الفصل الثامن والأربعون: الإنباء الثالث بالآلام

الفصل الثامن والأربعون
الإنباء الثالث بالآلام
18: 31- 34

وتحدّد السامعون حين بادر بطرس وسأل يسوع. فشدّد يسوع لا على ترك الأموال المادية وحسب، بل على التخلّي عن العلاقات العائلية، وحتى عن الزوجة من أجل ملكوت الله. وكل هذا من أجل المشاركة في مصير ابن الإنسان.
بعد هذا مباشرة، يأتي الإنباء بالآلام مع عنف كلماته. نحن داخلون في تاريخ هو تاريخ يسوع الصاعد إلى أورشليم. سيسلّم إلى الأمم قبل أن يقتل ويقوم. هذا المصير يحكم على كل إنسان ويحيطه بسرّه. فالرسل "لم يفهموا شيئاً من ذلك، وظلّ قوله خفياً عنهم" (آ 34). إستعاد لوقا هنا قولاً ختم حدث وجود يسوع في الهيكل: "لم يفهم يوسف ومريم الكلمة التي قيلت لهما" (2: 5). نحن أمام سر ابن الإنسان في عامه الثاني عشر يوم صار ابن الوصية، وفي اليوم الذي تحدّد مصيره كاملاً بالنسبة إلى الرسل: "يُجلد ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم" (آ 33).
1- قراءة إجمالية
يتضمّن الإنباء الثالث بالآلام عدة معطيات جديدة بالنسبة إلى الإنباءين الأول (9: 22: ينبغي لابن البشر أن يتألّم كثيراً) والثاني (9: 44: إن ابن البشر مزمع أن يُسلم إلى أيدي الناس؛ رج 17: 25: لا بدّ لابن الإنسان أن يتعذب وأن يرذله هذا الجيل). يتوجّه هذا الإنباء إلى الاثني عشر لا إلى التلاميذ. ويتحدّد موقعه في خبر السفر إلى أورشليم (الإنباءان الأول والثاني: خلال المرحلة الجليلية). وللمرة الأولى يكشف لهم يسوع بشكل واضح أن أورشليم ستكون الموضع الذي فيه يُقتل. قبل ذلك، كان حديث عن "الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة" (9: 22)، وكان تلميح إلى أن أورشليم هي الموضع الذي يُقتل فيه الأنبياء والمرسلون، وبالتالي الموضع الذي سيُقتل فيه يسوِع (12: 33- 34). هذا ما ذكره يسوع بشكل غير مباشر. وها هو الآن يدلّ على أورشليم بشكل مباشر وصريح.
ويتواصل خبر السفر إلى أورشليم ويتدرّج. فيستعمل لوقا للمرة الأولى: صعد إلى أورشليم. تعلو المدينة المقدسة 770 م عن سطح البحر. ويكون الصعود أصعب إن جاء الإنسان، كما جاء يسوع، (71: 11) في وادي الأردن، الذي يقع قبل أريحا على عمق 300 متر تحت سطح الأرض وهذا يعني أن الحجاج يصعدون 1070م. فوق سطح الوادي. نتذكّر هنا أن يسوع صعد إلى أورشليم وكان عمره اثني عشر عاماً (2: 42)، فدلّ على صعوده الأخير مع ما فيه من ذكر للثلاثة ايام التي تدلّ على موته وقيامته.
بدأ الإعلان بشكل احتفالي: "يجب" (داي، ينبغي، لا بدّ). هذا الفعل يدلّ على المبادرة الإلهية التي يتقبّلها يسوع طائعاً. ففي 9: 22 قرأنا: "ينبغي لابن الإنسان أن يتألم كثيراً". وفي 13: 33 قال يسوع: "ينبغي أن أواصل السير اليوم وغداً وبعده" (أي: ثلاث سنوات التبشير). وفى 17: 25 قال يسوع: "يجب على ابن البشر أن يتعذّب" (يسوع وحده يتلفظ بهذا الفعل "يجب" رج 24: 26).
إنباء واسع وواضح: بدأ: "سيتمّ كل ما كُتب (صيغة المجهول، أي الله هو الذي كتب مشروعه) بيد الأنبياء في ابن الإنسان". إن مخطّط الله في تاريخ الخلاص قد أنبأت به الكتب المقدسة وها قد بدأ يتحقّق.
ونلاحظ بين المعطيات الجديدة اثنتين. الأولى، لم يعد يسوع يذكر دور السلطات اليهودية. إكتفى بالقول: "أسلم". لا شكّ في أن اليهود أسلموه. نحن هنا على المستوى القضائي لا على المستوى اللاهوتي. وهكذا يُبرز الإنباءُ دور الوثنيين في آلام يسوع وموته (رج أع 2: 23: قتلتموه صلباً بأيدي الاثمة، الذين لا شريعة لهم، أي بأيدي الوثنيين). المعطية الثانية: يشدّد على الطابع النبوي للمعلّم في هذا الإنباء، استعمال أفعال تدلّ على أحداث الآلام. قال الإنباء: يُهزأ به، يُهان، يُبصق عليه. ونقرأ في 22: 63: "وكان الرجال الذين يحرسون يسوع يهزأون به ويضربونه. وفي 23: 11: "فازدراه هيرودس وهزأ به. وكذا فعل الجند" (23: 36). إن يسوع يتنبأ هنا كما في 9: 22: "وفي اليوم الثالث يقوم" (هذا ما لا نجده في 9: 44 ولا في 17: 25).
نتوقّف هنا بشكل عابر عند لفظة "أسلم" (في المجهول) (رج 9: 44). هي تدلّ في اعترافات الإيمان على الله الذي هو الفاعل الأول (رِج روم 4: 25) وتشتمل مجمل الآلام. يستعمل هذا الفعل في خبر الآلام حسب الأناجيل، فيدلّ على المرحلة الأولى: خيانة يهوذا الذي أسلم يسوع إلى السلطات (22: 4). موقف سكان اورشليم (أع 3: 13). أترى لوقا يتوقّف عند المعنى الأول (أسلمه الله) أم المعنى الثاني (أسلمه البشر)، أم هو يشير إلى الاثنين معاً؟
وينتهي المشهد بإشارة مثلثة لعدم الفهم عند الأثني عشر: لم يفهموا شيئاً. ظلّ قوله خفياً. لم يدركوا ما قيل. وهكذا شدّد لوقا على عمق اللافهم عند التلاميذ. بدأ هذا اللافهم في 9: 44 فدلّ حينئذ على الآلام فقط (يسلم ابن الإنسان. لم يفهموا. لم تُذكر القيامة هنا كما في مت 17: 23؛ مر 9: 31. أما هنا (18: 31- 34)، فمخطّط الخلاص كله، بما فيه القيامة، ظل خفياً عنهم. لم يكونوا يفهمون ما يقال. إن هذه الإشارة اللوقاوية إلى اللافهم ليست انتقاداً للاثني عشر، بل تشديداً على مخطّط الله العميق: إن الله نفسه يخفي مدلول الكلمة، لأن يسوع المسيح وحده القائم من الموت هو الذي يفتح أذهانهم لكي يفهموا الكتب (رج24: 45- 46).
2- قراءة تفصيلية
"أخذ الاثني عشر". كانوا بين السامعين (آ 26)، فاختلى بهم يسوع. وبرز شخص بطرس من خلال سؤاله: "ها نحن قد تركنا ما لنا" (آ 28). أخذهم على انفراد (بارالمبانين). هذا ما فعل معهم بعد عودتهم من الرسالة (9: 10)، وقبل التجلّي (9: 28). هنا يعود لوقا إلى مر 10: 32 ج.
الاثنا عشر قد اختيروا من بين التلاميذ، فنالوا لقب "الرسل". هذا اللقب يدلّ على الذين اختارهم يسوع وأرسلهم ليحملوا تعليم الخلاص. يختلف لوقا عن بولس فيحتفظ بلقب الرسول للاثني عشر (ما عدا أع 14: 4، 14).
"نحن الآن صاعدون إلى أورشليم". إلى المدينة أو إلى الهيكل. رج 2: 42؛ 18: 10؛ 19: 28؛ أع 3: 1؛ 11: 2؛ 15: 2؛ 21: 12، 15 (صعود بولس إلى أورشليم على مثال معلّمه)؛ 24: 11؛ 25: 1- 9. ولكن استعمال العبارة ليس خاصاً بلوقا. رج مر 10: 33.
"سيتم كل ما كتب في الأنبياء" إن اللّه سيتمه، سيوصله إلى كماله (المجهول اللاهوتي) خلال العمل البشري. هكذا يربط لوقا آلام يسوع بتنفيذ مخطّط الخلاص في التاريخ. رج 13: 32 (وفي اليوم الثالث أكمَّل)؛ أع 2: 23 (أسلم بحسب مشيئة الله). ينفرد لوقا بين الإزائيين فيستعمل فعل "تالين" بمعنى "تم" (12: 50: ما أشذ تضايقي حتى تتم؛ 22: 37: تتم هذه الكتابة: أحصي مع الخطأة، أع 13: 29: أتموا كل ما كتب)، أو بمعنى تتميم النبوءات الواردة في العهد القديم (رج يو 19: 28، 30؛ رؤ 17: 17)0 أما فعل "كتب" (غرافاين)، فيعبّر عما كُتب في الأسفار المقدسة. رج 4: 17 (وقع على الموضع الذي كتب فيه)، 7: 27 (انه هو المكتوب: ها أنا أرسل ملاكي)؛ 10: 26 (ماذا كتب في الناموس؟)؛ 20: 17؛ 21: 22؛ 22: 37؛ 24: 44، 46؛ أع 13: 29. ويتميّز لوقا باستعمال الأسم "المكتوب".
ما كُتب في الأنبياء. رج أع 2: 16؛ 3: 18 (انبأ به على فم جميع الانبياء)؛ 17: 3؛ 26: 22-23 (لا أقول شيئاً غير ما قاله الانبياء).
"في ابن الإنسان". ظهر هذا اللقب في الإنباءين الأولين (اللذين عادا إلى مرقس)، وظهر هنا أيضاً (رج 5: 24: لابن الإنسان سلطان؛ 9: 22). إن اللقب هنا قد يرتبط بفعل "تمّ " (يتم في ابن الإنسان) أو بفعل كتب (كتب الإنبياء في ابن الإنسان). هناك عدد من الشرّاح يفضّلون الاقتراح الثاني. ولكن يقول البعض الآخر، إن لوقا لم يعتد (مثل متّى) أن يشير إلى ما قاله الأنبياء (حتى في أع 28) وهكذا لا نقدر أن نقول هنا ما كتب عن ابن الإنسان في العهد القديم. من الأفضل أن نترك "كل ما كتب" في "غموضها" بشكل إجمالي في لوقا: مهما كان الذي كتب في الأنبياء، فقد تمّ في ابن الإنسان.
"يسلّم إلى الأمم" (الوثنية). أخذ لوقا صيغة المجهول من مر 10: 33 ب، وضمّ إليها المفعول الذي يستعمل مع صيغة المعلوم (قال مرقس: يسلمون إلى الأمم. قال لوقا: يسلّم إلى الأمم). دلّ مرقس (ومتّى) على أن رؤساء الكهنة والكتبة يسلّمون يسوع إلى الأمم. أما لوقا فلم يذكر رؤساء الكهنة والكتبة، بل ترك الفكرة مخفية. لا نجد هذا التفصيل في الإنباء الأول (مر 8: 31؛ رج لو 9: 22). في الإنباء الثاني (مر 9: 31؛ رج لو 9: 43 ب- 45) قيل انه "سيسلم إلى أيدي البشر" (1 يتروبوس). صار البشر في مر 10 أولاً رؤساء الكهنة والكتبة الذين سلموه إلى "الأمم". في لو 20: 20 ب (عكس مر 12: 13) لم يُقل لنا بمن يسلّم ابن الإنسان. بل هو يسلّم إلى "الأمم"، وهذا ما يعني مشاركة الرومان في خبر الآلام حسب لوقا.
كان كونزلمان على حقّ حين قال إن لوقا يستعمل كلمة "باراديدوناني" دون أن يشير إلى فكرة التكفير. إذا وضعنا جانباً الإستعمال السيّء للفظة "تكفير" هنا، فنحن نوافق هذا الرأي. ولكن يجب أن نلاحظ ان عودة الفعل ذاته مرتين في مر 10: 33 لا يحمل أي مدلول سوتريولوجي (ما يتعلّق بالخلاص). ونقول الشيء عينه عن مت 20: 18- 19. ولكن، لماذا تكون لنا نظرة واحدة إلى تعبير عن هذا المدلول في نصّ مثل هذا؟
"يهزأ به، يُهان، يُبصق عليه". نجد الكلمة الأولى والكلمة الثالثة في نصّ 10: 34 (يُستعمل الفعلان في صيغة المعلوم، لا المجهول). وزاد لوقا: "يُهان" (أو يُسخر منه). هناك مخطوطات كالبازي تودّ أن تلغي هذه اللفظة لكي تنسّق مع نصّ مرقس. إن استعمال المجهول يجعل النصّ غير واضح. من سام ابن الإنسان مثل هذه المعاملة؟ ولكن يبدو أن النصّ يعني "الأمم".
ما أنبىء به هنا قد تم في خبر الآلام اللوقاوي حيث هزأوا من يسوع بأقوالهم وأفعالهم.
"يُجلد ويُقتل". وجد لوقا أيضاً هذه الكلمات في مر 10: 34، وقد يكون أشار إلى أش 50: 6: "أدير ظهري للضاربين، وخديّ لناتفي اللحى. لم استر وجهي من التعيير والبصق".
"في اليوم الثالث". يقوم يسوع، لا "بعد ثلاثة أيام" (مر 8: 31)، بل اليوم الثالث (رج مت 16: 21). "يقوم" عاد لوقا هنا أيضاً إلى مر 10: 34.
"لم يفهموا شيئاً". مثل يوسف ومريم يوم ضاع يسوع في عامه الثاني عشر (2: 50). وها هو يسوع يتنبأ عن الاثني عشر الذين لا يبدو لهم مخطّط خلاص الله واضحاً. يجب أن يكشف حقاً. شدّد لوقا ثلاث مرات في هذه الآية على أن الرسل لم يفهموا. "لم يدركوا ما قيل لهم". ولكن مع خبرة بعد القيامة سوف يدركون (24: 13- 35). هل أراد لوقا أن يعذر الاثني عشر في هذه الآية؟
3- تفسير النصّ
في هذه النقطة من خبر السفر إلى أورشليم، بدأ يسوع يعلّم الاثني عشر بأسلوب خاصّ. فأعلن لهم مرة أخرى المصير الذي ينتظره في أورشليم (18: 31- 34).
وظلّ لوقا يتبع ترتيب مرقس للمواد، فأدخل في نصّه ما يقابل مر 10: 32- 34، أو ما سمّي الإنباء الثالث بالآلام. جاء هذا الإنباء في مرقس قريباً من الانباءين السابقين (9: 22، 43 ب- 45) بسبب المواد الواسعة التي أخذها الإنجيلي من المعين ومن مراجع خاصة به (9: 51-18: 14) بالإضافة إلى ذلك، أقحم لوقا مواد أخرى تشير بطريقة إو بأخرى إلى التعارض المقبل (رج 12: 50: لي معمودية؛ 13: 32- 33: اليوم وغدا وفي اليوم الثالث؛ 17: 25: ينبغي أن يتعذّب؛ رج9: 22).
كان 9: 22 قريباً بعض القرب في ألفاظه من مر 8: 31. أما 9: 43 ب، فجاء مستقلاً عن مرقس. ونقول الشيء عينه عن إنباء 18: 31- 34. ألغى لوقا كل إشارة إلى طريق يسوع إلى اورشليم (كما في مر 10: 32 أ)، وترك كل حديث عن خوف التلاميذ (مر 10: 32- ج). وبدأ مع اسم الفاعل (آخذاً الاثني عشر) الذي أخذه من مر 10: 32 د، وزاد مقدمة من عنده.
في البداية، تبع لوقا كلمات مرقس في 10: 32 أ، ولكنه ربطها بتتمة ما كتبه الأنبياء. وقدّم آ32-33 في صيغة المجهول، بينما جعلها مر 10: 33 ج- 34 في صيغة المعلوم. وفعل لوقا كما في 9: 22 فأحل "في اليوم الثالث" محلّ "بعد ثلاثة أيام" (كما في مرقس)، وفي النهاية ألّف قلمُ لوقا آ 34 التي هي تفسير خاصّ بلوقا حول عدم فهم الاثني عشر (لا شيء يقابل هذه الآية في مرقس). إنه يستعيد جوهر (لا كلمات) 9: 45. ومجمل القول، إن كان لوقا استلهم مرقس لتدوين هذا الحدث، إلا أنه أعاد تدوينه بشكل خاصّ جداً. وهو يتعارض مع مت 20: 17- 19 الذي يستلهم مرقس أيضاً. ومع أنه أوجز أقواله، إلا أنه تبع ترتيب الكلمات المرقسي أكثر مما فعل لوقا.
عالج شرام هذه الانباءات الثلاثة بالآلام وأعلن أن النموذج المرقسي للانباء بالآلام لم يؤثر على متّى ولوقا. مثل هذا الرأي يصعب قبوله في انباءات لوقا.
إذا عدنا إلى الفن الأدبي، نجد أن هذا المقطع ينتمي إلى أقوال يسوع، وهو يقع في خطّ الانباءين الأول (9: 22- 23) والثاني (9: 43 ب- 45)، كما يقابل أقوالاً أخرى أشار فيها يسوع إلى آلامه وموته وقيامته (مثلاً 13: 31- 35).
لقد وصلنا إلى نهاية خبر الصعود إلى أورشليم. ونحن نفهم مدلول هذا الانباء الذي أشار فيه يسوع إلى مصيره المقبل. والحدث المقبل يرينا يسوع آتياً إلى أريحا، على بعد مسافة قصيرة من أورشليم، المدينة التي فيها يتمّ مصيره. والانباء الذي يتفوّه به الآن، ويتوجّه به إلى الاثني عشر (يرتبط بمرقس: أخذ الاثني عشر على إنفراد)، يتخذ أهمية كبرى. جاء الانباءين الأول والثاني في ذروة ف 9. وجاء الثالث في خبر المسيرة إلى أورشليم، بعد أن هيأ له الدرب فصولٌ عديدة، فوصل بنا إلى الخاتمة.
غير أن هذا الانباء ليس تكراراً للانباءين الأولين. أولاً: ألغى لوقا كل إشارة إلى عظماء الكهنة والكتبة الذين (حسب مرقس) حكموا على ابن الإنسان بالموت وأسلموه إلى الأمم. قال لنا لوقا إنه أُسلم إلى الأمم، ولكنه لم يقل لنا من أسلمه. ثانيا: لم يلغِ لوقا تفاصيل وجدها عند مر 10: 33 ج- 34 كما فعل في 9: 34 ب- 45 (رج مر 9: 30- 32)، بل اعتبر أن الأمم سيسومون يسوع هذه المعاملات. ثالثاً: ربط لوقا كل هذا بتتمّة ما كُتب في الأنبياء. رابعاً: زاد تفسيره الخاص وتحدّث ثلاث مرات عن لا فهم الاثني عشر لمخطّط الله. ومجمل الكلام، إن هذا الانباء عن الآلام يهيّىء الدرب أمام حدث عمّاوس حيث البرهان عن النبوءة يجد تفسيره الواضح (24: 27، 44- 45). أخذ لوقا تفصيلاً من الكرازة المسيحية الأولى "كما في الكتب" (رج 1كور 15: 3- 4) وضمّها إلى انباء يسوع بآلامه وموته. غير أنه عبّر عنه بلغته.
كما صوّر الإنباءُ الثالث حسب مرقس، يسوع آخذاً الاثني عشر (10: 32 د)، هكذا فعل لوقا. وعاد إلى مر 10: 33 أ ليتحدّث عن "الصعود إلى أورشليم" (آ 31 أ) وعما سيحدث "لابن الإنسان" (آ 31 ج = مر 10: 33 ب). وحيث عدّد مرقس ستة أمور سوف تحدث، ذكر لوقا سبعة أمور فزاد لفظة "يهان" (هذا هو رقم الكمال). ولكن لوقا قدّم التعابير الأربعة الأولى في صيغة المجهول (يُسلم، يُسخر منه)، والتعابير الثلاثة الباقية في صيغة المعلوم (يجلدونه، يقتلونه، يقوم). وقال لوقا كما قال مرقس: "يقوم" (قال مت 20: 19: سيُقام أي سيقيمه الله).
رأى لوقا أن لافهم التلاميذ يرتبط بمخطّط الله في تاريخ الخلاص. ومع أن يسوع تكلم بوضوح في آ 32- 33، ضاع عليهم معنى ما قال. لم يفهموا أن ما قاله الانبياء عنه سيتّم. حين تنفتح عيونهم سوف يفهمون. وهكذا قدّم لوقا بطريقته الخاصة وعي المسيحيين الأولين الذي نجده عنه تفسيراً آخر في إنجيل يوحنا (2: 22؛ 12: 16؛ رج 11: 51- 52).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM