على عود بعشرة أوتار الرب إله الآلهة تكلّم

50
الرب إله الآلهة تكلّم

اعتبر عدد من الشرّاح في الماضي أن هذا المزمور هو تنديد بإسرائيل وشجب للذبائح. في الواقع، هو احتفال بتجديد العهد مع تقديم للمتكلّم باسم الله أمام شعبه المجتمع، وتذكير بمتطلّبات العهد. ولا نعجب من اللهجة القاسية في هذا المزمور. نحن نجدها في كل مرّة يتجدّد العهد في إسرائيل.
دوّن هذا المزمور آخر أيام الملكيّة. فصهيون تشّع بكل بهائها، ولا حديث عن إعادة بنائها كما سيكون بعد دمار المدينة سنة 587 ق. م. إن هذا التشديد على جمال المدينة التي منها يتكلّم الربّ وينقل شريعته وخلاصه، يجد مكانه العاديّ في أيام إصلاح يوشيّا. في ذلك الوقت بدت أورشليم وقد ورثت مجد سيناء.
يصوّر القسم الأول (آ 1- 6) من المزمور التيوفانيا أي ظهور الله. الله يتكلّم فترتعش الأرض، ولكن صهيون تبتهج. وابتهاج صهيون يُعلن الخلاص. ودخول الربّ يتجاوب مع تمنّيات الشعب نفسه، ويضع حدا لصمت مؤلم نتج من "غياب" الله. قدّم الله نفسه، وأظهر قدرته في عاصفة من نار لا يقف شيء أمامها. لا يتحدّث النصّ عن عدوّ من الأعداء، بل يستعيد سيناريو سيناء حيث يفرض الله مشيئته فلا يقبل احتجاجاً، ويحطّم كل مقاومة. ويأمر الربّ فيتجمّع المؤمنون من أجل الاحتفال الليتورجيّ (وربّما بعد المنفى).
وفي القسم الثاني (آ 7- 21) تبدأ خطبة إله العهد. هناك التنبيه: اسمع يا شعبي. ويوقّع اسمه: أنا الربّ إلهك. لا يريد الربّ أن يكون في صمته "شريك" شعبه في خطيئته. فهو سيتّهمه. هو لا يحتاج كل هذه الذبائح. بل يريد من شعبه أن يمشي معه، فلا يرافق السارقين والزناة (لا تسرق، لا تزنِ). فالخيار الأساسيّ المطلوب هنا يرتبط بالتضامن الذي يجب أن يسود بين المتعاقدين، وهذا هو المبدأ الأساسيّ في شريعة سيناء.
توجّهت هذه الخطبة في الاصل إلى الشعب المجتمع. ولكن بعد المنفى عاد المؤمنون إلى الرب، فصارت الخطبة تتوجّه إلى الأشرار (آ 16). وجاء التهديد النهائي يصيب أولئك الذين ينسون الله (آ 22- 23).
وسننتظر بولس الرسول الذي يذكّرنا بأن الشريعة تحكم على الجميع. فما دام الله لم يعطِ بعد روحاً جديداً للإنسان، لا يستطيع الانسان إلاّ أن يرفض متطلّبات الله.

نداؤك يا ربّ يتوجّه إلينا
ندعوك يا ربّ فترتفع صلاتنا إليك
وتدعونا فينزل كلامك إلينا موبّخاً معاتباً
أين العهد الذي قطعتموه معي؟
بهذا العهد وعدتكم أن أكون لكم إلهاً وتكونوا لي شعباً
أين وصاياي التي أوصيتكم بها، وهل تعملون بحسب شرائعي وفرائضي!

نحن أمامك أيها الديّان العادل، ونقدّم لك حياتنا

نريد أن نقف أمامك كالعشّار الخاطىء
فهو لا يجسر أن يقترب من مذبحك، ويرفع إليك صلاته
بل يكتفي بأن يقول من بعيد: إرحمني يا ربّ لأني خاطىء
ولا نقف أمامك كذلك الفريسي
فقد حاسب نفسه باراً قديساً، لأنه يصوم في السبت مرتين ويعشّر أمواله.

وبهذه الروح التي تعلّمناها في الانجيل، نتلو هذا المزمور
نتلوه مع كل أبناء الكنيسة الذين يصلّون
نضع عواطف قلوبنا في كلمات كُتبت قديماً. أما معانيها فهي هي:
علاقتنا بك المبنية على الصدق في ممارسة شعائرنا الدينية،
علاقتنا بك المبنيّة على محبّتنا للقريب محبّة لا كذب فيها.

الربّ إله الآلهة تكلّم ودعا الأرض
من مشرق الشمس إلى مغربها.
من صهيون المكلّلة بالجمال
يشرق الله بنوره.
إلهنا يجيء ولا يلزم الصمت،
قدامه نار تأكل
وسعيرها يشتدّ حوله،
ينادي السماء من فوق
والأرض حين يدين شعبه:
إجمعوا لي أتقيائي،
القاطعين على الذبيحة عهداً معي
فتخبر السماوات بعدله
لان الله نفسه هو الديّان.

نحن أمامك يا إله الآلهة وربّ والأرباب، أيها الإله القدير
نحن أمامك، أنت يا سيد السماء العظيمة والارض الواسعة
نحن أمامك تراب ورماد، بل أكثر، نحن خاطئون ولا نجسر أن ننظر إليك
مجيئك مهيب، وحضورك نار آكلة
نور برقك يملأ الشعوب فزعاً، ورعدك يرعب أهل الأرض.

هكذا حضرت على شعبك القديم وسط البروق والرعود والجبل المحترق
هكذا حضرت في سيناء وأعلنت لشعبك: أنا هو الربّ إلهك لا يكن لك آلهة سواي
وهكذا حضرت في جبل صهيون، في هيكلك المقدس وقلت الكلام عينه.

فكلامك هو هو، وشريعتك لا تتبدّل
أما الانسان فيتبدّل،
أما نحن فنريد أن نعبدك ونعبد سواك معك
نريد أن نكون لك دون أن نتخلّى عن ذواتنا
نريد أن نتهرّب إن استطعنا، من العيش بحسب وصاياك،
نريد أن ننظّم حياتنا كما نحن نشاء، لا كما أنت تشاء.
ولهذا أتينا إليك اليوم آسفين نادمين على أفكارنا ونوايانا وتصرّفاتنا.

أنت سيد السادة وربّ الأرباب، ونحن نرفض سيادتك علينا
بل نحاول بعض المرات أن نفرض إرادتنا عليك، يا ويلنا، نريد أن نجربك!
نحاول أن نمننك بما نفعله لك، وننسى أننا عبيد بطالون لم نفعل حتى ما طُلب منّا.

ولهذا نقف أمامك خجلين، لا نجسر أن نرفع رأسنا إلى العلاء
أنت يا ديّان السماء والأرض،
أنت يا ديّان الملائكة والبشر
أنت آت، ولن تسكت، ولن تلزم الصمت، بعد أن أطلت بالك وصبرتَ كثيراً
ونحن ماذا يمكننا أن نقول لك، وخطايانا ظاهرة أمامك، وأعماق قلوبنا غير خفيّة عليك.

فلا يبقى لنا إلاّ الاتكال على عدلك
ولكن إن عدلت سنعاقب على خطايانا
فلا يبقى لنا إذن إلاّ الاتكال على رحمتك وعطفك وحنانك
إرحمني يا الله كعظيم رحمتك، أنا الذي أفعل الخطيئة منذ حبلت بي أمي
إرحمنا، فنحن جبلتك وعمل يديك، إرحمنا من أجل اسمك.

اسمع يا شعبي فاكلّمك
يا إسرائيل فأشهد عليك
أنا الله الهك
لا أعاتبك على ذبائحك،
محرقاتك أمامي كل حين.
لا آخذ من بيتك عجلاً،
ولا من حظائرك تيساً،
فلي جميع وحوش الغاب
وألوف البهائم التي في الجبال،
وأعرف كل طيور السماء،
ولي كل حيوان البرّية.
إن جعت فلا أقول لك
فلي العالم وكل ما فيه،
أنا لا آكل لحم الثيران
ولا أشرب دم التيوس
فليكن الحمد ذبيحتك لله،
وأوف العلي نذورك.
وادعني في يوم الضيق،
فأخلّصك فتمجّدني.

إسمعوا، تقول لنا، نريد أن نسمع، ومن يتجاسر أن لا يسمع
إن أحببنا أن نسمع كلام العقاب والتوبيخ، ففي آخر الطريق الرحمة منك يا الله
إن أحببنا أن نسمع، ففي كلامك نداء إلى التوبة والرجوع إليك
أما إذا رفضنا أن نسمع، فعقابنا مريع من لدنك، أنت يا من تكره الخطيئة
فالويل لمن يقع في يد الله الحيّ!

إذا قسّينا رقابنا، وأغلقنا قلوبنا وضللنا عنك، إنطلقنا في طريق الموت مثل آدم،
انطلقنا مثل قايين الذي أراد أن يهرب من وجهك، ومن يمكنه أن يهرب من وجهك
إسمعوا فأشهد عليكم السماوات والأرض، فأبيّن لكم جهالاتكم وخيانتكم
أنت الشاهد وأنت القاضي، أنت المتّهم وأنت الحاكم، أنت يا علاّم القلوب
أنت المتكلم في ضميرنا، المتحدّث في أعماق قلوبنا، وأعمالنا ظاهرة لديك.

ولكن أخشى ما نخشاه يا ربّ، هي خطايانا الخفيّة،
خطايانا التي لا نريد أن نبوح بها، خطايانا التي تتسترّ وراء أعمالنا الصالحة
ولكن أخشى ما نخشاه نحن اتقياءك، أن نتّقيك بالكلام وباللسان
ولا نتّقيك بالعمل والحق، أن نقول ولا نفعل.

شعبك في العهد القديم كان يقدّم لك الذبائح العديدة حتى يرضيك،
وكان يحسب أنه إن قدّم الذبيحة قام بواجبه كاملاً.
حسبَ المؤمنون آنذاك أنك بحاجة إلى طعام وشراب،
حسبوا أنك بحاجة إليهم فأعطوك لتعطيهم،
وأحرقوا لك التيوس والعجول والثيران ليكفّ غضبك عنهم.

ولكن هذه الديانة هي ديانة الوثنيّين
أما العهد الذي قطعته معهم فمبنيّ على المحبة:
أنا أكون الهكم، وأنتم تكونون لي شعباً
رفضوا هذه الطريقة في التعامل
ولهذا قلت لهم: ما فائدتي من كثرة ذبائحكم
وانك لا تسرُّ بالذبائح، لأن الذبيحة لله روح منسحق وقلب متخشّع.

وتقول لنا نحن المسيحيّين اليوم:
لم تعد بحاجة إلى دم الثيران والعجول،
فابنك الحبيب وحده ذبيحة ترضيك
جاء إلى العالم فكانت ذبيحتُه: ها أنا آت لأصنع مشيئتك يا الله.
هذه الذبيحة التي هي حاضرة كل يوم على مذابحنا
نحن نحضرها، نشارك فيها، نعيشها
ولكننا تعوّدنا عليها، وخسرنا بعض معانيها
ونسينا أن حضور المسيح على المذبح أمر جديد بالنسبة إلينا
نسينا أنه يحمل معه ذبيحة الكنيسة، وذبيحة المسيحيين
يحمل ذبيحتنا نحن بما في حياتنا من صلاة وعمل وتعب وفرح وألم.

شكراً لك يا رب لما أعطيننا، يوم أعطيتنا ابنك الحبيب
وصفحاً يا رب، لأننا نتصرّف بعطاياك على هذا الشكل الذي لا ترضاه
بل ننسى أن عطاياك ليست لنا فقط، بل لنحملها إلى الآخرين
بل ننسى أن الصلاة التي نشارك فيها تفعل فعلها في حياتنا
يقول لنا الكاهن: امضوا بالسلام يا اخوتي وأحبائي،
فنمضي ولا نتذكر موتك وقيامتك ومجيئك الثاني
لا نتذكرك في حياتنا وفي حياة الكنيسة والعالم
أي عهد، هذا العهد الجديد بدمك لغفران خطايانا!

لكن الله يقول للشرير: ما لك تتحدّث عن حقي، ويتلفّظ لسانك بعهدي؟
وأنت أبغضت مشورتي ورميت كلامي وراء ظهرك
إذا رأيت سارقاً صاحبته، ومع الزناة جعلت نصيبك.
تطلق فمك للسوء، ولسانك يعتمد المكر.
تجلس فتتكلّم على أخيك وتفتري على ابن أمك.
فعلتَ هذا، فلزمتُ الصمت، فظننت أني مثلك
لكني الآن أوبّخك، وأضع خطاياك أمام عينيك.

نحن يا ربّ نشبه إلى حدّ بعيد ذلك المؤمن الذي اعتبر نفسه فوق الآخرين
إدعى أنه يعتمد على الشريعة، وأنه يعرف مشيئتك، ويميّز ما هو الأفضل
نحن نشبه ذلك المؤمن الذي حاسب نفسه قائداً للعميان
حسب نفسه نوراً للذين في الظلام ومؤدّب الجهال ومعلّم البسطاء.

ولكننا علّمنا الغير وما علّمنا نفوسنا، وعظنا الغير وما وعظنا أنفسنا
وحسبنا أننا إن قلنا يا ربّ يا ربّ، كان لنا ملكوت السماوات
ونسينا أن نفعل إرادتك يا أبانا الذي في السماوات.

اعتبرنا نفوسنا مؤمنين، ونسينا أولى واجبات المؤمن
إن أردت أن تدخل الحياة، فاحفظ الوصايا. هذا كلام إنجيلنا
من يحبّني يحفظ وصاياي، هذه علامة محبّتنا لك.

نحن يا ربّ تركنا مشورتك، ورمينا كلامك جانباً
ما اهتممنا لوصاياك وصاحبنا من يتعدّاها
ربما لم نسرق أموراً هامة، ولكننا نحمّل ضمائرنا أموراً صغيرة،
ربما لم نتصرّف كالزناة، ولكننا تركنا الشرّ يدخل عيوننا وأفكارنا وقلوبنا،
ونسينا أن من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه.
لم يكن لنا أن نشهد بالزور على أحد، ولكنّنا تكلّمنا على أخينا بالسوء،
إعتمدنا المكر والافتراء، ونسينا شرّ خطايا اللسان،
ونسينا أن من لا يزلّ بلسانه هو كامل في كل شيء
نسينا انه قدير على لجم جسده كله.

والذي يؤلمنا يا رب هو استهتارنا بك
فعلنا كل هذه الأفعال فحسبناك لا تسمع ولا ترى
أطلت صبرك علينا، فظننا أنك توافقنا على أعمالنا
لزمت الصمت فظننا أنك لا تتكلّم
حسبناك مثلنا تحابي الخاطىء وتخاف أن توبّخه
غير أن صوتك حاضر فينا، يلعلع في أعماق ضمائرنا،
وهو يوبّخنا دائماً: عودوا إليّ.

إفهموا أيها الناسون الله لئلا أمزّقكم ولا منقذ
ذبيحة الحمد تمجّدني ومن قوّم طريقه أريه خلاصي.

هذا هو نداؤك لنا: لا تنسوا الله
اذكروا كلامه ووصاياه، فيذكركم ولا ينساكم
وإلا كان العقاب قاسياً.

نعدك يا ربّ بأن نمجّدك، فنقدّم حياتنا ذبيحة نشركها بذبيحة ابنك على الصليب
نعدك يا رب بأن نقوّم طريقنا فلا نميل يميناً ولا شمالاً
فيكون كلامنا نعم نعم ولا لا، بل تكون حياتنا كلّها نعم لك.

نريد أن نفهم محبّتك لنا،
نريد أن نفهم أن العهد الذي قطعته معنا عهد أبدي
أنت إلهنا، ونحن لا نريد رباً سواك.
نقدّم لك أفكارنا وأقوالنا وأفعالنا
نقدّم لك قلوبنا نوايانا. فافعل بنا ما تشاء
وخذ منا عربون حبّنا لك، محبة لقريبنا تدل على أننا نرى صورة وجهك مطبوعة فيه
وتؤكد للعالم أن ما نفعله للآخرين نفعله لك يا ربنا وإلهنا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM