خراف رعيتي

خراف رعيتي
6: 30- 34

أشفق عليهم لأنهم كانوا كخراف لا راعي لها.
أرسل يسوع التلاميذ (6: 7)، وها هم يعودون إليه ويخبرونه بكل ما عملوا وعلّموا (6: 30). لم تكن الأمور سهلة، حتى وإن كان هيرودس يفرح بأن يستمع ليوحنا (6: 20). قال المعمدان كلام الحق، فكلَّفه هذا الكلام قطع رأسه. ولكن في ذلك الوقت سمع هيرودس بيسوع بعد أن صار اسمه مشهوراً (6: 14).
هذا يدلّ على أن الرسالة كانت ناجحة. وهذا ما يؤكّده خبر لوقا الذي يحدّثنا عن عودة التلاميذ. عادوا والحماس قد أخذ منهم كل مأخذ. فأجبر يسوع على تهدئتهم وقال لهم: المهم ما يحصل في القلوب. ويروي لوقا ما حدث. نحن أمام مراجعة حياة ومقاسمة أخوية يقاسم فيها الأصدقاء خبرتهم الرسولية، يقوّمون ما فعلوا، يشجّعون بعضهم بعضاً ويعبرّون عن ابتهاجهم. ويبدو يسوع كله انتباهاً "لضبّاطه" الأمناء الذي جالوا في المنطقة كلها وعادوا وهم يلهثون من التعب. إذن، لا بدّ لهم أن يستعيدوا أنفسهم. سيذهبون إلى مكان قفر، وهناك يرتاحون قليلاً.
ولكن هذا القفر هو في شكل من الأشكال تعميق الإيمان. في الراحة نترك "وطننا" وعالمنا العاديّ ونعود إلى داخلنا. ولكن لا أمل بالراحة للتلاميذ. فالناس هم هكذا. ولا ينتظرون أن يدعوهم أحد. لقد سبقوا الرسل الذين لا وقت لهم ليأكلوا. إنهم مأكولون. سار الرسل في القارب متوجّهين إلى مكان مقفر، ندار الناس حول البحيرة. ركضوا، أسرعوا. وصل الرسل. ولكن الناس وصلوا قبلهم. لا وقت للراحة. ما زال الناس جياعاً وعطاشاً بعد كل ما عمله الرسل. وها هو يسوع يتابع عملهم، فأخذ يعلّم طويلاً، ويعلّم أشياء كثيرة.
أشفق على هذا الجمع الذي ينقصه كل شيء. هؤلاء الناس هم مثل خراف لا راعي لها. هذا ما دفع يسوع إلى تنظيم الرسالة في المنطقة (مت 9: 36). لقد شاهد الرسل في كل مكان شفاء الناس المساكين والمتروكين. من يهتمّ حقاً بأمرهم؟ لا بدّ من أن نقدّم لهم رعاة كفؤاً ومراعي سلام. يجب أن نشبع جوعهم إلى الخبز بكلمات الرجاء. وتكثير الأرغفة الذي سيتم بعد هذا، سيجعلهم يجلسون باحتفال على العشب الأخضر كخراف وجدوا المرعى الذي حلموا به. وأسّس يسوع تلاميذه كرعاة مسؤولين، لكي يوزّعوا طعام الحياة ويبنوا الكنيسة.
وأخذ يسوع يعلّمهم مطوّلاً، يعلّمهم أشياء كثيرة. قال الآب في يوم العماد: "له اسمعوا". وقال يسوع عن نفسه: "أنا لا أتكلّم من نفسي، بل حسب ما أمرني الآب الذي أرسلني. ما أقوله سمعته من أبي" (يو 12: 49- 50).
لا نعرف شيئاً عن الله إلاّ ما علّمنا هو إياه، وخصوصاً ما كشفه لنا بواسطة ابنه يسوع المسيح. فيسوع قال لنا بكلامه وبيّن لنا بحياته وأعماله، وموته وقيامته، أن الله هو أب، هو روح وحياة، هو غفران وحنان وحب. فإذا أردنا أن نعرف الإله الحقيقي، نستمع إلى كلمته الحيّة دائماً في يسوع المسيح. إليها نحن مدعوّون مطوّلاً وبصورة دائمة.
إن كلمته تقدّم إلينا دائماً ونحن نتقبّلها في الأناجيل الأربعة. هذه الأناجيل هي كنزنا. ومع ذلك كم من المسيحيين لم يقرأوها كلها، بل اكتفوا بسماع بعضها في القداس. لم يقرأوا انجيلاً منذ البداية إلى النهاية كما نقرأ أي كتاب آخر.
هذه الكتيبات الأربعة نسميها أناجيل، كما سمّاها يسوع، أي بشرى حلوة، خبر طيب، خبر سعيد، قصة عن السعادة، مفاجأة حلوة. ولكن هذه البشرى لا تبدو حلوة، ولا سعيدة ولا مفاجئة لعدد كبير منا. نقرأ الإنجيل فلا تشتعل فينا النار... نحن مجمّدون قبل أن نسمعه.
فإذا أردنا أن ندخل في هذه الكلمة، أن نقيم فيها، أن نتغذّى منها حقاً، نأخذ وقتنا فنقرأها متوقّفين عند كل عبارة، تاركين النص يتغلغل فينا قبل أن نحاول فهم تفاصيله. يجب أن نقرأ الإنجيل كما نسمع موسيقى كلاسيكية. لا نبحث أولاً عن نتيجة عملية أو عن حلّ مباشر لصعوباتنا (نحن أمام صعوبة، أمام خيار، نفتح الإنجيل وكأنه ساحر يحلّ لنا مشاكلنا!). كلمة الله تقدَّم لنا كغذاء لإيماننا، كموسيقى توسّع قلبنا، كنداء متواصل إلى الحبّ.
نتذكر مريم، أخت مرتا. جلست عند قدمَيْ يسوع تسمع له. تذمّرت مرتا. فأجابها يسوع: "إختارت مريم النصيب الأفضل ولن ينزَع منها". نحن نشهه مرتا ولا نشبه مريم. هل نعرف أن نسكت بعض الوقت ليسوع الذي يريد أن يحدّثنا مطوّلاً؟
يا شعبًا بدون راعٍ، إلى أين أنت ذاهب؟ تبل أن يكسر يسوع الأرغفة ويوزّعها على الشعب، أحسّ بالشفقة... ونحن نشبه الرسل، نشبه الشعب. نجتمع في مكان مقفر، في موضع منفرد. نستعيد قوانا: كلمة تغذّي، خبز يشبع، راع يجعل منا كلنا اخوة وابناء الآب الواحد. هل نقبل أن تقودنا عصاه وعكازه إلى مياه الحياة؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM