37
لا تغر من أهل السوء
هذا المزمور قريب من مز 25 (إليك يا رب ابتهل، عليك أتوكلّ فلا أخزى) من أم 1- 9، من خطب سفر أيوب. فيه نجد مواضيع اشتراعيّة عن امتلاك الأرض والبركة والعدالة، على المستوى الفرديّ وعلى المستوى الجماعيّ. هذا المزمور يربطنا بعالم الحكمة حيث التعارض بين الأبرار والأشرار يميّز سفر الأمثال وأيوب، وحيث العودة إلى خبرة الشيوخ مهمّة. غير أن هدف المزمور ليس تكوين التلاميذ مثل أم، وليس عرض مشكلة عويصة، مثل أي. بل هو يتوخّى أن يشجّع المؤمنين ويعزّيهم قائلاً لهم: الرب يحبّ العدالة. ويكرّر لهم أن مجيء ملكوت الله قريب.
فإعلان دينونة الله يشكّل إحدى مهمّات الليتورجيا. فهذه الليتورجيا تغذّي بيقينها الشعب، فتبقى على المستوى العام دون أن تدخل في التفاصيل. تكرّر المواضيع عينها من امتلاك الأرض، وإزالة الأشرار، واضطهاد البار الذي يباركه الله.
هناك ثلاث مجموعات تعالج شك الإنسان بعدالة الله حين يرى نجاح الأشرار. وهي تحيط بست مجموعات يتعارض فيها وضع البار والشرير. وترفعنا نهاية المزمور إلى مستوى عام كما في عالم المزامير.
يبدأ المزمور فيدعو المؤمنين لئلا يغاروا، لئلا يتأثّروا بمشهد الأشرار الناجحين. فالرب سيفعل. فمن استسلم للغضب أضرَّ نفسه. لهذا، من الأفضل أن نبقى هادئين وننتظر ساعة العدالة التي تطلع كالصباح. وإذ يمتلىء قلبنا من بركة الربّ، ننعم بالسلام ونرث الأرض التي يحتفظ بها الله للودعاء. الأشرار هم زهرة تذبل، وليسوا شجرة متجذّرة تحمل أطيب الثمار. هم يزولون فلا يتذكّرهم أحد ولا يتركون أثراً. فما على المؤمن إلاّ أن ينتظر مسلّما أمره وأمر الوضعاء إلى الله.
صرختنا اليوم يا رب صرخة إرميا يعاتبك ويكاد يلومك
لماذا ينجح الأشرار في الطريق الذي يأخذون
لماذا تُعطى السعادة للعاملين بالغدر والماكرين؟
غرستَهم أنت فتأصّلوا ونموا وأثمروا.
ولكننا نسمع منك الجواب، جواب الرجاء والانتظار
إنتظر الربّ واصبر، ترَ ما سيفعل لك
توكّلَ على الرب وانتظر، والرب يعطيك سؤل قلبك
توكّل على الرب واعمل الخير، تسكن أرضاً يحفظك الرب فيها بأمان
فالربّ لا يتخلى عن أصفيائه، بل إلى الأبد يحرسهم.
ولكننا نسمع كلام الانجيل: طوبى للمساكين فإن لهم ملكوت السماوات
طوبى للودعاء وهنيئاً لهم، لأنهم يرثون الأرض
هذا هو شرط الرجاء والانتظار: أن نكون من المساكين والودعاء
أن نبني حياتنا على حياتك، أيها الرب، فنبنيها على الصخر لا على الرمال
أن نضع فيك رجاءنا وعليك اتكالنا، مهما انتابنا من صعوبات
ونحن بهذه العاطفة نتلو مع المؤمنين هذا المزمور الذي رددّته الأجيال.
لا تغر من أهل السؤ، ولا تحسد الذين يجورون
فهُم يُقطعون سريعاً كالحشيش ويذبلون كالعشب الأخضر.
أجل، نرى يا رب أهل السوء وهم ينعمون بالخير فتشتعل ثورة في داخلنا
نرى أصحاب الجور والظلم يهنأون، فنتساءل: أين الاله العادل لا يجازي
ولكنك تنظر من السماء وترى أعمال البشر
ونحن سنرى نتيجة نظرك على الخطأة وفاعلي الشر
يُقطعون سريعا ويذبلون كالعشب الطرىء
ونمرّ من هناك فلا نجد لهم أثراً.
هذا هو كلامك وهو حقّ وصدق
ولكن متى يتم هذا؟ نحن بنظرنا البشري نريد أن نرى.
فتقول لنا إن المجازاة قريبة
وتقول لنا أيضاً: الرب لا يريد موت الخاطىء،
بل أن يعود عن ضلاله فيحيا.
أنت إله الرحمة والمغفرة، لا إله الغضب والانتقام.
توكّل على الرب واعمل الخير، تسكن الأرض ويحفظك الأمان
توكل على الرب فيعطيك ما يتمنّاه ويطلبه قبلك
سلّم أمرك إلى الرب واتّكل عليه وهو يدبّر
يعلن مثل النور صدقك ومثل الظهيرة حقّك.
ونسمع صوت الكاهن يدعونا إلى الاتكال عليك، لا مرة ومرتين بل ألف مرة
نتّكل عليك فتحفظنا من كل سوء وتجعلنا نسير في أمانك
نتّكل عليك فتحقّق أمنياتنا وتعطينا ما نطلب
فأنت أب تعطي أبناءك الصالحات، وتعطيهم قبل أن يسألوك
فما أعظمك وما أكرمك يا الله.
نسلّم أمرنا إليك ولا نهتمّ بشيء، ونحن عارفون أننا القطيع الصغير الضعيف
نسلّم أمرنا إليك ونلقي همنّا عليك، أنت يا من تهتمّ بزهر الحقل وطير السماء
نسلّم أمرنا إليك ونستلقي ونستريح، كالابن ينام في حضن أبيه
نسلّم أمرنا إليك وأنت تدبّر حياتنا وتدافع عنّا يوم الشرّ والضيق
أنت يا من لا يخفى أمر عليك تعلن كالنور حقنا وصدق نوايانا
فالشكر لك يا رب، الشكر لك.
إنتظر الرب واصبر له ولا تغر من الناجح في طريقه، من الذي يدبّر المكايد
تجنّب الغضب وابتعد عن الغيظ ولا تحسد من يفعل الشر.
فالأشرار يقطعهم الرب والذين يرجونه يرثون الأرض
ما أسرع ما يزول الشرير، تتطلّع إلى مكانه فلا تجده
أما الودعاء فيرثون الأرض، وينعمون في سلام عميم.
ونسأل: متى يزول الأشرار ويُقطع الناس الظالمون؟
عمّا قليل، وأسرع ممّا نتوقع، فينعم المساكين الضعفاء بأمان.
ونسأل مع يونان: أنت إله الرحمة. غفرت لنينوى القاتلة الظالمة، فلمن لن تغفر؟ ولكنك تطلب منا الصبر والانتظار
وتقول لنا كما قال موسى للشعب أمام البحر الأحمر: أسكتوا، أصمتوا، إهدأوا، وسوف ترون ما يفعله الرب، وفعلت.
ونودّ أن نسير في طريق الشرّ ما دام الأشرار ينجحون،
وفي النتيجة ينالون المغفرة مثل الأبرار
ونودّ أن نرافق اللص في حياته ونحن ننتظر أن تغفر لنا عند الممات،
ننتظر أن تغفر لنا كما غفرت له وتقول: اليوم تكون معي في الفردوس
ونودّ أن نقول مع الجهّال: لنأكل اليوم ونشرب فإنا غداً نموت
وفي ساعة الموت نتوب فتكون لنا هذه الدنيا والأخرى.
وتجيبنا بلهجة الأب المحبّ: عودوا اليّ يا بني آدم، فالحياة قصيرة
وتجيبنا بقلبك المهشمّ، قلب الراعي الذي ذهب يبحث عن خروفه الضال: السعادة في عمل الخير لا في عمل الشر
وتجيبنا بنظرك الثاقب: ألا تعرفون أن توبة اللص بدأت من زمان، وتُوجّت عند الصليب
وتجيبنا: ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً، بل براً وسلاماً وفرحاً في الروح القدس
فإن طلبنا السلام وعملنا من أجل البنيان، فلنا رضاك وحُظوة الناس
وإن تركنا شيئاً لأجلك، حصلنا على مئة في هذه الدنيا، وفي الأخرى الحياة الأبدية.
وتدعونا يا رب إلى الرجاء وتفهمنا
إن رجوناك في هذه الدنيا فقط، فنحن أشقى الناس أجمعين
وتعدنا بمُستقبل أين منه ما يقدّمه لنا البشر من مستقبل واهٍ لا يدوم
تعدنا بوطن أفضل من هذا الوطن، هو الوطن السماوي حيث نكون شبيهين بك.
وتعلّمنا أن الودعاء يرثون الأرض، أي تلك المدينة الثابتة التي نعيش فيها معك
وتعلّمنا أن الودعاء يُقهرون ساعة، ولكنهم ينعمون بسلامك الذي يفوق كل سلام.
الشرير يكيد للصدّيق ويصرّ أسنانه عليه
لكن الرب يضحك على الشرير ويرى أن يومه آت
الأشرار يستلّون سيوفهم يذبحوا السالك سواء السبيل
يسددّون سهام قسيهّم ليصرعوا المسكين والبائس
سيوفهم ترتدّ إلى قلوبهم وقسيهّم لا بدّ أن تنكسر.
القليل الذي يملكه الصدّيقون خير من ثروة جميع الأشرار.
سواعد الأشرار تنكسر والصدّيقون يسندهم الرب.
أخذنا بالظواهر يا رب فأضلَّتنا الظواهر
حسبنا الأشرار في سلام وحسدناهم، فإذا هم يغارون من الصدّيق ويحسدونه
ضايقوه وحاولوا أن يكيدوا له المكايد، ولكنهم رأوه واقفاً لأنك ثبّته بقوتك
صّروا عليه أسنانهم وحسبوا أتعابه كلا شيء، ولكن ثوابه عظيم عندك يا ربّ
سخروا منه وحسبوه جاهلاً، فإذا هم الجهّال وهو الحكيم بحكمتك المبنيّة على مخافتك يا رب.
استلوا سيوفهم ليذبحونا يا رب، سدّدوا سهامهم ليصرعوا شعبك البائس
مدّوا أيديهم ليضربوا، وسواعدهم ليكسروا ويهدموا
سرقوا ونهبوا، وجمعوا الثروات الطائلة من عرق المساكين وتعب أبناء شعبك
سيطروا واستبدّوا ولا أحد ينتهرهم، فظنّوا نفوسهم آلهة ولا يدَ فوق يدهم.
ولكنك تقوم بقدرتك يا رب وتُسكت المتكلمين علينا للشر
تقوم فتردّ سيوف الأشرار إلى قلوبهم، وتحامى عن المسكين والبائس
تقوم على الأشرار فتكسر سواعدهم، وتسند أيادي الصدّيقين المرتفعة إليك في صلاة خاشعة
تقوم فتُفهم من ساد وماد، أنك أقوى من الأقوياء، وأعظم من العظماء
وأن الذين يدعون باسمك هم أقوى من المتّكلين على الخيل والمركبات
تقوم وتفهمنا أنك من أعلى سماواتك تنظر وتضحك
تضحك على الشرير وتريه أن يومه آت سريعاً.
ولكنك تقوم يا رب كالديّان الذي يجازي كل إنسان حسب أعماله
ولكنك تقوم يا رب كالملك الذي يدافع عن أبناء شعبه الضعفاء
ولكنك تقوم فتنظر بعين الرضى إلى السالكين سواء السبيل
ولكنك تقوم كالأب الذي يشرق شمسه على الصدّيقين والاشرار
فتسند الصديقين وتفهمهم أهمية القليل الذي يملكون لأنهم ينعمون برضاك
وتدعو الاشرار وتفهمهم أنهم جهلة تعبوا لهذه الدنيا
وعندما تؤخذ منهم نفوسهم، يقومون أمامك فارغي الأيدي فيعامَلون كالعبد البطّال.
يومك آت يا رب، بل أنت آت في الوقت الذي حدّدته
أنت آت سريعاً، وألف سنة في عينيك كيوم أمس الذي عبر
أنت آت، ضع في قلبنا نعمة الانتظار، واجعل مصابيحنا مليئة بزيت الأعمال الصالحة
أنت آت، ضع في نفوسنا الرجاء الذي يظفر بما يطلب من أب يعطي ولا يردّ يده
أنت آت، ونحن نتّكل عليك، ونتمنّى أن نحظى برضاك.