على عود بعشرة أوتار اللهم اجعل أحكامك للملك

72
اللهم اجعل أحكامك للملك

يفترض هذا المزمور في الأصل احتفالاً يكون الملك فيه حاضراً. ويأتي شاعر فيعبّر عن تمنيّات الشعب له. وفي القسم الثاني يصلّي الشعب من أجل ملكه ويباركه، يطلب بركة الربّ عليه. بعد سقوط الملكية وأيام المنفى، صار هذا المزمور نشيد الرجاء فغذّى الأحلام المسيحانيّة. وهكذا اغتنت النواة الأولى بإشارات جديدة استلهمت النظرة النبويّة حول العودة من المنفى. يُعاد بناء الشعب، وتأتي الأمم حاملة هداياها إلى أورشليم. وهكذا يكون "المسيح" الملك سليمان الجديد، الذي يحمل العدالة والسلام.
كان الأقدمون يعتبرون تتويج الملك تثبيتاً لمملكة الإله. فملك يهوه يرتبط بملك مسيحه، ويبدأ عهداً من العدالة والسلام. والسلام ليس فقط انتفاء للحرب. فالسلام يأتي بعد العدالة ويثبّتها ويكرّسها. بعدالته ينصف الرب "فقراءه" كما يؤمّن لهم المطر المحيي. وهكذا تتغلغل المياه عبر الجبال والتلال في الأرض كلها قبل أن تصل إلى سكانها.
غير أن العدالة تفترض القوّة لتنجّي الصغار من براثن العظماء، بعد أن صاروا فريسة بين أيديهم. أما حدود هذا "المسيح" فهي كل الأرض المعروفة. من البحر المتوسط إلى الخليج الفارسي، ومن نهر الفرات إلى نهر النيل. هكذا كان أسياد بلاد الرافدين يعتبرون أنهم أسياد على الكون. حينئذٍ تخضع الشعوب "للملك".
وتبدأ الصلاة من أجل الملك وطلب البركة له. وهكذا يستفيد الشعب من حسنات العدالة. وتؤسّس هذه التمنيّات مباركة الفقراء للملك العادل الذي يدافع عن حياتهم ويعتبرها ثمينة في عينيه. أما صيغة المباركة (آ 16) فهي تطلب الازدهار للبلاد وهو موضوع تتوسّع فيه الاحلام المسيحانيّة اللاحقة في النصوص البيبليّة واللابيبليّة.
وتأتي خاتمة المزمور، بل خاتمة الكتاب الثالث كله: تبارك الرب. تبارك اسمه المجيد. وهكذا صار الملك علامة بركة الله. وبدا النموذج الأولى للإنسان الذي يباركه الله. لهذا يُذكر اسمه كما يُذكر اسم ابراهيم الذي ستصل بركته في كمالها إلى يسوع المسيح.

ينشد شعب الله لملكه يوم يعتلي العرش
وننشد لك يا يسوع يوم ميلادك في مذود بيت لحم
يأتي البائس والذليل والمظلوم، يطلبون الانصاف والأحكام العادلة.

وجاء الرعاة إلى مذودك يطلبون أكثر من العدل، يطلبون الخلاص
ولهذا لمّا قال لهم الملاك: وُلد لكم مخلص، أسرعوا
فرأوا فيك أيها الطفل المقمّط، ذلك الذي يخلّص العالم.

وجاء إلى الملك الشعوبُ من القريب ومن البعيد يحملون إليه الهدايا
ويقدّمون له العطايا من ذهب "شبأ"
وجاء إليك المجوس، هؤلاء الدارسون أحوال النجوم، جاؤوا إليك
وسجدوا لك وقدموا لك هداياهم: ذهباً ولباناً ومراً.

وها نحن نأتي إليك
نقدّم لك مع نشيدنا فرحة قلبنا،
نقدّم لك لا ذهباً ومراً ولباناً بل إيماناً ورجاء
نقدّم حباً حاراً ينمّي فينا أزهار الفضائل ويثمر أثمار الاعمال الصالحة التي تحسن لمشيئتك.
وبهذه الروح ننشد مع المنشدين.

أللهم اجعل أحكامك للملك...
علّم الملك أحكامك يا الله وابن الملك عدلك
يحكم لشعبك بالعدل ومساكينك بالانصاف
فتثمر الجبال سلاماً والروابي عدلاً لشعبك
يقضي لمساكين الشعب ويخلّص البائسين ويدكّ ظالميهم
فيحيا ما دامت الشمس وما دام القمر إلى منتهى الأجيال
ينزل كالمطر على الأعشاب، وكالغيث الذي يسقي الارض
يفرح غي أيامه الصديقون ويعمّ السلام حتى زوال القمر.

تلك كانت صلاة الشعب من أجل ملكه سليمان الحكيم
هو لم يطلب لنفسه العمر الطويل، والغنى الكثير والقدرة على الانتقام من أعدائه
بل طلب قلباً فهيماً،
ليكون حكمه عادلاً في شعبه ويميّز بين الخير والشر.

هذا هو انتظار الناس لكل ملك جديد، لكل حاكم جديد
ينتظرون منه كل خير ويجعلون فيه كل أمل
غير أن سليمان سوف يترك ربه فيعبد آلهة سواه
ويترك شعبه بل يحمّله الاحمال الثقيلة،
يسخّره ويثقل ظهره بالضرائب.
فتطلّع المؤمنون إلى ملك آخر، يحكم للشعب بالعدل، وللمساكين بالانصاف وانتظروا المخلّص الذي يأتي من العلاء
فكنت، أنت يا يسوع ذلك الذي أرسلك الآب إلى شعبه وإلى أرضه
أنت يا سليل الملوك، ووليد داود الجليل الذي اكتفيت من ثروته بمغارة ومذود حقير.

حضورك على الارض غيّر وجه الارض،
فكان السلام على الجبال، على الحدود،
والعدل على الروابي المزروعة، والخلاص لشعبك من يد الظالمين.
حضورك يدوم دوام الكون، ما دامت الشمس، ما دام القمر، إلى منتهى الاجيال
بل هو يتعدّى الزمان والمكان، فيصل إلى أقاصي الأرض ويتجاوزها
فيصل بنا إلى الابدية يوم تزول الشمس ولا يعطي القمر ضوءه من بعد.

أنت يا يسوع الانسان، أنت أبعد من الانسان، لأنك ابن الله
أنت يا يسوع العائش على أرض، لا تسعك الارض، بل لا تسعك السماوات
فأنت أعظم من الارض والسماوات.
أنت يا يسوع في الزمن، ولكنك في الابدية،
أنت المتّحد بأبيك وروحك القدوس إتحاداً دائماً أزلياً، لك نسجد وإياك نعبد
ومنك ننتظر الخلاص والسلام كما ينتظر العشب المطر والارض الغيث
منك ننتظر أن يفرح الصديقون والأرض كالشجر على الجبال والروابي.

ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض
أمامه يسجد أهل الصحراء، وأعداوه يلحسون التراب
ملوك ترشيش وجزائر البحار يحملون إليه الهدايا.
ملوك سبأ وشبأ يقدّمون له العطايا
ويسجد له جميع الملوك، وتتعبّد له جميع الأمم
لأنه ينقذ البائس المستغيث والمسكين الذي لا نصير له
يشفق على الذليل والبائس ويخلّص نفوس الفقراء
من الظلم والعنف يفتدي نفوسهم ويكون دمهم عزيزاً في عينيه.

ويواصل الشعب صلاته من أجل ملكه ويتمنّى له أن يتّسع ملكه ويزداد غناه
فيخافه الملوك المجاورون، ويمتنعون عن الحرب والقتل والدمار
وتتعبّد له الأمم بسبب غناه
بل تتعبّد له العدالة التي تملأ البلاد عوض الظلم والقهر والموت.

ويتذكّر الشعب كل ما فعله الربّ من أجله
منذ ابراهيم الذي وعده الله ببركة له ولجميع عشائر الارض
منذ موسى الذي خلّص شعبه من العبودية والظلم فجعله يتذوّق خلاصاً موقتاً من عبوديّة الجسد
ويتطلع إلى تحريره من كل العبوديات وأولها الخطيئة والموت.
منذ جدعون الذي خلّص شعبه في وقت حرج
فكان فعلُ ذاك الخلاص كالمطر على العشب والغيث على الارض
منذ داود الذي وسّع حدود مملكته،
لا ليملك بمعزل عن الله،
بل ليكون وكيل الله على الارض فيحكم لشعبه باسم الله.

ونواصل صلاتنا نحن إليك يا يسوع الملك
نطلب الخلاص من كل حزن وشدّة وضيق، فنسمع صوتك ينادينا
تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال وأنا أريحكم
نطلب الخلاص من قوى الشرّ والخطيئة
فهي تكاد تغرق الكنيسة كمياه البحر الجامحة وتبيد المؤمنين،
ولكننا نسمع صوتك:
لا تخف أجها القطيع الصغير فقد سرّ أبوكم أن يعطيكم الملكوت
ونطلب منك يا طفل المغارة أن تكون ملكنا،
نطلب منك خبزاً يشبع جوعنا ودواء يشفي مرضنا
نطلب منك عزاء يريح روحنا،
ولكنك تقول لنا: اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، والباقي كلّه تزادونه.
وتقول لنا: مملكتي ليست من هذا العالم.
أجل، يا يسوع، لو كانت مملكتك من هذا العالم لتصرّفت كملوك العالم
ولكنك أخذت الضعف بدل القوّة، والفقر بدل الغنى، والتواضع بدل العظمة
ما اخترت لميلادك مدينة أورشليم العظيمة لتكون ملكاً ابن ملك
بل اخترت بيت لحم القرية الصغيرة المتواضعة.

ولم تكن أمك امرأة عظيمة معروفة لها مقامها قرب الملوك
بل فتاة متواضعة، من الناصرة، من قرية لا يكاد يعرفها أحد
ولم يكن موضع ولادتك قصر الملوك، بل مغارة،
ولم يكن فراشك السرير الوثير بل مذوداً فيه بعض القش
ولم يأت إليك عظماء الارض واغنياؤها،
لم يأت إليك أوغسطس وهيرودس ورؤساء الكهنة وأمراء أورشليم
بل جاء إليك المساكين،
جاء إليك الرعاة الذين لا يملكون الكثير من خيرات الارض.
وجاء إليك المجوس الذين تخلّوا عن خيرات الارض وراحوا يبحثون عنك
بحثوا عنك يا درّة ثمينة، إلى أن وجدوك فسجدوا لك
جاء إليك من قلت فيهم: طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات.

ليحيا ويُعطى من ذهب "شبأ" ويُدعى له في كل حين
ويبُارك نهاراً وليلاً
تكثر السنابل في الارض، وتتمايل على رؤوس الجبال
وتثمر كما في لبنان تزدهر المدن بسكانها مثل عشب الارض
ليكن اسم الملك إلى الابد، ليدم صيته ما دامت الشمس
تتبارك فيه جميع الشعوب وتهنئّه كل الأمم
تبارك الربّ إله اسرائيل الصانع العجائب وحده
تبارك اسمه المجيد إلى الابد، ولتمتلىء الارض كلّها من مجده
آمين ثم آمين.

آمين، نعم يا ربّ، نحن متأكّدون أنك وحدك صانع العجائب
آمين، نعم يا رب، نحن واثقون أن مجدك سيملأ الارض
آمين، نعم يا رب، نحن متأكدون أنك تعطينا خبزنا كفاف يومنا،
انك تجعل أرضنا تزداد خيراً وتفيض،
وتجعل مدننا وقرانا تزدهر كعشب الأرض الذي سقاه المطر.
آمين أنت يا يسوع، وفيك تحقّقت كل مواعيد الآب
آمين أنت يا إلهنا، الذي تجسّدت لتكون ملكاً فينا
كنت ملكاً بالوداعة والتواضع والعذوبة، لا بصرامة الحكم وثقل الشريعة.
تبارك اسمك المجيد من الآن وإلى الابد
تقدّس اسمك في أرضنا وفي كل أرض،
تقدس اسمك في الارض والسماء.
في يوم ميلادك أنشد لك الملائكة في السماء
وعلى الارض سجد لك الملوك والرعاة،
في يوم ميلادك سجدت لك الخليقة كلّها لأنها عرفت أنك باريها،
تبارك اسمك أيها الملك الذي جئت تبني على الارض ملكوت الآب.

ليأت ملكوتك في قلوبنا، في حياتنا، في الكنيسة، في العالم
كن سيّداً، أنت يا من جئت لتَخدم لا لتُخدم
كن ربنا الأوحد الذي نسمع له، يا من صرت إنساناً مثلنا:
أحسست بالجوع والعطش والألم وعرفت معنى الخوف من الموت.
كن معلمنا بعد أن كثرت التعاليم،
كن قائدنا وراعينا الذي يقودنا إلى حظيرة الأبناء.

أنت غنانا الوحيد يا من أخذ فقر بشريتنا،
أنت يا من صرت إنساناً لترفع الانسان إلى الله
كن الملك فينا والحاكم والقائد الذي يسير أمامنا
كن ذلك الذي يوصلنا إلى مبتغانا ومحط آمالنا
كن فرحنا وبهجتنا وسعادتنا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM