المَرحَلَة الرابعَة: عَشْرُ مُعجَزات الفصل التاسع والعشرون: شفاء أبرص
 

 

الفصل التاسع والعشرون
شفاء أبرص   8: 1- 4

إن خبر شفاء الأبرص مشترك بين الأناجيل الإزائية الثلاثة. جعله مر ولو في أولى أيام رسالة يسوع العلنيّة. أما مت فجعله بعد العظة على الجبل (ف 5- 7)، في قسم جمع فيه بطريقة مصطنعة عشر معجزات (ف 8- 9). وهكذا بدا يسوع قوياً في العمل كما بدا قوياً في الكلام بحيث رأى الناس أنه يكلّمهم بسلطان لا مثل الكتبة.

1- النصّ الإزائي
مت 8: 1- 14
1- ولما انحدر
من الجبل
تبعته
جموع كثيرة
2- وإذا بأبرص
قد تقدّم

وسجد له
قائلاً:
يا ربّ،
إن شئت
فأنت قادر
أن تطهرني

3- فمدّ يده
ولمسه قائلاً:
لقد شئت
فاطهر
وفي الحال
طهر من برصه



4- فقال له
يسوع:
احذر أن تقول
لأحد
فامضِ
وأر نفسك
للكاهن
وقدّم
القربان
الذي أمر به
موسى
شهادة لهم مر 1: 40- 44




40- تقدم إليه
أبرص

ووقع على قدميه
وتوسل قائلاً:

إن شئت
فأنت قادر
أن تطهرني
41- فاشفق عليه
ومدّ يده
ولمسه وقال له:
لقد شئت
فاطهر
42- وفي الحال
ذهب عن البرص
وطهر
43- وانتهره
وأطلقه
44- وقال له:

احذر أن تقول
لأحد شيئاً
بل امضِ
وأر نفسك
للكاهن
وقدّم
عن تطهيرك
ما أمر به
موسى
شهادة لهم لو 5: 12- 14
12- وحدث انه
كان في
إحدى المدن

وإذا إنسان
مغشّي بالبرص
ولما أبصر يسوع
خرّ على وجهه
وتوسل قائلاً:
يا ربّ
إن شئت
فأنت قادر
أن تطهرني

13- ومدّ يده
ولمسه قائلاً:
لقد شئت
فاطهر
وفي الحال
ذهب عنه البرص



14- فأوصاه

أن لا يقول
لأحد

أر نفسك
للكاهن
وقدّم
عن تطهيرك
حسب ما أمر به
موسى
شهادة لهم

2- البرص في زمن المسيح
لا نتوقّف طويلاً عند مسيرة الشفاء: فعلة يسوع وقد رافقها أمر أصدره. هذا ما نجده أيضاً في معجزة شفاء غلام قائد المئة (8: 5- 13). بل نلاحظ طبيعة هذا المرض الذي زال بأمر يسوع. وهذا المرض هو البرص.
لم يكن البرص مرضاً كغيره. فبسبب طابع العدوى و"الخراب" الذي يسبّبه في الجماعة، كان يحيط به سلسلة من المحرمات. وقد حدّد سفر اللاويين وضع الأبرص بما يلي: "والأبرص الذي به البلوى يلبس ثيابه مشقوقة، ويكشف رأسه، ويغطي شاربيه وينادي: نجس، نجس. ما دامت به البلوى يكون نجساً، ويسكن منفرداً في خارج المحلة" (حيث تقيم جماعة شعب الله) (لا 13: 45- 46).
ولكي يتجنب الأبرص العدوى، يُطرد من الجماعة. يصبح "محروماً" من العيش مع الآخرين والاتصال بهم. ولكي يمارس هذا الفصل بشدّة، كفله تحريم ذو طابع ديني: فالأبرص يُعلن "نجساً". هو لا يستطيع أن يشارك الجماعة في شعائر العبادة، لا يستطيع أن "يقترب من الله" (الذي يقيم في الهيكل، لئلا ينجّسه). بل إن كل من يقترب منه ويلمسه يتنجّس بدوره ولا يحقّ له أن يشارك في العبادة.
إذن، يُطرد الأبرص من جماعة إسرائيل. والعلامات الخارجية من ثياب ممزّقة وشعر مرسل، تتيح للجميع أن يعرفوه ويبتعدوا عنه. وبما أن البرص هو مرض "ديني"، فالكاهن هو الذي يكشف في البداية فيتعرّف إلى المرض، وفي النهاية فيعلن الشفاء (لا 13- 14). فالكاهن وحده يستطيع أن يحكم على الطاهر والنجس بحسب الشريعة. في هذا المعنى، صار البرص شبيهاً بالخطيئة. وحين يُشفى الأبرص عليه أن يقدّم ذبيحة قبل أن يدخل إلى الجماعة من جديد.
في هذ المجال يقول لا 14: 10- 13: "وفي اليوم الثامن يأخذ خروفين صحيحين... ويوقف الكاهن المطهِّرُ الرجلَ المتطهّر مع قرابينه هذه أمام الرب عند باب خيمة الاجتماع. ويأخذ الكاهن أحد الخروفين ليقرّبه ذبيحة اثم، مع حق الزيت، فيحركهما تحريكاً أمام الرب. ويذبح الخروف في الموضع المقدّس حيث يذبح ذبيحة الخطيئة والمحرقة".
هذه الذبيحة هي شبيهة "بالذبيحة من أجل الخطيئة". فعلى الكاهن أن ينحر الحيوان ليتم التطهير الطقسي المتعلّق بالأبرص. فالبرص هو بالنسبة إلى الجسد ما هي الخطيئة بالنسبة إلى النفس. البرص هو العلامة المنظورة للخطيئة. هذا ما كان عليه هذا المرض في زمن المسيح. يجب أن نعلم هنا أن البرص صار قابلاً للشفاء اليوم. وأن مقولتي النجاسة والطهارة لا تكونان على مستوى الصحة والمرض، بل على مستوى الحياة الأخلاقيّة.

3- شفاء الأبرص
إن فرائض اللاويين التي كانت سارية في زمن المسيح، تتيح لنا أن نشرح كل تفاصيل المشهد الإنجيلي. نلاحظ أولاً أن النصّ لا يتحدّث عن "شفاء، بحصر المعنى، بل عن "تطهير". "يا رب، إن شئت فأنت قادر أن تطهرني... شئت فاطهر... وفي الحال طهر". لا ننسى أن البرص كان عاهة جسدية ودينيّة. فالأبرص يُعلن "نجِساً"، ولذلك يُطرد من الجماعة. وحين شفاه يسوع، أبعد النجاسة التي كانت تثقل عليه حياته. ردّه إلى حياة الجماعة.
ولكن حسب لا 13- 14، يعود إلى الكاهن أن يتحقّق من زوال البرص. وبالتالي الاعلان بأن ذك الذي كان "نجساً" صار طاهراً. بأنه شُفي من مرضه. "امضِ وأر نفسك للكاهن". ذاك كان أمر يسوع للأبرص (مت 8: 4). بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأبرص أن يقدّم ذبيحة لله ليختم دخوله من جديد إلى وسط الجماعة. يقدّم ذبيحة كما لو كان اقترف خطيئة عظيمة. قال له يسوع: "قدّم القربان الذي أمر به موسى". أي: "حملين وزهرة الطحين الملتويّة بالزيت وايفة من الزيت" (لا 14: 10).
إن وضع الأبرص، كما يحدّده سفر اللاويين، يفهمنا بعض التفاصيل الغريبة في خبر مرقس. فبحسب مر، بعد أن شفى يسوع الأبرص، ازدجره وطرده في الحال (مر 1: 43). وحسب شهادة بعض المخطوطات (وقد نكون أمام الشهادة الصالحة)، لا نقرأ "أشفق عليه"، بل إن يسوع قبل أن يشفي الأبرص "أظهر الغضب" (1: 41). لماذا هذه العاطفة لدى المسيح؟ حين جاء هذا الرجل إلى يسوع في وسط الجمع، تجاوز فرائض سفر اللاويين: لم يأخذ بعين الاعتبار الحرم الذي يصيبه، وخطر العدوى التي قد تنتقل إلى الآخرين. لهذا، طرده يسوع في الحال. فما دام الكاهن لم يقرّ بطهارة الأبرص، فعلى الأبرص أن يبقى بعيداً عن الجماعة.
نلاحظ هنا اهتمام يسوع بأن لا يتجاوز فرائض الشريعة. ما دامت مرتّبة من أجل خير الجماعة والأفراد. هذا ما يدلّ عليه موقفه تجاه الأبرص. وكل هذه الأشياء التي أمره بها ستكون "شهادة" للكهنة.

4- الأبرص المحروم
ويقدّم هذا المشهد الإنجيلي عن شفاء الأبرص فائدة أخرى: إنه يتيح لنا أن نفهم معنى الحرم المسيحي الذي يغرز جذوره في العادات الدينيّة عند اليهود. لقد قلنا إن الشريعة اليهوديّة تقابل بين البرص والخطيئة. فالبرص قذارة تجعل الإنسان نجساً كالخطيئة. والخطيئة هي في شكل من الأشكال خطيرة كالبرص فتمّثل نموذجاً رديئاً نقدّمه للآخرين. تصبح مثل عدوى تؤثّر على الآخرين. فالخطيئة معدية شأنها شأن البرص. وإذ أرادت الكنيسة أن تجنّب أبناءها العدوى، استبعدت منذ عصورها الأولى من الجماعة المسيحية بعض الأعضاء الفاسدين والمفسدين.
وتعطينا رسائل القديس بولس عن هذا الوضع مثلاً نموذجياً. نحن أمام مسيحي من جماعة كورنتوس. هو يعيش مع زوجة أبيه (أي: خالته). وبّخ الرسول المسيحيين لأنهم لم يتخذوا اجراء بحق هذا الرجل. ولم يخرجوه من الجماعة (هذا هو المعنى الأصلي للحرم: يُحرم من الحياة في الجماعة).
كتب بولس الرسول: "أنتم منتفخون كبرا: ولم تنوحوا بالحري حتى يُرفع من وسطكم من أقدم على هذا الصنيع!... لقد كتبت إليكم في رسالتي أن لا تخالطوا اهل الفسق... كتبت إليكم أن لا تكونوا على علاقة ما، مع من يدعى أخاً، وهو فاحش أو طمّاع، أو عابد وثن أو شتّام أو سكّير أو خاطف. حتى ولا تؤاكلوا مثل هذا الرجل" (1 كور 5: 2، 11).
استند بولس إلى نص تث 13: 6: "إنزعوا الخبيث من بينكم". لماذا هذا الحرم؟ لتجنّب عدوى الشّر في الجماعة. لا يتكلّم الرسول عن البرص، ولكنه يعود إلى واقع اختبره، وربما إلى قول مأثور: "أولا تعلمون أن الخمير اليسير يخمّر العجين كله" (1 كور 5: 6؛ غل 5: 9)؟ فالخمير هو مبدأ الأختمار وبالتالي مبدأ الفساد. فإذا أردنا أن لا تفسد الجماعة، يُطرح الخمير خارجاً. المثل يختلف. ولكن المبدأ هو هو. فالخاطىء شبيه بالخمير أو بالبرص. وقد يفسد الآخرين، لهذا يُجعل خارج الجماعة.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM