بدايات الملكوت

تقديم

إنجيل متّى، شأنه شأن سائر الأناجيل، يورد حياة يسوع وتعليمه. ولكنه يوضح بطريقته الخاصّة الكروستولوجيا الأولى، النظرة الأولى إلى شخص يسوع المسيح. فعمانوئيل الذي أوحي به ليوسف، الله الذي هو معنا، سيبقى حاضراً لدى المؤمنين حتى نهاية الأزمنة. سيبقى ذلك المعلّم الذي كان مع الجموع وتلاميذه على الأرض، وسيبقى كذلك بواسطة تلاميذه، بواسطة كنيسته التي تواصل عمله.
ويسوع هذا قد رذله اليهود، كما قالت الكتب المقدّسة، فانطلقت البشارة إلى العالم الوثني، بحيث تبدأ مع الشعب اليهودي، ولا سيّما الخراف الضالة فيه، فتصل إلى الأمم جميعاً: وهكذا يكون تلاميذ جدد يقبلون المعمودية، ويتعلّمون ويعملون بكل ما أوصاهم به يسوع.
هذا هو إنجيل متّى الذي بدأنا تفسيره في ثلاثة أجزاء. الجزء الأول سيمتد حتى الفصل التاسع ويكون عنوانه: "بدايات الملكوت". وهو يتوزّع، بعد المقدّمات، على أربع مراحل: سرّ يسوع، من العهد القديم إلى العهد الجديد، عظة الجبل، عشر معجزات. أما الأسلوب فهو ذاك الذي عرفناه في أناجيل يوحنا ولوقا ومرقس. بعد نظرة شاملة إلى كل مرحلة من المراحل، نتوقّف عند المقطوعة فندرسها على المستوى التأويلي ولا ننسى الناحية الروحيّة والرعاويّة. فكلام الله ليس فقط موضوع دراسة نقدية وتفسيريّة علميّة، وإن وجب الانطلاق من هذا المستوى في كل عمل كتابيّ. كلام الله يجب أن يصل في النهاية إلى المؤمن لكي يغذي حياته، وإلى الجماعة لكي ينعش رسالتها. فإن لبثنا على مستوى اللغة وتحليل المبنى، صار الكتاب المقدس لنا حرفاً يقتل، لا روحاً يحيي.
فإلى رفقة مع القديس متّى ندعو قرّاءنا كما ندعو ذاتنا. فنتعرّف إلى يسوع المسيح الذي هو موسى الجديد، وابن الله، وابن الإنسان، والمسيح ابن داود، وخادم الله الذي يحمل عاهاتنا، والرب الحاضر في وسط الجماعة. كما نتعرّف إلى كنيسة محدّدة من شرقنا كتب إليها الإنجيلي الأول، فنرى في كلامه نداء إلى كنائسنا لتسمع كلام يسوع كما سمعه التلاميذ الأولون وكنائس المسيح في أورشليم وبلا وأنطاكية وغيرها. فالمسيح يقودنا إلى الكنيسة، والكنيسة إلى السماء. فلا يبقى لنا إلاّ أن نغوص في هذا الإنجيل الذي تمتّع باهتمام مميّز في الكنيسة على مدى أربعة أجيال. فيا ليته ينفتح أمامنا فيصبح كل منا ذاك الكاتب الحكيم الذي يكتشف الجديد في القديم، ويوضح القديم بنور الجديد. ويصبح كل منّا ذلك القارىء الذي يقرأ نصوص الانجيل في كنيسته وجماعته، كما يتأمّل في حياة كنيسته برفقة ذلك المعلّم الذي ما زال يعلّمنا بسلطان فيدعونا إلى الدهشة. بل إلى الإيمان.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM