عماد يسوع
3: 15- 22
ولما تعمّد الشعب كله، تعمّد يسوع أيضاً.
إن عماد يسوع هو من الأحداث النادرة التي أوردها الإنجيليون الأربعة. هذا يفهمنا أهميته في ذاكرة المسيحيين الذي تيّقنوا أن كل شيء بدأ هنا. لن نعرف يوماً ما حدث بالضبط، حين انضمّ يسوع إلى كل الجموع التي كانت تتزاحم حول يوحنا المعمدان لكي تعتمد، فجاء إلى شاطىء الأردن. حين دوّن الإنجيليون التقاليد، رووا الحدث بعد عودة إلى الوراء، وتعمّقوا فيه على ضوء الخبرة الفصحية: لقد فهموا حقاً كيف بدأ يسوع حياته العلنية، فظهر إيمانهم من خلال خبرهم.
لا يصوّر لوقا شيئاً عن عماد يسوع. بل يدل على أن معمودية يوحنا (معمودية للتوبة) قد كرّست انتماء يسوع إلى شعبه. حمل أعمق ما في قلب شعبه وأخذ يصلّي أمام أبيه. فأجاب الآب بإنزال الروح وبالصوت السماوي.
إنفتحت السماء لكي ينزل الروح القدس. كان اشعيا قد طلب: "ليتك تشقّ السماوات وتنزل" (أش 63: 19)! إنفتاح السماء هو وحي جديد عن الله يصل إلى البشر. بهذا الوحي أعطى الله روحه، "حل الروح عليه". هذا الحلول يعني يسوع أولاً. وبه كل الجماعة المسيحانية ستنعم بموهبة الروح القدس.
حلّ روح "في صورة جسم". يشدّد لوقا على الطابع "الملموس" لخبرة الروح. لسنا أمام رؤية "ذاتية" نتخيّلها، بل أمام واقع نعيشه. ففي الإبن الذي ينمو "في الحكمة والقامة والنعمة" قد أقام الروح بملء حضوره. ونحن نراه ونلمسه ونسمعه في يسوع الناصري كما في حياة البشر.
الحمامة تدلّ على الجماعة المؤمنة، المحبوبة من الله، المرسلة في مهمة. وحين جمع لوقا الحمامة مع الروح القدس، دلّ على خبرة الروح الواحدة كما نزل على يسوع واختبرته الجماعة. وعمل الروح الملموس سيكون في النهاية بأن يضم إلى الله الجماعة المقدسة في الأيام الأخيرة.
وأعلن الصوت السماوي: "أنت إبني، أنت حبيبي". نحن أمام مسحة نبوية على مثال عبد الله في اشعيا. ويسوع سيكون ذاك الذي سيحمل أوجاعنا وآلامنا. إن هذه المسحة النبوية التي تدلّ على بداية رسالة يسوع، تجعلنا نستشف كائنه كابن، ومصيره كذاهب إلى الألم الذي ينتظره. ولكن بعد ذلّ الألم سيعرف انتصار القيامة.
هذا الخبر يدلّ على أن الجماعة وعت عظمة المعمودية ومتطلّباتها. فهي تجنّد كل مؤمن أمام الآب، في الروح، وعلى خطى يسوع.
حين أتعمّد "أصعد" من مياه الخطيئة والموت بقوة الروح القدس وتحت نظر الآب. حين أتعمد أُقاد مع يسوع إلى برية العالم لأنتصر معه على المحن وأتمّم رسالتي.
بما أنك تعمّدت في فصح المسيح وقيامته، إنتبه إلى همسات الروح الذي يقيم في قلبك. فهو نورك، وهو سهرك الداخلي، وهو يجعل منك انساناً متيقّظاً في الليل.
إسمع الروح، وكن ساهراً يقظاً. حينئذِ تتقبّل ينابيع الحياة والسلام والفرح، وتميّز الوجه المظلم والمنير للأشياء. حينئذِ تسمع في أعماق قلبك نداء الله الذي يبحث عنك كل صباح. إسمع الروح وكن ساهراً يقظاً فتكتشف كذب الشيطان وقرى الشر، وتتشجّع لترفض الظلم والبغض، وتحارب عبثية الحياة بإيمان ذاك الذي انتصر على الخطيئة التي دخلت إلى العالم. اسمع الروح وكن ساهراً يقظاً فتتعرّف الى "علامات الأزمنة" في قلب شعب يبحث عن الرجاء. وتزرع في العالم بذار ملكوت الحب فتعجّل بمجيء الرب يسوع الأخير.
إن لأخبار عماد يسوع بُعداً ثالوثياً. فيسوع يقدّم لنا على انه الإبن الحبيب للآب في قدرة الروح. هذا ما أورده لنا القديس متى في ليتورجية العماد: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19).
حين كان المسيحيون يحتفلون بسر العماد، كانوا يدخلون المعمّد في جماعة حياة مع الآب والابن والروح القدس. يُعلن كل معمَّد ابن الله في يسوع بالروح. وكل مرة يتلفّظ المحتفل بكلمات المعمودية، تنفتح السماء فوق المؤمن، فينال وحي الله، فينال روح الله.
أيها الرب إلهنا. في عماد يسوع قلت إنه ابنك الحبيب وملأته من الروح القدس. فاملأنا بحنانك الأبوي واجعلنا نحيا بهذا الروح عينه في السعادة والوحدة.
أيها الرب إلهنا. ساعة تغطّسَ ابنك في الأردن، غطّسنا نحن معه في مياه المعمودية وصار كل منا ابنك الحبيب. فاحفظنا أبناء لحبّك في كل يوم من أيام حياتنا