في عصره.
أنت يا رب الحمل الذي يرفع خطيئة العالم. ولم تعمّد وحدك في ذلك اليوم. فأنت ما كنت محتاجاً إلى مثل هذا العماد. بل "غطستنا" نحن في مياه الاردن. جميع البشر كانوا هنا. بوجوههم وتاريخهم وابتساماتهم ودموعهم. وكانت البشرية كلهة هنا وانت قد حملتها. جئت إلى نهر الأردن فأخذت بيدنا وحملتنا إلى عماد آخر، ذاك الذي يقود إلى الحياة الأبدية

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM