يسوع في الناصرة

يسوع في الناصرة
4: 14- 21

روح الرب عليّ. مسحني لأبشّر المساكين.
جاء يسوع الى الناصرة. وذهب الى المجمع كما اعتاد أن يفعل كل يوم سبت. هذه الملاحظة تدلّ على أن يسوع كان أميناً للممارسة اليهودية في عصره. واختاره رئيس المجمع ليقوم بالقراءة الليتورجية العلنية. وحسب التقليد الذي يشهد عليه سفر نحميا، تلا يسوع مقطعاً من نبوءة أشعيا التي كانت تقرأ مراراً. كان مؤمن أول قد تلا مقطعاً من اسفار موسى الخمسة (التوراة بحصر المعنى). ولما جاء دور يسوع، أخذ الدرج (أو: اللفيفة. كان يلّف) وتلا مقطعاً يتوافق كل الموافقة مع موضوع السبت، كما يتوافق مع برنامجه المسيحاني.
يعود هذا المقطع إلى أش 61 حيث نجد شخصاً لا نعرف اسمه. أقام فيه روح الرب. ونال بصورة رمزية المسحة (من هنا المسيح أو الممسوح بالزيت). إنه المسيح. ولهذا فقد أرسل من أجل رسالة خاصة: يحمل الانحيل، البشرى، الخبر الطيب، إلى جميع الفقراء الذين يتزاحمون في المدينة وينوءون تحت ثقل الشقاء والظلم والجور.
أعلن لجميع هؤلاء، ولاسيما إلى أفقرهم، سنة الرضى، السنة التي تحمل الخير والبركة. في هذه السنة (أية سنة؟) يبدأ عهد جديد، فترة زمنية جديدة. منذ قيل هذا النص في القرن السادس ق م، أعيدت قراءته وأعيد تفسيره، فرسم كلمة النبي التي لا تزال حيّة. كما رسم تصوّرات الأجيال التي قرأته دون أن تستشفّ زمن الخلاص الذي أعلنه الكتاب. وجاء يسوع قارئا بدوره. فانتزع هذا النص من الماضي. نقله إلى "اليوم". ففي اليوم الذي نحن فيه صار هذا النص حقيقياً. ستتمّ الكتب اليوم في حضوره وفي شخصه.
وأغلق يسوع الكتاب. وأنهى يسوع مساره بحسب البرنامج الذي وضعه على ضوء نصّ أشعيا. ونحن نعيد قراءة النص الذي قرأه يسوع. كيف نقرأ اليوم كلمة الرجاء هذه؟ وما هو معناها للناس في عصرنا؟ أية بشرى نحتاج اليها نحن، يحتاج اليها معاصرونا؟ كيف تكون قراءتنا للانجيل؟ خبر نعرفه غيباً، أم كلام حيّ ينير طريقنا ويوجه حياتنا؟
إمتلأ يسوع من الروح القدس فأخذ يعلّم في مجامع الجليل وسار على عادة اليهود فقرأ النصوص الكتابية وفسرّها. وحدّد موقعه في قلب حياة شعبه الروحية الترب تستند إلى قراءة متواصلة ومُعادة للكتب المقدسة.
ولكن من أين جاءت هذه الكتب؟ عاد المنفيّون من سبي بابل، وأعادوا بناء الهيكل، فجاء صغيراً لا يُقابل بهيكل سليمان. وقام كاهن غيور وعالم اسمه عزرا، فجهّز فريقاً يبحث عن الوثائق المتعلّقة بتاريخ شعبه، عن كل ما يتعلّق بالوصايا والفرائض والنظم، عن تعاليم الانبياء. في هذا الوقت دونت معظم الكتب أو أعيد تدوينها في الشكل الذي نقرأه اليوم.
ومنذ ذلك الوقت تنظّمت اليهودية حول قطبين: العبادة في الهيكل وتقديم الذبائح، وقراءة متواصلة للتوراة في المجمع. كانوا يقرأون أولاً من أسفار الشريعة الخمسة ثم من الأنبياء وسائر الكتب قبل أن يأتي الشرح والتفسير.
وجاء يسوع ففسّر الكتب المقدسة. ولكنه قلب بسلطانه التعليم التقليدي. قيل لكم.... أما أنا فأقول لكم. هناك تواصل، وهناك انقطاع. فالهيكل هو يسوع نفسه. وسيكون الكاهن والذبيحة. والكتب المقدسة والشريعة تتلخّص في كلمته. وهو يكشف عن نفسه: إنه كلمة الله الحيّة، كلمة تحيي مع وصية واحدة هي وصيّة المحبة.
لقد أعلن المسيحيون أنهم تلاميذه. فهل يعرفون أن يقرأوا كلمة الله "ويهضموها" ليتغذّوا منها؟ أم يتعلّقون بشريعة يلجأون إليها؟ هل عبادتهم طقوس تزاد على طقوس، أم انفتاح على فعل شكر، على افخارستيا حقيقية تحرّكهم وتدفعهم الى السخاء من أجل اخوتهم ومن أجل الملكوت؟
يا ليت الرب يلهمنا أمانة لكلمته تدفعنا لكي نحيا مثله في الحرية، وفي قوة الروح. قال يسوع: "اليوم تمّت هذه الكلمة". يومُ يسوع صار يومنا. فافتح يا ربّ أذاننا وقلوبنا على كلمتك الحاضرة فينا وفي العالم.
علّمنا يا رب أن لا نحبّ ذواتنا. أن لا نكتفي بأن نحب الذين يحبوننا، أن نحب فقط أخصّاءنا. علّمنا يا رب أن لا نفكّر إلا بالآخرين. وأن نحب أولاً اولئك الذي لا يحبهم أحد. وأجعلنا يا رب نتألم لآلام الآخرين. وأنعم علينا يا رب أن نفهم أن في كل دقيقة من حياتنا السعيدة التي تسير في حمايتك، هناك ملايين البشر الذين هم أبناؤك الذين هم إخوتنا: إنهم يموتون جوعاً وما استحقوا أن يموتوا جوعاً. إنهم يموتون برداً وما استحقوا أن يموتوا برداً. إرحم يا رب جميع الفقراء والمساكين في العالم. إرحم المرضى والمعذّبين، واغفر لنا لأننا لم نهتمّ بهم بما فيه الكفاية. لا تسمح يا رب أن نكون سعداء وحدنا. علّمنا القلق مع البشر وخلّصنا من ذواتنا وأنانيتنا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM