على عود بعشرة أوتار تقديم
 

تقديم

بعد النجاح الذي لاقاه "سبّحوه بالعود والكنارة"، حيث قدّمنا ثلاثين مزموراً بشكل صلاة، تجرّأنا ونشرنا كتاباً آخر عنوانه "على عود بعشرة أوتار" (33: 32). هكذا أراد صاحب المزامير أن ترافق الموسيقى كلام صلاته، أن تصبح صلاته نشيداً يصدر من القلب فيدلّ على حرارة الايمان بالله والثقة.
ثلاثون مزموراً أيضاً. قد توافق عيد الميلاد أو عيد الشعانين (مز 2؛ 72) عيد الدنح أو الغطاس (مز 114). عيد القيامة والصعود (مز 147). يتلوها المؤمن وهو شاعر بخطاياه (مز 95). فيحاول التقرّب من الله واللجوء إلى حنانه (مز 101).
كل عواطف البشر هي هنا، سواء تلك التي تتوجّه إلى الله أم إلى القريب. تلك التي نحسّ بها في الضيق أو في الفرج، في حفلة زواج (مز 45) أو خلال تقدمة النذور (مز 50). صلوات يتلوها الحجّاج الصاعدون إلى أورشليم وإلى الهيكل (84؛ 121؛ 124؛ 127؛ 132)، كما يتلوها عباد الرب بشكل خاص في ذبيحة المساء. صلوات يتلوها البشر بكل فئاتهم، أو تعبّر عنها المخلوقات في النظام الذي تعيش فيه. أجل إن الطبيعة غير الناطقة تشارك الطبيعة الناطقة في تمجيد الله.
لا يحتاج الشعب إلى دعوة ليمدح الرب. فهو يدعو الكون لكي يقاسمه حماسه ويشركه في نشيده. نشيد الكون يهيِّىء الطريق لنشيد الانسان، لأن مصير المختارين يستعيد مغامرة الكون ويكمّلها. وهكذا يكون عمل الخالق نداء للاقتراب من الله الذي يقطع عهداً مع الانسان. ولكن العهد الجديد والنهائي قد حفظ للابن القائم من الموت. بانتصاره يوقّع على مصالحة الله مع كل صنائعه "ما في السماوات وما على الأرض" (كو 1: 20).
هذا هو الكتاب الذي نقدّمه كجزء ثامن في سلسلة "الصلاة الربية". صلّيناه في جماعات مصغّرة، وأردناه أن ينتشر في جماعة أكبر موزّعة في أماكن عديدة. أردناه مرافقاً للمؤمن التعب من طول النهار، يطلب الراحة مع يسوع. ومرافقاً للجماعة في صلاة مسائيّة قد تطول او تقصر. نقرأ مقطعاً أو مقطعين ثم نتوقّف لنترك التأمل يعمل عمله. أو نكتب في قلوبنا وفي "مذكراتنا" صلوات تشبه هذه التي قرأناها. عندئذ نصل إلى صلاة القلب حين تتحرّك الشفاه في تمتمة صامة تشبه تمتمة إيليا حين لقي وجه الرب على جبل حوريب. هي نسمة، كما يقول النصّ. بل صمت عميق لفّ المكان ولفّ إيليا نفسه في حضور إلهي جعله يعي رسالته، ويعود في الطريق التي جاء منها ليكمّل ما بدأ من عمل في خدمة الربّ.
هذا هو الكتاب الذي اخذنا عنوانه من سفر المزامير "على عود بعشرة أوتار". ولكن هل تكفي العشرة أوتار لتعبِّر عن حبّنا للربّ؟ بل لا تكفي أوتار العالم كلّه. لا تكفي موسيقى العالم كله. لأن الصوت البشريّ يتعدّى كل آلة موسيقيّة، وصرخة المؤمن الذي يعرف السعادة والألم لا تضاهيه صرخة. ففي النهاية، هو شعب الله يرفع إلى الله نشيد الكون والمخلوقات. تلك تكون أبعاد صلاتنا.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM