على عود بعشرة أوتار قلبي يفيض

45
قلبي يفيض

يفترض مزمور 45 حفلة رسميّة: نشيد في البداية، خطبة إلى العروس وتقديمها إلى العريس، دخول الموكب إلى القصر. وهو يصوّر حدثاً محدّداً: زواج الملك بأميرة آتية من أرضٍ أجنبيّة. لا تُذكر صهيون إلاّ في آ 16. ويُذكر هيكل أورشليم مرتين. ولكن لا يُذكر قصر ملوك يهوذا. بل إن القصر العاجيّ في آ 9 يقودنا إلى السامرة، وكذلك المركبات. هذا ما يوجّه أنظارنا إلى الملك أخاب الذي تزوّج أميرة من صور. وهناك التلاعب على الالفاظ: أنت تحبّ العدل (أنت أحب أو أهب= أخاب). ولكن قد تكون صورة سليمان في البداية، وصورة الملك المثالي في النهاية.
الملك هو رجل باركه الله. هو جميل كما يجب أن يكون الملك. وشفتاه تحملان الحياة والعدالة. يجب أن يكون قوياً على مركبته تحيط به الجلالة والمهابة. لهذا سيكون النجاح حليفه. وإذ ينتصر يقيم العدالة التي تثبّت عرش الملوك. عندئذ يكرّس الربّ عمل ملكه فيختاره ضيفاً مميّزاً، ويمسحه بمسحة الفرح، ويفيض العطور على ثيابه الملوكيّة. نلاحظ أن الملك جميل، لا الملكة. وهو يجتذب الملكة ولا تجتذبه. فيدخلها هو إلى أرض الربّ ولا تفصله هي عن هذه الأرض.
ثم يتوجّه الشاعر إلى الملكة. هي مزيّنة بالذهب الذي حمله سليمان من أوفير. فعلى الملكة أن تنسى أصلها. تنسى أهلها وبيت أبيها. عليها أن "تتنكر" لماضيها وترتدّ إلى الربّ. لكي يحبّها الملك دون أن تجتذبه ديانة تلفيقيّة ترتبط بالسياسة. وهكذا شدّد المرتّل على وجه الله الغيور الذي لا يرضى أن يشرك المؤمن معه أحداً.
تترك الملكة كل هذا، ولكنها لا تخسر. وإذ تنحني أمام "سيّدها" ينحني أمامها عظماء المملكة. وفي داخل القصر لا ينقصها شيء من الغنى الذي ترغب فيه عروس الملك. فالزواج يكون لها مسيرة إلى الامام دون عودة ممكنة إلى الوراء. وإلا شابهت الشعب العبرانيّ في البرية الذي حنّ إلى بصل مصر. قبلت الملكة بهذه الشروط، فاقتادوها إلى الملك مع حاشيتها. حينئذ عبّر الشعب عن فرحته بهتاف الحماس.

هذا هو نشيد الأعراس في الهيكل، وهو نشيد الأعراس في كنائسنا
العريس والعروس يتّحدان، فيكوّنان بيتاً جديداً،
يؤسّسان عيلة يتمجّد فيها اسمك يا الله
العريس ملك في داره، ملك في حقله، ملك على كل ما يملك
والعروس ملكة في بيتها تدير شؤونه كما تراه مناسباً
العريس والعروس ملك وملكة، والحاضرون ينشدون لهما الأناشيد.

نشيد الاعراس هذا قديم قدم البشرية
يوم خلقت الانسان يا الله خلقته ذكراً وأنثى، خلقته رجلاً وامرأة
فالرجل والمرأة كلاهما صورتك يا الله،
والعيلة المبنية على الحبّ والعطاء والتضحية، هي رمز إلى عيلتك في السماء.
نشيد الأعراس هذا عشته يا ربّ مع أول عيلة أسّستها
أخذت المرأة ضلعاً من أضلاع الرجل، وجعلتها قرب قلب الرجل
ومنذ ذلك الوقت بدأ الرجل يزك أباه وأمه ويتّحد بامرأته
فيصير الاثنان جسداً واحداً
هذه هي إرادتك يا الله في كل عيلة تؤسّس على الارض
ولهذا عندما شاهد الشاعر عرس الملك والملكة فاض قلبه بكلام جميل
فأنشد أبياته لأول عيلة على الأرض،
بل أنشد للذي جعل العيلة على الارض رمزاً إلى عائلته في السماء.

قلبي يفيض بكلام جميل وللملك أنشد أبياتي
لساني قلم كاتب بارع.

هو الشاعر يقدّم نفسه، ويقدّم أشعاره
إنه بحاجة إلى القلم واللسان ليعبّر عما في القلب
فأمامه أعظم ما في تاريخ الشعب، بل قي تاريخ الكون
ستؤسَّس عيلة جديدة، تعطي الحياة إلى الآخرين بقدرتك يا الله.
سبحانك يا الله!

أنت أبهى جمالاً من بني البشر
والنعمة انسكبت على شفتيك
فباركك الله إلى الابد.

كيف يؤسّس الانسان عيلته دون بركتك يا الله؟
وبركتك تحمل معها الخير والسلام والسعادة والمحبّة
والبركة للرجل تبدو في جماله، والجمال عطية منك يا ربّ، ورمز إلى جمالك
والبركة للرجل حكمة من عندك، تتجسّد في كلام حلو يقوله الملك فيسحر السامعين.

هذا العريس الجميل جمع في شخصه جمال داود الذي كان أسمر، حسن العينين، وسيم المنظر
كما جمع في شخصه حكمة سليمان التي أودعها الله في قلبه
هذا العريس مثل يوسف بن يعقوب الذي كان حسن الهيئة جميل المنظر
والذي كان فيه من روحك يا الله، فكان فهيماً حكيماً لا يجاريه أحد
إلى مثل هذا العريس تتشوّق بنات الملوك.

تقلّد سيفك على فخذك،
أيها الجبار في جلالك وبهائك
ببهائك أركب إلى النصر
من أجل الحق والعدل
فتربح بيمينك المعارك.
سهامك المسنونة تخترق قلوب أعداء الملك
والشعوب تحتك يسقطون.

ويكون العريس شجاعاً لا يهاب الموت
والشجاعة لا تكون دوماً بالسلاح والقتال
والشجاع لا يبحث دوماً عن السلب والنهب وانتهاك الأعراض
هناك قضية أهمّ من قضايانا الخاصة: الدفاع عن حقّ الضعيف والمظلوم.

العدالة في الأحكام، العون للغريب واليتيم والارملة
بهذا يفتخر الانسان، بهذا يفتخر الملوك
وبهذا يربح قلوب الجميع قبل أن يربح المعارك
بالمحبة والرحمة يدخل إلى القلوب، وبالعطف والتسامح يتغلّب على الاعداء
أعط يا ربّ شبابنا هذه الصفات التي تؤهّله ليبني عيلة جديدة.

عرشك الالهي يبقي إلى الأبد،
وصولجان استقامة صولجان ملكك.
تحبّ الصدق وتكره الشر
لذلك مسحك الله إلهك بزيت الإبتهاج دون رفاقك.
عبير المر واللبان في ثيابك،
وفي قصور العاج تطربك الأوتار.
بنات الملوك بين جواريك،
والملكة عن يمينك بذهب أوفير.

وتبدأ حفلة العرس، فيعبّر الجميع عن فرحتهم وابتهاجهم
الموسيقى تعزف فتغنّي الجواري
الزيت يسيل والعطور، والرياحين تملأ المكان
والحضور وقوة حول عرش العريض، حول عرش الملك
والعروس، الملكة، عن يمين الملك.

أفراح البشر أفراحك يا الله، فأنت أب وأي أب لا يفرح بأولاده!
أفراح البشر تهمّك يا الله، وقد حضر ابنك يسوع أعراسنا
شارك في عرس قانا الجليل فجعل الخمرة تفيض أنهاراً
أفاض الخير والبركة لكي لا يكون لفرح العروسين من نهاية
وأفراح السماء يصوّرها لنا سفر الرؤيا بشكل عرس دائم
بشكل عرس لن يعرف فيه الناس النوح ولا البكاء.

إسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي أذنك!
وانسي شعبك وبيت أبيك،
فيشتهي الملك جمالك.
هو سيّدك فاسجدي له.
بنت صور أغنى شعوب الارض،
تستعطف بالهدايا وجهك.

ويكلّم الكاهن العروس، باسمك يا الله.
إنسَيْ شعبك وبيت أبيك.
أتركي كل شيء في سبيل من أحببت
لا تنظري إلى الوراء، بل انظري إلى من هو سيّدك
إخضعي له خضوع الحبّ، وخضوع الحبّ يصل بنا إلى التضحية والعطاء
حينذاك تصبحين أسعد السعداء وأسعد من بنت ملك صور.

هذا الكلام جواب إلى ما قاله الكاهن للرجل في بداية الكون،
يترك الرجل أباه وأمة، ويتّحد بامرأته، فيكونان كلاهما جسداً واحداً.
يترك البيت الوالدي إلى بيت آخر يبنيه هو وامرأته
يترك أباه وأمه ليكون وامرأته أباً وأماً لعيلة جديدة.

أن تبقى البنت في بيتها، أن يبقى الابن في بيته نقص في النضوج
كمال الشاب والفتاة الانطلاق في طرق الحياة،
كمال الشاب والفتاة توزيع الحب إلى الولد، هذا الحبّ الآتي من الوالدين
بل الآتي من قلبك يا الله.
ومن لا يحبّ، والحبّ عطاء وتضحية، ليس منك، لأنك محبة يا الله.

الأميرة في خدرها، ما أبهى جمالها!
من نسيج الذهب ملابسها.
بثوب مطرّز تزُفّ إلى الملك،
وتتبعها العذارى وصيفاتها
وهنّ يقدمنّها إليه.
يزففنها بفرح وابتهاج
ويدخلنها قصر الملك
يحلّ ابناؤك محل آبائك
ويكونون أمراء على جميع الارض
سأذكر اسمك جيلاً بعد جيل
فتحمدك الشعوب إلى أبد الدهر.

وتُحمل العروس إلى عريسها
ويتمّ فعل الزواج المقدس
ويكون للعيلة الجديدة الاولاد العديدون
حينئذٍ يزول العار وتعمّ الفرحة بين الأقارب والجيران
يشيخ الآباء ويموتون، فيحلَّ محلّهم الأولاد.

لا، شعبك يا الله لن ينقطع ولا يزول
والعيلة هي كشجرة تحمل الأثمار، تحمل عطيّتك الحاضرة إلى الاجيال الآتية
لهذا لا يُنسى الأب، فأولاده يذكرونه
لهذا لا تُنسى الأم، وأبناؤها يحمدونها ويسرّون بها.

أعراس الناس هي أعراسك يا الله، بل هي رمز إلى أعراسك، وعرسك يا الله اتحادك بشعبك.
قلت بلسان هوشع: أتزوّجك يا أمتي إلى الأبد
أتزوّجك بالأمانة فتعرفين الربّ
آتي إليك الى البرية وهناك أخاطب قلبك.
وقلت بلسان أشعيا عن أورشليم: عريسك هو خالقك، الربّ القدير اسمه
دعاك الربّ كامرأة مهجورة وكزوجة الصبا.

عرسك يا الله اتحادك بكنيستك، أنت عريسها وهي عروسك
تقول لنا بلسان بولس الرسول: الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة التي هي جسده وهو مخلصها
وكما تخضع الكنيسة للمسيح فلتخضع النساء لأزواجهنّ في كل شيء
أيها الرجال أحبّوا نساءكم كما أحبّ المسيح الكنيسة وضحّى بنفسه من أجلها
نريد أن نسمع منك هذا الكلام وكأنك تقوله لنا للمرّة الأولى.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM