القِسم الثاني دُروس في أعْمَال الرُّسُل الفصل العشرون المعاني الكتابية في خطب بطرس

الفصل العشرون
المعاني الكتابية في خطب بطرس
الخوري بولس الفغالي

يتضمن أع 24 خطبة. ثمانٍ منها تعود إلى بطرس (1: 16- 22؛ 2: 14- 36؛ 3: 12- 26؛ 4: 8- 12؛ 5: 29- 32؛ 10: 34- 43؛ 11: 5- 17؛ 15: 7- 11). وتسع تعود إلى بولس (13: 16- 41؛ 14: 15- 17؛ 17: 22- 31؛ 20: 18- 35، 22: 1- 21؛ 25: 10- 21؛ 26: 6- 23؛ 27: 21- 26؛ 28: 17- 21) وتتوزّع الخطب السبع الباقية على جملائيل (5: 35- 39)، اسطفانس (7: 2- 53)، يعقوب (15: 13- 21)، ديمتريوس (19- 25- 27) حاكم مدينة افسس (19: 35- 40)، ترتلوس (24: 2- 8)، فستوس (25: 24- 27).
أما خطب بطرس الثماني فتتوزع على قسمين متميزين: قسم يعلن التعليم المسيحي لسامعين لم يقتبلوه بعد. وقسم يتوجّه إلى الجماعة المسيحية. سنحصر كلامنا في القسم الأول وهو يضم خمس خطب يتوجه فيها بطرس إلى الشعب اليهودي، إلى السنهدرين، إلى الضابط كورنيليوس الذي يشارك شعب اسرائيل في إيمانه وممارسته الوصايا، دون ان يقبل الختان. وسنحاول أن نجد ثوابت في هذ الخطب التي نقابلها بخطب اخرى مثل خطبة بولس في مجمع انطاكية بسيدية (ف 13).
نجد ست ثوابت: المطيع، تذكير برسالة يسوع، تذكير بالظروف التي فيها مات يسوع، تأكيد على قيامته، شروح توضح مضمون هذه القيامة، قول يعلن غفران الخطايا للذين يقبلون هذه البشارة.

1- المطلع
يهدف المطلع إلى ربط التعليم المسيحي بالوضع الذي جُعلت فيه الخطبة. نلاحظ أن هذا الدخول في الخطبة يتوقّف عادة عند إشارة تثير الدهشة وتتطلّب شرحاً سيقدّمه الخطيب.
وهذا العرض واضح بصورة خاصة في مقدمة خطبة العنصرة (2: 14- 21). حدثت ظواهر غريبة حيرّت عقول الجموع التي جاءت إلى العيد (آ 7، 12 أ) أو جعلت بعض الناس يتهكّمون على هؤلاء "السكارى" (آ 13). فانطلق بطرس من هذا الوضع، ودعا سامعيه ليروا في مجيء الروح تتمة لنبوءة يوئيل، ويفسّر هذا المجيء كآية إسكاتولوجية. أجل، ها قد جاءت الأيام الأخيرة، أيام فيض الروح عك البشر.
وتنطلق الخطبة في رواق الهيكل (3: 12) من حيرة وعجب الناس (آ 10) الذين شاهدوا شفاء عجيباً حصل أمامهم. قال بطرس: "يا بني اسرائيل، ما بالكم تتعجبون مما جرى" (آ 12 أ)؟ واتبع بطرس كلامه باستفهام آخر يزيل كل شرح خاطىء: "لماذا تنظرون إلينا كأننا بقدرتنا أو تقوانا جعلنا هذا الرجل يمشي" (آ 12 ب)؟
أما الخطبة الأولى أمام السنهدرين (4: 9) فتبدأ بالتشديد على غرابة الموقف: على الرسل أن يجيبوا العدالة على ما فعلوا من خير تجاه الكسيح. وحين مثل الرسل للمرة الثانية أمام المجلس الأعلى، أبرز رئيس الكهنة غرابة سلوك الرسل. منعتهم أعلى سلطة دينية في البلاد أن يعلّموا "بهذا الاسم". ولكنهم ما زالوا يملأون أورشليم بتعليمهم (5: 28). حينئذ بدأ بطرس خطبته فأجاب المجلس باسم الرسل: "يجب ان نطيع الله لا الناس" (آ 29).
ونجد شيئاً غير عادي في وضع خطبة قيصرية: عارض بطرس الفرائض الدينية التي تمنع اليهودي من "أن يخالط أجنبياً أو يدخل بيته" (10: 28)، وذهب إلى ضابط روماني (إذا، وثني) واستعد ليقدم له البشارة المسيحية. تبدأ الخطبة بشرح للوضع الذي جعله فيه الله: "أرى أن الله في الحقيقة لا يفضّل احداً على احد" (لا يحابي) (آ 34-35).

2- رسالة يسوع على الأرض
لن نجد هذه الثابتة إلاّ في الخطب الطويلة. وهذا واضح بصورة خاصة في ف 10. يحدّد بطرس موقع رسالة يسوع في المكان وفي الزمان: "انتم تعرفون ما جرى فِي اليهودية كلها، إبتداء من الجليل بعد المعمودية التي دعا إليها يوحنا" (آ 37). والتحديدات الجغرافية تكرّر ما زاده لوقا في خبر الآلام (انتقالة بين المثول أمام بيلاطس والمثول امام هيرودس): "إنه يثير الشغب بتعليمه في اليهودية كلها، من الجليل إلى هنا" (لو 23: 5). والتحديد الكرونولوجي (بعد المعمودية التي دعا إليها يوحنّا) يقابل نظرة لوقا الذي يعتبر أن رسالة يوحنا انتهت يوم بدأت رسالة يسوع. هذا ما نقرأه في 13: 24-25: "وقبل مجيء يسوع، دعا يوحنا جميع شعب اسرائيل إلى معمودية التوبة. وقالت وهو ينهي سعيه: ما أنا الذي تظنّون أني هو. ذاك يجيء بعدي، وما أنا أهل لأن أحلّ رباط حذائه".
نندهش حين نجد ذكر يوحنا المعمدان في فم بولس. ولكن لوقا إنطلق من التقليد ومن إنجيله (لو 3: 15- 16)، فقدّم لنا هذه الخطبة البولسية.
ويتابع بطرس في 10: 38: "يسوع الناصري، كيف مسحه الله بالروح القدس (أش 61: 1؛ لو 4: 18) والقدرة (يشدّد لوقا على قدرة يسوع، لو 4: 36- 5: 17؛ 6: 19؛ 9: 1. ويربط الروح بالقدرة، لو 1: 17، 35؛ 4: 14؛ أع 1: 8)، فسار في كل مكان يعمل الخير ويشفي جميع الذين استولى عليهم ابليس، لأن الله كان معه". وهذا ما نقرأ أيضا في خطبة العنصرة: "كان يسوع الناصري رجلاً أيدّه الله بينكم بما أجرى على يده من العجائب والمعجزات والآيات كما أنتم تعرفون" (2: 22). هذا ما سيقوله أيضاً تلميذا علماوس: "يسوع الناصري الذي كان نبياً قديراً في القول والعمل عند الله والشعب كله" (لو 24: 19).

3- الصلب
حين تكلمت الخطب الرسولية عن الصلب، شدّدت على ميزتين. أولاً: الصلب هو عمل سكّان اورشليم ورؤسائهم الذين اتهموا يسوع، هذا ما يقوله لوقا في إنجيله (23: 2، 4، 5، 20، 23، 20، 31). وسنجد الإتهام عينه في خطبة أسطفانس: "فمن من الإنبياء لم يضطهده آباؤكم؟ قتلوا الذين انبأوا بمجيء البار، ذاك الذي اسلمتموه وقتلتموه" (7: 52).
الميزة الثانية هي دفاعية، وهي تؤكّد توافق موت يسوع مع المخطّط الإلهي كما عبرّت عنه الكتب المقدّسة. هذه الميزة عزيزة على قلب لوقا. كتب مر 10: 33: "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم". ولكن لو 18: 31 قال: "ها نحن صاعدون إلى أورشليم، فيتمّ كل ما كتبه الإنبياء في ابن الإنسان فيسلم". ونشير إلى ميزة ثالثة لا تظهر إلا في 3: 13 و13: 28، وهي تقابل احد اهتمامات لوقا في خبر الآلام (رج لو 23: 4، 14، 15، 32): كان يسوع بريئاً. لم يصنع شيئاً يستحق العقاب الذي انزل به.
يعلن بطرس في 2: 23: "هذا الرجل الذي أسلم حسب قصد محددّ وعلم الله السابق (نية دفاعية حاضرة في لو 22: 22، ابن الإنسان سيموت كما هو مكتوب) أخذتموه وصلبتموه وقتلتموه بأيدي الكافرين (رج لو 24: 7: يجب ان يسلّم ابن الإنسان إلى أيدي الخاطئين ويُصلب). ويكرر بطرس الإتهام في آ 36: "يسوع هذا الذي صلبتموه".
وسيشدّد بطرس على هذه الفكرة في الخطبة التي ألقاها في رواق الهيكل: "يسوع الذي أسلمتموه إلى أعدائه وأنكرتموه أمام بيلاطس، وكان عزم على إخلاء سبيله" (لو 23: 16: أخلي سبيله، رج 23: 20، 22). "نعم، أنكبرتم (اتهمتم) القديس البار (لو 23: 47: في الحقيقة، كان هذا الرجل باراً)، طلبتم العفو لقاتل. قتلتم ملك الحياة" (3: 13- 15).
ونقرأ في 4: 10: "يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم". لا نجد الميزة الدفاعية مع الإتهام، ولكنها مستترة في التلميح إلى مز 118: 22: "هو الحجر الذي رذلتموه ايها البناؤون" (رج آ 11). ونقرأ في 5: 30: "يسوع الذي علقتموه على خشبة وقتلتموه" لا نجد الميزة الدفاعية إلا إذا فرضنا تلميحاً إلى تث 21: 23 المعلق ملعون). وفي 10: 39: "في بلاد اليهود وفي أورشليم. وهو الذي علّقوه على الخشبة وقتلوه". وقال بولس في خطبته إلى اليهود في مجمع بسيدية: "إن أهل أورشليم ورؤساءهم تمّموا، دون أن يعرفوا ما يُتلى من أقوال الأنبياء في كل سبت: ما وجدوا جرماً يستوجب الموت، ومع ذلك طلبوا من بيلاطس أن يقتله. وبعدما تمّموا كل ما كتبه الأنبياء في شأنه" (13: 27-29). قال تلميذا عماوس: "كيف أسلمه رؤساء كهنتنا وزعماؤنا للحكم عليه بالموت، وكيف صلبوه" (لو 24: 20). أما البرهان الدفاعي، فنجده في فم يسوع "ما أغباكما وأبطأكما عن الإيمان بكل ما قاله الأنبياء. أما كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام" (لو 24: 25- 27؛ رج آ 44-46: ان المسيح يتألم).
نحن هنا أمام لوحة متناسقة: فصلب يسوع يبدو بشكل اتهام موجّه ضد اليهود بصورة عامة. بل ضد سكان أورشليم وزعمائهم. ولكن ذاك قصدُ الله كما أعلنه الأنبياء.

4- القيامة
نكتشف ميزتين في الطريقة التي بها تعرض الخطب الرسولية في أع قيامة يسوع. تذكرها أولاً على أنها عمل الله الذي تدخّل تجاه عمل الاورشليميين الاجرامي. ثانياً، يرافق التأكيد على القيامة رجوع إلى الذين قبلوا المهمة ليكونوا شهوداً (1: 8- 22؛ لو 24: 28: أنتم شهود على ذلك).
نقرأ في خطبة العنصرة: "ولكن الله أقامه وحرّره من سلطان الموت" (2: 24). وسيعود بطرس إلى القول عينه في آ 32: "فيسوع هذا أقامه الله، ونحن كلنا شهود على ذلك". وقال أيضاً في 3: 15: "قتلتم ملك الحياة، ولكن الله أقامه من بين الأموات، ونحن شهود له بذلك". وبعد أن شفى الكسيح، قال بطرس: "شفي هذا الكسيح باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم وأقامه الله من بين الأموات" (4: 10). لا حاجة هنا إلىِ الشهادة الرسولية. فالمعجزة وحدها تكفي. ونقرأ في 5: 30: "إله آبائنا أقام يسوع الذي قتلتموه". وتزيد آ 32: "ونحن شهود على هذا كله، وكذلك يشهد الروح القدس الذي وهبه الله للذين يطيعونه".
وننتقل إلى قيصرية لنسمع بطرس (10: 40- 42): "ولكن الله أقامه في اليوم الثالث وأعطاه أن يظهر، لا للشعب كله، بل للشهود الذين إختارهم الله من قَبْلُ، أي لنا نحن الذين أكلوا وشربوا (رج لو 24: 41-43؛ أع 1: 3- 4) معه بعد قيامته من بين الأموات".
ويورد بولس جريمة أهل أورشليم ويتابع: "ولكن الله أقامه من بين الأموات، فظهر أياماً كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم، وهم الآن شهود له عند الشعب" (العبراني) (13: 30- 31). وسيكون بولس شاهداً للمسيح لدى الوثنيين، وذلك في مرحلة ثانية.

5- المضمون المسيحاني للقيامة
بعد أن أعلن الخطيب واقع قيامة يسوع وذكر الشهود، يبقى عليه أن يُبرز بُعد هذه القيامة. حينئذ يعود إلى الأسفار المقدسة يطلب منها تفسير الحدث. أعلن الأنبياء أن المسيح سيقوم: بما أن هذه الأقوال النبويّة قد تحقّقت في يسوع، فيجب أن نقرّ بأن يسوع هو المسيح الموعود به.
يقدم لو 24 البرهان بصورة اجمالية. أولا في كلمات الملائكة عند القبر. هم يذكّرون بتعليم يسوع: قالت: "يجب أن يسلم ابن الإنسان إلى أيدي الخاطئين ويُصلب، وفي اليوم الثالث يقوم" (آ 7). يجب. ويتحدّد معنى هذه الضرورة في الشروح التي يعطيها يسوع لتلميذي عماوس: "ما اغباكما... أما كان يجب على المسيح ألن يعاني هذه الآلام، ويدخل في مجده؟ وشرح لهما ما جاء عنه. في جميع الكتب المقدسة، من موسى إلى سائر الأنبياء" (آ 25- 27). وسيعود الموضوع في الحوار مع الرسل: "هذه كلماتي التي قلتها لكم حين كنت بعد معكم: يجب أن يتمّ كل ما جاء عني في شريعة موسى وكتب الأنبياء والمزامير. حينئذ فتح اذهانهم ليفهموا الكتب المقدسة وقال لهم: هذا ما جاء فيها، وهو أن المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث" (آ 44- 46). هذا هو مبدأ البرهنة الذي ستقوم به الخطب الرسولية في أع.
ستكون هذه البرهنة موسّعة حقاً في أولى خطب بطرس (2: 14 ب-36) وأولى خطب بولس (13: 32-37). تستند البرهنة إلى نصين رئيسيين: في ف 2: مز 16: 10و 110: 1؛ في ف 13: مز 2: 7 و16: 10 يقول مزمور 16: 10: "لا تسمح ان يرى قدوُسك الفساد". وهو يفسّر على أنه اعلان لقيامة المسيح. توسّع بطرس مطوّلاً في البرهان (2: 25- 32) واكتفى بولس بايراده (13: 35-37). يفترض لوقا أن قارىء خطبة بولس يتذكّر شروح خطبة بطرس (لا يفهم 7: 37 الذي يورد تث 18: 15 إلا اذا تذكر القارىء أع 3: 22-23. ولا يصبح تسلسل الأفكار واضحاً في 17: 23- 24 إلاّ إذا تذكرنا 14: 15- 17). والاعلانات الالهية في مز 110: 1 (قال الرب لربي: اجلس عن يميني) و 2: 7 (انت ابني وأنا اليوم ولدتك) تتحدّث عن تمجيد المسيح في السماء، وهذا لا يصير إلا بالقيامة. فقيامة يسوع تشهد حقاً أنه المسيح والرب وابن الله الذي تتكلّم عنه هذه الأقوال النبوية.

6- اعلان غفران الخطايا
وتُختتم الخطبة الرسولية عادة بتحريض يدعو السامعين إلى التوبة أو إلى الإيمان مع وعد بغفران خطاياهم. إن هذا الوعد يميّز نهاية الخطبة.
في 2: 37- 40، تنتهي خطبة العنصرة بشكل حوار. سأل السامعون بطرس والرسل: "أيها الإخوة. ماذا يجب علينا ان نعمل" (آ 37)؟ اجاب بطرس: "توبوا وليتعمّد كل واحد منكم باسم يسوع فتُغفر (يغفر الله لكم) خطاياكم وينعم عليكم بالروح القدس" (آ 38). في ف 3، يبدأ التحريض قبل البرهنة الكتابية التي تشكل له اطاراً (آ 19- 21، آ 25- 26)، فيدعو الشعب اليهودي: "توبوا وارجعوا تُغفر خطاياكم" (آ 19).
حين يمثل بطرس أمام السنهدرين كمتّهم، لا يسمح لنفسه بأن يحرّض سامعيه بطريقة مباشرة. فيكتفي في 4: 12 بأن ينهي خطبته بهذا الكلام: "لا خلاص إلا بيسوع. فما من اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به ان نخلص". لقد حلّت فكرة الخلاص محلّ غفران الخطايا بتأثير من نصّ يوء 3: 5. هي المرة الوحيدة التي لا تشير خطبة بطرس إلى غفران الخطايا. ولكنها ستظهر في خطبة بطرس الثانية أمام المجلس الأعلى: "فهو الذي رفعه الله بيمنيه وجعله مخلصاً ليمنح شعب اسرائيل التوبة وغفران الخطايا" (5: 31).
في خارج أورشليم، يرتبط غفران الخطايا لا بالتوبة (هناك جرم اقترف في أورشليم) بل بالإيمان. إن بطرس ينهي خطبة قيصرية فيؤكد: "كل من آمن به نال باسمه غفران الخطايا" (10: 43 ب). ويشدد بولس في نهاية خطبة انطاكية بسيدية: "فاعلموا، يا إخوتي، أننا بيسوع نبشّركم بغفران الخطايا. وأن من آمن به يتبرّر من كل ما عجزت شريعة موسى أن تبرّره منه" (13: 38- 39).
ويذكر غفران الخطايا أيضاً في لو 24: 47 في تعليم يسوع الذي يحدد الكرازة الرسولية: "كُتب أن باسمه تُعلن بشارة التوبة لغفران الخطايا إلى جميع الشعوب ابتداء من أورشليم". ونجد العبارة عينها في التحديد الذي يعطيه بولس عن رسالته في حديثه إلى الملك اغريبا: "على طريق دمشق، أرسله المسيح إلى الوثنيين ليفتح عيونهم فيرجعوا من الظلام إلى النور. ومن سلطان الشيطان إلى الله، فينالوا بإيمانهم بي غفران خطاياهم وميراثاً مع المقدّسين" (26: 17-18). ويحدّد نشيد زكريا رسالة يوحنا المعمدان بطريقة مماثلة: "ليعطي شعبه معرفة الخلاص بغفران خطاياه" (لو 1: 77).
تحدّث بعض الشرّاح عن اعلان مجيء المسيح (10: 42؛ 17: 30- 31). يبدو أن إنتظار المجيء وان لم يكن غائباً عن الخطب الرسولية، إلاّ أنه لا يحتلّ إلا مكانة ضئيلة وعابرة. وقال احد الشرّاح: تدلّ الخطب الرسولية على اضعاف للتوتر الاسكاتولوجي الذي عرفته الكنيسة في ايامها الأولى (1 تس 1: 9- 10؛ 1 كور 11: 26؛ 16: 22؛ رؤ 22: 20: ماراناتا).
إن هذه الخطب هي انعكاس للكرازة المسيحية في أول أيام الكنيسة. لا شكّ في أن لوقا طبعها بطابعه، ولكننا نجد فيها سمات الكرازة الرسولية الأولى. أما المتحدّث باسم الكنيسة وباسم الرسل الاثني عشر فكان بطرس الذي قال للرب يوم كاد يتركه الجميع: "إلى من نذهب يا ربّ، وعندك كلام الحياة الأبدية؟ نحن آمنا بك وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحيّ" (يو 6: 68-69).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM