على عود بعشرة أوتار صالح الاعتراف للربّ

92
صالح الاعتراف للربّ

أنشد هذا المزمور في الهيكل الثاني (بُني سنة 518 ق. م.) خلال سكب النبيذ الذي يرافق ذبيحة المساء، فقدّم لنا مثالاً عن التقوى اليهوديّة بعد زمن المنفى. لا شكّ في أننا نجد فيه عدداً من المواضيع والعبارات المعروفة في أدب المزامير القديم: الشجرة المغروسة. البار الذي يرفع رأسه. الأعداء الذين يبيدون. نشيد إلى رحمة الله في الصباح. ولكن تجمّع كلُّ هذا ليؤلّف لوحة جديدة تتوافق والإطار الجديد الذي فيه وصل إلينا هذا المزمور.
مزمور شكر، ومزمور حكميّ. يمتدح المرتل الله كما يودّ أن يقدّم تعليماً. وهو يردّد أمام نفسه وأمام إلهه فرحه بأن ينشد أعمال الله. وهو يتذوّق هذه السعادة العظيمة حين يتأمّل في السرابات التعيسة التي يتغذَّى منها العالم الذي يحيط به، وحين يقابل بهذه السرابات الملء الذي يجده حين ينعم بحضور الربّ.
لا يحدّد المرتل نوع النعمة التي حصل عليها. بل نعرف أن الربّ أعاد الفرح إلى قلبه، ففاض ابتهاجاً وهو يتأمَّل في عمل يتجاوزه بعظمته وعمقه. لا شك قي أن هذه النعمة الخاصة التي نالها المصلّي هي جزء من التفاتة الله الدائمة إلى شعبه.
والفرق شاسع بين هذا التأمّل النيرّ وأوهام الجهّال الذين تبهرهم لا أعمال الله، بل نجاحات الأشرار العابرة. فالأشرار يزولون كعشب الحقل. أما الربّ فباقٍ وهو يشرق على كل موجود من أعلى سمائه ومن لا محدود أزليّته.
ولا يمكث المرتّل عند مقابلة بسيطة بين يقينه وأوهام الأشرار والذين يعجبون بهم. بل يتوقّف عند فشل الأشرار وسعادته هو. وتشكّل الشجرة بجذورها وثمارها، رمزاً لكل نجاح بشريّ، وتتعارض مع القشة العقيمة التي تطير في الهواء. والازدهار الكبير الذي تنشده آ 14- 15 يدلّ على ملء الحياة الذي يناله ذاك الذي يقيم بقرب الله.
كل هذا يرافقه نشيد الشكر كما تقول آ 16. فيعبّر المرتل عن فرحه بأن يكون بين يدي "مستقيم" أي بين يدي من يسير إلى النهاية مواعيده، من هو ثابت كالصخر، من لا يخيب أمل المتّكلين عليه.

صالح الاعتراف للربّ، وما أسعدنا حين نرفع آيات الحمد لاسمك.
نحمد اسمك يوم خلقت الكون في ستة أيام واسترحت في اليوم السابع
من أجل هذا، لأعمال يديك نرنم
نحمد اسمك يوم خلّصت شعبك المؤمن بك، وقوّيته على فعلة الاثم
من أجل هذا نرتل لاسمك أيها العليّ
نحمد اسمك يوم أعطيت الراحة لشعبك وأسكنته أرضك المقدسة
فاستطاع أن يترك العبودية ويعيش في حرية أبنائك.

ونحن نحمدك يا رب، وننشد لك هذا المزمور بعد ان انتصرت على قوى الفوضى في العالم
فخلقت السماء والأرض، وفصلت بين النور والظلمة، وبين المياه واليابسة.
ننشد لك هذا المزمور السبتي، مزمور الراحة،
مزمور راحتك من أعمالك والراحة التي ستكون لنا فيك.

يوم الراحة لنا، يوم الأحد، نترك فيه كل عناء وتعب،
ونشيد لك ونرتّل ونحدّث بأعمالك العظيمة.
يوم الراحة لنا، يوم الاحد، نعترف بما صنعته لأجلنا من خير
وما منحتنا من بركة
يوم الراحة لنا، يوم الأحد، هو قمّة أعمالك يا رب وذروة عطاياك.
يوم الراحة لنا، نعيشه أحداً بعد أحد، إلى أن يأتي ذلك الأحد العظيم
في ذلك الأحد تنتصر على قوى الشر، فننتصر نحن معك
وتكون سعادتنا كاملة عندما نعيش بحضرتك ونقيم في ديارك.
حينئذ ننشد لك مع الصديقين الذين أرضوك بحياتهم نشيد الحمد.

ما أحسن الحمد لك يا رب والترتيل لاسمك أيها العلي
والتحدّث برحمتك في الصباح وبأمانتك في الليالي
على قيثارة بعشرة أوتار وكنارة شجيّة الالحان،
لأنك يا رب فرّحتني بفضلك، لأعمال يديك أرنم
ما أعظم أعمالك يا ربّ، وما أعمق أفكارك.

نحن عرفناك يا رب، ولهذا نعترف بك إلهاً ضابط الكل
نحن رأينا أعمالك وعجائبك، ولهذا نحمدك يا معطي العطايا
نحن سمعنا بما فعلتَ لآبائنا، ولهذا نذعن لك بإيمان، ونعلن لك خضوعنا وعبادتنا.

ننشد لك نشيدنا، وندعو الأرض كلّها لتهتف معنا وترفع آيات الحمد
ننشد لك ما دمنا في الحياة، ونرجو أن يلذ لك نشيدُنا
نرتّل لك ونرنم، فنعبرّ عن فرحنا بحضورك معنا وخلاصك لنا
نتلو كلامك ونردّده. نغنّي ونحاول أن نجيد الغناء
ونعزف لك على القيثارة والكنارة طرباً وابتهاجاً.

يبدأ نشيدنا في الصباح ولا ينتهي إلاّ بعد المساء
يبدأ بالهتاف وآلات الموسيقى ويمتد في صمت الليل تأملاً في أعمالك.
نهارنا كلّه لا يكفي لحمدك، بل حياتنا كلها لا تكفي لتخبر بأعمال يديك
حياتنا لا تكفي لتحدّث بما فعلته من رحمة لنا رغم خطايانا
وها نحن نعلن ما أبديته من أمانة لنا رغم جحودنا وخياناتنا.

الغبي لا يعرف هذا، والجاهل لا يفهم معناه
إذا أفرخ الأشرار كالعشب وأزهر كل من يفعل الاثم فإنما ليدمّروا إلى الأبد
أما أنت أيها الربّ فمتعال مدى الدهر.
وها أعداوك يا ربّ، ها أعداوك يبادون، ويتبدّد جميع فاعلي الاثم
زدتني قوة كثور وحشي ودهنتني بزيت طري
ونظرت عيناي الذين يترصدونني، وسمعت أذناي همس القائمين عليَّ.

أعمالك عظيمة يا الله، فمن يمكنه أن يحيط بها
أفكارك عميقة يا الله، فمن يمكنه أن يسبرها فيعرف مقدار عمقها
حكمتك واسعة وعلمك لا حدّ له، فمن يقدر أن يمتلك غناك
لا نقدر أن ندرك أحكامك أو نتبيّن طرقك،
فأحكامك تسمو العقول،
وطرقك تعلو عن طرقنا كما تعلو السماوات عن الارض.

نحن نحسب أن حكماء العالم يفهمون، وأن المفكّرين يتبيّنون الأمور
ولكنك يا ربّ قلبت حكمتهم جهلاً، لأنهم لم يعرفوك في حكمتك الظاهرة
وأعلنت يوماً أنك أخفيت هذه الأشياء على الحكماء وكشفتها للأولاد.

فالحكيم الحقّ هو حكيم فيك أنت يا من تدخله في أسرارك وتكشف له مشيئتك
والجاهل والغبي والأحمق لا يفهمون أسرارك ولا يتبيّنون معناها
يرون الاشرار يفرخون كالعشب، فيحسبونهم أنهم سيدومون
ينظرون إلى فَعَلة الاثم يزهرون ويزدهرون، فيظنون أن ازدهارهم إلى الأبد
ولكن العشب ينبت في الصباح ليبيد في المساء، وكذلك الاشرار، يأتي الموت فيموتون.
يموتون ويموت شرهم معهم.

ولكن فعلة الاثم يبادون ويهلكون،
يتبدّدون كالقشّ اليابس الذي ينثره الهواء إلى كل جهة.
رفضوا مشيئتك والعمل بوصاياك فكانوا الخاسرين
حسبوا نفوسهم أقوياء فإذا هم ضعفاء،
ظنوا أنهم يحيون إلى الأبد فإذا هم يدمّرون إلى الأبد
أما المؤمن بك الذي عرف فيك الإله العلي
فهو يجد فيك القوة على الشر والاشرار، قوة أين منها قوة الثور الوحشي،
فهو يجد فيك الحياة بوجه قوى الموت الهاجمة،
يجد فيك حياة لا يعطيها أطيب زيت في الدنيا
حينذاك تنظر عينانا إلى أعداء لا يقدرون على مقاومتنا
وتنقلب أصواتهم همساً في آذاننا، فلا نعود نخاف منهم.

بك ننتصر يا ربّ، رغم ضعفنا، ولا ننتصر بالسيف والقوّة
بك نتغلّب يا ربّ، لأننا مؤمنون بك، متّكلون عليك
بك نملك يا ربّ، لا ملكاً عالمياً بواسطة الجيوش والحروب، بل بالحق والمحبّة
نعرف أن لا أعداء لنا، أنت يا من لا أعداء لك
أنت يا من تطلع شمسك على الاشرار والاخيار
وتنزل مطرك على الابرار والفجّار
عندما نفهم أنك الإله الرحوم الذي يكره الخطيئة ويحنّ إلى الخاطئين
نتعلم التواضع لأننا أخطأنا إليك،
ونجعل أنفسنا مع الخاطئين لأننا نحتاج إلى رحمتك وغفرانك.

الصدّيق كالنخل يفرخ وكأرز لبنان ينمو.
المغروسون في بيت الربّ يفرخون في ديار إلهنا.
يثمرون حتى في المشيب وتكون ثمارهم سمينة غضّة
فيحدّثون بأن الرب مستقيم، وأن الخالق لا جور فيه.

نحن خطأة يا ربّ، ونتطلّع إلى الصديقين ونحن عارفون أن شفاعتهم مقبولة
هم عاشوا في صدق معك فابتعدوا عن الكذب وسلطان الكذب أي الشيطان فلهذا ننظر إليهم ونتأمل في حياتهم
هم عاشوا وصداقة معك فما خانوك، ولا ابتعدوا عنك، فطوباهم.
هم أخذوا طريق الصلاح وجدّوا فيها، فوجدوك يا كنزاً ثميناً تزول أمامه كل الكنوز
هم سمعوا كلمتك وعملوا بوصايك فجازيتهم أفضل الجزاء.

ننظر إلى الصديقين فنرى ما فعلته فيهم
أفرخوا كالنخل في الصحراء، فبدّلوا البرية فردوساً والصحراء جنّة غنّاء
نموا كالأرز على الجبال في لبنان. فكانوا كالنور على منارة يضيء للذين حولهم
غُرسوا في بيتك وأفرخوا في ديارك، فمن يقتلعهم؟
تقوّوا بقوتك وانتعشوا بحياتك، فهل يُعقل أن يضعفوا وتموت الحياة فيهم؟
أثمروا شباباً، أثمروا شيوخاً، ودامت ثمارهم
وكل هذا بفضلك يا من تجازينا عن أعمالنا الصالحة فتكلّل ما فعلَتْه يدُك فينا.

ننظر إلى الصديقين وننظر إلى الأشرار، فنفهم أنك الاله العادل الذي لا جور فيه
ونعرف أنك الرب المستقيم الذي لا تحابي الوجوه، بل تدين كل واحد حسب أعماله
أنت لا تدين بحسب الجسد، ولا تحكم حكم البشر
أنت يا من تعلم خفايا قلب الانسان، فتبدو واضحة في ضياء وجهك
هل أمامك خفيّ لا تعرفه، أو مستور لم يُكشف لك
أم أنت رجل قاسٍ تحصد ما لم تزرع، وتجمع ما لم توزع.

بل أنت الاله العادل الذي تحاسبنا عن كل كلمة بطّالة نقولها.
بل أنت الإله الرحوم الذي يطيل باله على الخطأة علّهم يعودون إليه،
بل أنت الإله المخلّص، وخلاصك لا يبدو كاملاً أمام عيوننا الثقيلة،
ولكن عندما تنكشف لنا الامور، فنراك كما أنت، ونفهم أعمالك،
بل ننظر بعيوننا إلى ما هيّأته لنا من خلاص

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM