على عود بعشرة أوتار لماذا ارتجّت الأمم
 

 2
لماذا ارتجّت الأمم

المزمور الثاني يفتتح المجموعة الداودية، والمزمور 72 ينهيها. هو يؤكّد أن في صهيون ملكاً وقد مسحه الربّ. فطوبى لمن يحتمي به. وهكذا لا ينتهي هذه المزمور بلغة التهديد والوعيد، بل بلغة النداء إلى السعادة مع ذلك الذي يرعى شعبه.
إشتهر المزمور الثاني باستعماله في العهد الجديد والأدب المسيحيّ الأولاني. وهو يعلمنا أنه كان في أرض اسرائيل ملك قد مات. والناس ينتظرون من يخلفه لئلاّ تعمّ الفوضى البلاد. ولكن من خلال هذا الملك الأرضّي، نستشفّ ملكاً آخر هو في الواقع يسوع المسيح الذي دعانا إلى ملكوته ومجده.
يتعجّب المرتّل من ثورة الملوك، ولكنه يعرف أنها لا تقود إلاّ إلى الدمار. ظنّوا أن "الملك" غائب، ولكن غيابه موقت. ولهذا "يضحك" الرب وهو سيعاقب. فمن السماء حيث يجلس على عرشه، سيتكلّم فترتجف الأرض كما من صوت الرعد. أما ردّه فيقوم بأن يكرّس ملكه بالزيت المقدّس على جبله المقدس الذي لا يجسر أحد أن يهاجمه.
حينئذ قدّم الملك الجديد نفسه: إنه الابن، ابن الله. اليوم قد وُلد. يوم صار ملكاً تبثاه الله "اليوم" في عمل ليتورجيّ. والابن هو الوارث، وهذا الوارث الجديد يمسك بيده أرض الله.
وهكذا تأتي كلمة الحكمة التي تنصح الملوك بالهدوء والخضوع في المخافة، للرب الذي يقبّلون قدميه علامة تسلّطه عليهم. ذاك هو موقف المغلوبين الذين يخافون من غضب الله وعقابه. أما أحبّاؤه فالرب يصونهم. لهذا فهم يحتمون به.

تلك كانت صلاة المسيحيين الأولين حين أحسّوا بالخطر يهدّد الكنيسة، والاضطهاد يلاحق الرسل.
كلهم رفعوا الدعاء بصوت واحد: لماذا تثور الأمم وتلهج الشعوب باطلا
نعم يا رب، تآمر في هذه المدينة هيرودس وبيلاطس البنطي وبنو اسرائيل
وتآمرت الأمم الوثنيّة على فتاك القدوس يسوع الذي جعلته مسيحاً.

قال فيك أبناء مدينتك أورشليم: لا نريد هذا الرجل ملكاً علينا
وقالوا أيضاً: هذا هو الوارث. تعالوا نقتله ونأخذ ميراثه
ولكن ثورة الأمم تبوء بالفشل، ومؤامرة الشعوب باطلة
فما يبشّر به الرسل هو من عندك يا رب، لا من عند الناس
وما يقوله الرسل هو من عندك يا الله ومن يستطيع أن يقاومك يا الله؟

ونصلي نحن اليوم هذا المزمور، والمؤامرة ما تزال عليك أيها المسيح وعلى كنيستك
بعضهم يقولون: ما أتى بعد. وهم ما زالوا ينتظرون مجيئك إلى الأبد
ولكن الانجيل يقول لنا عنك: أتى إلى خاصته وخاصته (أهل بيته) لم تقبله
أما نحن فقبلناك، وصرنا معك أبناء الآب السماوي.

وبعضهم يقولون عنك يا يسوع: أنت نبيّ من الأنبياء، مثل موسى وإرميا،
يقولون: لست أعظم الأنبياء، وخاتمة المرسلين، بل واحداً من الأنبياء والمرسلين
كلهم على خطأ وضلال. فكل الانبياء خدام الكلمة، أما أنت فكلمة الله بالذات.
كل المرسلين عبيد الله، أما أنت يا يسوع فابن الله المساوي لأبيه في الجوهر.
ويتآمر الناس على كنيستك. منذ بداية نشأتها: اضطهدوا، قتلوا، شتّتوا، هجّروا،
ولكن القديس بولس تعلّم أنك والكنيسة واحد، لأن الكنيسة هي جسدك
فمن اضطهد الكنيسة اضطهدك أيها المسيح، يا من أنت الله ومن يجسر أن يعادي الله؟

لو كنت من العالم لأحبّك العالم. ولكنك فضحت تعاليم العالم، فأبغضك العالم
لو كانت كنيستك من العالم لأحبّها العالم، ولكنها ليست من العالم مع أنها تعيش في العالم.
الكنيسة في العالم وهي تعارض تعاليم العالم المبنيّة على شهوة الجسد وشهوة العين ومجد الحياة
ولكن العالم يزول وتزول معه شهواته وتعاليمه
أما الكنيسة العاملة بمشيئتك فتثبت إلى الأبد.

ولكننا مع ذلك نخاف ونحن نرى تحالف الشعوب ومؤامراتهم
نحن نجزع حين نسمع صياح الأمم وضجيجهم
غير أننا بالإيمان نصرخ ونقول: لماذا ارتجت الأمم، لماذا تثور الأمم؟

لماذا تثور الأممم وتلهج الشعوب باطلاً
ملوك الارض يتمرّدون وحكامها يتآمرون معاً
على الربّ وعلى مسيحه.
يقولون: تعالوا نقطع قيودهما ونلق نيرهما عنّا.
أجل، تحاول الأمم أن تثور على شريعتك، والشعوب أن تتمرّد على وصاياك وترفض كلمتك
ولكن كلمتك سيف ذو حديّن تنفذ في الأعماق إلى ما بين النفس والروح والمفاصل
ولكن نيرك هيِّن، وحمل وصاياك خفيف.
أما أنا الأنسان الشقي، فأفضّل نير الناس على نيرك يا الله
أما أنا الانسان، فأختار نير العبودية والخضوع للناس على نير العبادة لك وخدمتك
حاولتَ أن تجمعنا يا رب، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فما أردنا
فقلت لنا كما قلت لليهود: ها هوذا بيتكم يترك خراباً.

وبعد هذا، فثورة الشعوب فاشلة وما تقوم به الأمم باطل، ولا فائدة منه
الرب تبنّى قضيّة ملكه وشعبه، الرب تبنّى قضيّة مسيحه.
الرب اختار ملكه، ومسحه بالزيت المقدس
فمن قام على مسيح الرب، قال على الرب بالذات
أما نحن فمسيحنا هو الرب بالذات، فمن يجسر أن يقاوم كلمته!

الجالس في السماوات يضحك، الرب يستهزىء بهم
يكلّمهم في غضبه، وبغيظه يرعبهم
يقول: أنا مسحت ملكي على صهيون جبلي المقدس.

أنت أيها الرب الجالس في السماوات، أنت أيها الساكن في الأعالي، لا تطالك مؤامرات الأمم.
وأنت أيها الرب تعمل على الأرض بواسطة من مسحته ملكا على جبل صهيون المقدس
أنت يا رب تقيم على صهيون، جبلك المقدس.
أنت يا رب تجلس ملكا على عرشك في الهيكل
فما اعظمك وما أبهاك. أنت البعيد القريب.

أنت من علياء سمائك ترى الملوك برجالهم، والقوّاد بجيوشهم وسلاحهم
تنظر إليهم فتضحك، تستهزىء بهذه القوى التي ليست إلا نسمة ونفخة هواء
لو جاؤوك متواضعين لكلّمتهم برفق ووداعة، وعاملتهم بالرأفة والرحمة
ولكنهم جاؤوك وتلبّسوا الكبرياء والعجرفة، فكلمتهم بكلام الغضب، بالكلام القاسي.

رأى العظماء، فارتعدوا ورجعوا خائبين، وكادوا يقعون في قبضة يدك عقاباً لهم
وسمعوا صوتك يعلن: المسيح وحده، ملك على صهيون، على الجبل المقدس
وإلى اورشليم، مدينة السلام ومدينة المسيح، سيأتي الملوك والأمم ليروا مجد الله
إلى اورشليم يأتون وهم يحملون الذهب واللبان، ويبشرون بتسابيحك يا رب
بل أرز لبنان والسرو والسنديان والشربين جميعاً يأتون
لزينة مقدسك يا الله وتمجيد موطىء قدميك
فمن يتجاسر بعد أن يرفع رأسه؟

دعوني أخبر بما قضى الرب.
قال لي: انت ابني، وأنا اليوم ولدتك
أطلب فأعطيك الأمم ميراثاً وأقاصي الأرض ملكا لك
ترعاهم بعصا من حديد وكإناء خزاف تحطمهم.

نردّد هذه الكلمات فنتذكّر عماد أبنك يسوع وكلماتك فيه
هذا هو ابني الحبيب الذي به رضيت
نردّد هذه الكلمات فنتذكر كلماتك على الجبل المقدس
هذا هو أبني الحبيب الذي به رضيت، فله اسمعوا.

هذا الابن الذي تحدّث عنه الأنبياء وُلد طفلاً صغيراً في بيت لحم
هذا الابن الذي بشّر به الملاك جبرائيل مريم العذراء، رآه الرعاةُ مضجعاً في مذود
هذا الابن الذي طلع نجمه في المشرق، جاء المجوس يسجدون له وقد وصل نوره اليهم
هذا الابن خافه هيرودس وأراد قتله، لأنه رأى فيه الملك الحقيقي.

يا يسوع، أنت ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل الدهور
جئت مدينتك أورشليم فتمَّ قول النبي: هوذا ملكك قادم اليك وديعاً.
يا يسوع، أيها السيد المبارك وحده
يا ملك الملوك ورب الارباب، يا من لك وحدك الخلود والاكرام والعزة
كن ملكا علينا، لا نريده إلها سواك ولا نعبد رباً غيرك.

يا يسوع، إن أطعناك وسمعنا لك، رعَيتنا كما يرعى الراعي خرافه
وكانت عصاك مشجّعاً ومعزّياً وقائداً
اما إذا عصينا أوامرك ورفضنا وصاياك وتمرّدنا على كلمتك
تصبح عصاك من حديد، وهي تحطّمنا كإناء من خزف. لأننا تراب ورماد.

نكون معك فتكون لنا الحياة
نبتعد عنك فنسير في دروب الموت
محبتك تجعلك قريباً ممّن يحبونك
وتنقلب غضباً وعقاباً للذين يستخفوّن بك، فأنت اله لا يُهزأ به
وها أنت تذكرنا بكلماتك: لي الانتقام وأنا اجازي
فالويل لمن يقع في يدي الله الحي!

فالآن أيها الملوك تعقّلوا
اعُبدوا الرب بخوف، واسجدوا له برعدة
لئلا يتقّد غضبه سريعاً فتهلكوا بغتة في الطريق
فهنيئاً لجميع المحتمين به.

بعد الثورة الهدوء، بعد الجهل الحكمة، وبعد التهوّر التعقل.
رأى الملوك والحكام ما فعلته يا رب فعادوا إلى الهدوء
رأى الناس عظائمك وأفعالك ومعجزاتك، فعرفوا الحكمة الحقيقيّة
ورأينا نحن، فما بقي لنا جميعاً إلا السجود والعبادة
هي عاطفة خوف أمامك أيها الاله القدير، عاطفة رعدة، أمام قداستك.

اذا كانت خطانا في طريقك وأعمالنا بحسب مشيئتك، فهنيئاً لنا.
أما إذا ابتعدنا عنك، أيها الطريق والحق والحياة، فالويل لنا.
إذا لجأنا إلى البشر، إذا اخذنا بحكمة العالم، كان لنا الباطل وبدت حكمتنا جهالة
أما إذا لجأنا إلى حماك وتعلّقنا بك، يا من دعوتنا رغم ضعفنا وجهلنا
حينئذ يصبح ضعفنا قوة لا يستطيع جميع أعدائنا أن يقاوموها.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM