الفصل الرابع والأربعون: الأرملة والقاضي

الفصل الرابع والأربعون
الأرملة والقاضي
18: 1- 8

لا نقرأ هذا المثل إلا عند لوقا. وهو يطرح على الشرّاح مسائل عدة: دور لوقا في تدوينه. انتماء آ 6-8 إلى النصّ الأصلي. ترجمة آ 7. معنى النصّ في نظر يسوع.
نودّ ان نتفحّص هذا النصّ اولاً على مستوى لوقا، منطلقين من العناصر التي يقدّمها لنا: السياق، البناء، الأقسام المختلفة. وقبل ان نحاول تفسيره، نسعى إلى تمييز المواد التقليدية التي استعملها الإنجيلي.
1- السياق
أورد يسوع في الجزء الثالث من الصعود إلى أورشليم (17: 11- 19: 27) شفاءَ البرص العشرة (17: 12- 19)، ثم تعليما اسكاتولوجياً: سؤال الفريسيين عن مجيء ملكوت الله (17: 20- 21)، خطبة نبوية طويلة وُجهت إلى التلاميذ عن يوم ابن الإنسان (17: 22-27).
ويبدو أن يسوع أيضاً قال للتلاميذ مثل الأرملة والقاضي، أو مثل القاضي الذي تأخّر طويلاً قبل أن يحكم لأرملة تطلب الانصاف. إنه يرتبط ارتباطاً واضحاً بالسياق السابق عبر موضوع الدينونة والإشارة الأخيرة إلى ابن الإنسان (18: 8).
بعد هذا يأتي مثل الفريسي والعشار (18: 9- 14). أعطى لوقا المثلين بعدا مختلفاً (ق آ 1 وآ 9)، إلا انه ربط بينهما بالفن الأدبي الذي استعمله وبموضوع الصلاة.
2- بناء المثل
بُني المثل بناء محكماً، فتضمنت آياته الثماني الأمور التالية:
- مقدمة (آ 1) تدلّ على السامعين، على فنّ المثل الأدبي وهدفه.
- المثل في حد ذاته (آ 2- 5)
- تطبيق المثل (آ 6- 8)
* يستعيد الرب الحديث ليدعو إلى السماع (آ 6)
* يستخرج امثولة المثل بتناقض هو برهان "بالحري" (آ 7). وكل هذا ينتهي بتأكيد احتفالي: "أقول لكم" (آ 8 أ).
* سؤالا أخير يتحدّث عن ابن الإنسان (آ 8 ب)
وما يؤمّن وحدة المقطوعة هو التوجّه إلى القاضي من أجل الحكم. سيكون تأخر، وفي النهاية سيصدر الحكم فينصف هذه الأرملة.
3- المقدمة (آ 1)
آية لوقاوية بمفرداتها (قال مثلاً) والإهتمام بتحديد هدف المثل والحديث عن الصلاة. مثلاً في 14: 7 نعرف حالاً هدف المثل: للذين يختارون المقاعد الأولى. وفي 15: 1- 3 توجّه إلى الفريسيّين والكتبة الذي انتقدوا يسوع لأنه يرحّب بالعشارين والخاطئين. في 18: 9، للذين يثقون بأنهم صالحون ويحتقرون الآخرين. وفي 19: 11 للذين حسبوا أن ملكوت الله سيظهر في الحال.
توجّه يسوع إلى تلاميذه (رج 17: 22). أراد أن يعطيهم تعليماً هو تطبيق إرشادي للخطبة الإسكاتولوجية السابقة. وهذا ما نقوله أيضاً عن 1 2: 34- 36 (بعد 21: 8- 33): إنتبهوا لئلا تنشغل قلوبكم بالخمرة، أما النداء هنا فهو: صلّوا بلا ملل ولا تيأسوا. عباراتان بولسيتان (روم 1: 10؛ 2 كور 4: 1، 16؛ غل 6: 9؛ أف 3: 13؛ فل 1: 4؛ كو 1: 3؛ 2 تس 1: 11؛ 3: 13؛ فلم 4).
4- المثل (آ 2- 5)
ويظهر الشخص الرئيسي، وهو الشخص الوحيد الذي سنتحدّث عنه في التطبيق (آ 2). إنه قاض يعمل في مدينة صغيرة وهو مطلق الصلاحية ليحكم كما يشاء من دون استئناف. ويصوّر النص تفكيره العميق لأنه هو محرك الخبرة: لا أمل يرجى منه بأن يصدر الحكم. لن نبحث هنا عن بواعث لا تعني المثل في شيء مثل حبّ الثروة عند القاضي، أو كفره وعدم إيمانه. نشير هنا أيضاً إلى أن أغوسطينس قابل بين الأرملة والكنيسة وتبعه عدد من الشرّاح، ولكن هذا التماثل لا يجد ما يسنده في المثل.
وأمام هذا القاضي وقفت ارملة (آ 3). حالتها هي نموذج الإنسان الذي ليس له من يدافع عنه. جاءت الى القاضي المرّة تلوَ المرّة وقدمت له طلبها البسيط: انصفني من خصمي (قد يعني الفعل: انتقم ولكن هذا المعنى لا يتوافق مع طلبها إلى القاضي). الموضوع: دين، ميراث، ضرر؟ هل قضيتها شرعية ام لا؟ من هو خصمها؟ كل هذا يبقى مجهولاً.
فالخبر كله يتركّز على نقطة واحدة: يتساهل القاضي ويتأخر عن البت (آ 4) دون الإهتمام بما يفرضه التقليد عليه بأن ينصف الأرملة (خر 22: 21؛ تث 27: 19)، بأن لا يظلمها (إر 7: 6؛ زك 7: 10؛ ملا 3: 5)، بأن يقضي لها (أش 1: 17، 23).
وفي النهاية عزم القاضي على إصدار الحكم. وقدّم لنا السبب في حوار داخليٍ ، هو بعيد كل البعد عن التحليل السيكولوجي، ولكنه يشكّل نهجاً معروفاً في الأمثال من أجل توجيه العمل (مثلاً مر 12: 6 وز؛ مت 21: 28؛ 24: 48= لو 12: 45؛ رج 12: 17- 18؛ 15: 17- 19؛ 16: 2)، فبيّن أنه ليس للقاضي بواعث ذات قيمة (إستعاد هنا آ 2): هو يفعل مدفوعاً بالأنانية الصرف، لان هذه المرأة تتعبه، وستعود إليه المرة بعد المرة فتزعجه (حرفياً ضربته تحت عينه). وسيجد التطبيق طريقة "بالحري". إذا كان القاضي الظالم أجاب على إلحاح هذه الأرملة، فكم بالحري سينصف الله مختاريه؟
يبدو هذا المثل في شكله فنّاً أدبيّاً نقيّاً بإيجازه وبساطة العمل الذي فيه، وطابع الأشخاص الذين يبدون كنماذج، والإبتعاد عن كل تفصيل تفسيري. كل شيء يؤول إلى العمل.
5- تطبيق المثل (آ 6- 8)
إن هذا المثل، شأنه شأن عدد كبير من أمثال الإنجيل، ينتهي بتطبيق يستخرج مدلوله. ولكن سنرى أن هذا المقطع يطرح عدة أسئلة.
* يبدأ بآية مقدمة (آ 6) تشير إلى 16: 8- 9. إنه لوقاوي بكلماته الأولى (تدخّل يسوع في نهاية المثل، لقب "كيريوس" أي الرب، التأكيد الإحتفالي: "أقول لكم")، كما نكتشف فيه إشارات قديمة في ظاهرها مثل الدعوة إلى السماع بعد المثل والعبارة السامية "قاضي الظلم " (او: القاضي الظالم).
المعنى واضح. حين سمّى لوقا يسوع "الرب"، أراد أن يدلّ على سلطته في بداية تعليم مهمّ. وحين وصف القاضي بأنه "بلا عدالة"، فهو يسبق على كل التباس مع الديان العادل (وهذا ما نقوله أيضاً عن الوكيل الذي بلا عدالة، 16: 8). هنا ندرك كم يبتعد المثل عن الإستعارة (كل تفصيل له تطبيقه). إنه يتركّز كلّه على عمل القاضي، لا على شخصه الذي لا يمثل الله ابداً.
* وبعد المقدمة يأتي التطبيق بسؤال حماسي (آ 7) يبرز الإستنتاج "بالحري": من يتجاسر أن يظن أن الله لا يُنصف "مختاريه"؟ نادراً ما يستعمل لوقا هذه المفردة، وهو لا يطبقها ابداً على البشر. إن لهذه المفردة بُعداً اسكاتولوجياً (كما في مر 13: 25، 22، 27= مت 24: 22، 24، 31) وهي تدل على الذين يقبلون في ملكوت الله. فإن صرخوا ليل نهار، فلكي يطلبوا الدينونة الأخيرة التي تضع حداً لضيقهم (رؤ 6: 9- 11 حيث نجد إشارة إلى الإنتقام غائبة من الإنجيل).
وتبدو الكلمات الأخيرة في آ 7 صعبة بسبب بنائها. كيف نربط هذه الجملة بالتي قبلها؟ ما معنى كلمة "مكروتوماين"؟ قال بعض الشرّاح: نحن أمام ترجمة لأصل سامي. ولكن، قبل ذلك، أي معنى أعطى لوقا لنصّه اليوناني؟ من أجل هذا نعمل على مراحل.
* لا يمكن ان يكون للفعل "مكروتوماين " من فاعل إلاّ الله. لهذا يصوّر موقفه تجاه مختاريه وهم الأشخاص الوحيدون الذين يذكرهم النصّ في صيغة الجمع. ومعنى الفعل؟ لا نجده في الأدب الدنيوي السابق للسبعينية التي تستعمله عشر مرات تقريباً ليعني: "كان صبوراً، متسامحاً" (أم 19: 11؛ سي 2: 4؛ 18: 11؛ 29: 8؛ با 4: 25؛ 2 مك 6: 14). ويعني أيضاً: "ثابر، مدّ" (أي 7: 16؛ 2 مك 8: 26؛ جا 8: 12 في اختلافات). ثم "تأخر، أطال باله " (سي 35: 19). كل هذه المعاني نجدها في العهد الجديد: "صبر، أمهل" (مت 18: 26، 29، 1كور 13: 4؛ تس 5: 14؛ يع 5: 7- 8). "ثابر" (عب 6: 15)، "أطال روحه" (2 بط 3: 9). هذا المعنى الأخير هو الذي يوافق أفضل موافقة المقطع الذي ندرس، هذا المقطع الذي يتركز على مهلة (تأخر) تدخل الله من أجل مؤمنيه (كما في 2 بط 3: 9)، والذي يذكرنا بنصّ سي 35: 19.
* وقدّمت كل الافتراضات الممكنة من أجل بناء النصّ.
أولاً: أكثرُ الشرّاح يربط آ 7 ج مع آ 7 أ ("والله ألا ينصف"؟).
إما في موازاة دقيقة: أما يكون الله صبوراً تجاههم؟
إما في تعارض: "ويتأخر"؟ أو "ويصبر"؟
إما مع متّى: حتى ولو أطال روحه.
إما جملة زمنية: هو يطيل روحه، وإذ يبدو صبوراً.
ثانياً: بعضهم يربط "ويطيل روحه " بالمختارين الذين يصرخون إلى الله في جملة مع الموصول: "الذين يكون تجاههم صبوراً" او "الذين يسمعهم يصرخون فيحن عليهم" أو "الذين يكون حنوناً لهم". افتراض لا بأس به، ولكن هل أراد لوقا لنصّه هذا المعنى؟
ثالثاً: هناك من يجعل من آ 7 ج جملة مستقلة عن سابقتها:
- حاشية مأخوذة من سي 35: 19 حول موقف الله تجاه الكافرين. في هذا الحال، لم نعد بحاجة إلى بحث عن تماسك النص.
- تأكيدية مبدأية: إنه يتحنّن... إنه يصبر عليهم.
- تعجب مع شكّ: "ويطيل روحه عليهم".
* أجاب يسوع (آ 8) بعبارة تأكيد إحتفالي (أقول لكم) نجدها مرات عند لوقا في تطبيقات الأمثال: في أمثال الرحمة (15: 7، 15)، في مثل الوكيل الخائن (16: 9)، في مثل الفريسي والعشار (18: 14). إن الله سيُنصف أخصّاءه كما قالت آ 7 أ وسيفعل سريعاً، في الحال. إقترح بعضهم أن تترجم "ان تاخاي": فجأة، بدون انتظار، لأن بعض نصوص السبعينية (تث 11: 17؛ يش 8: 18-19؛ مز 2: 12) تشير إلى هذا المعنى. ولأن ردة الفعل قوية عند لوقا ضد انتظار مجيء (الرب) القريب (17: 23؛ 19: 11؛ 21: 8- 9). ملاحظة صحيحة، ولكن "ان تاخاي" تعني دوماً عند لوقا "بسرعة" (أع 12: 7؛ 22: 18؛ 25: 4). وهذا المعنى هو الأفضل كجواب على الإعتراض في آ 7 ج: كلا، ان الرب لا يتأخر ولا يتباطأ. إنه ينصفهم في الحال. وهذا التأكيد لا يزيد شيئاً على ساعة لا نعرفها (12: 35- 40؛ أع 1: 7).
وينتهي تطبيق المثل في وسط آ 8، وتُستخرج أمثولة الخبر كلها. سيكون الإنصاف سريعاً للذين يدعونه. إذن، ندهش حين تجد في آ 8 ب قولاً عن شخص وموضوع جديدين: ابن الإنسان والإيمان. وعبارة "بلان" (معروفة لدى لوقا) التي تبدأ القول تعطيه معنى "اما" و"لكن" كما في السبعينية.
نحن الآن أمام مجيء ابن الإنسان، وهو موضوع اسكاتولوجي متواز في الأناجيل (رج مر 8: 38؛ 13: 26؛ 4 1: 62 وز) ومتضمن هنا في سياق لوقا (رج ذكر "يوم ابن الإنسان" أربع مرات في 17: 22، 24، 26-30). لا يُصوّر هذا المجيء ولا يُذكر من أجل ذاته، إنه يشير فقط إلى نهاية الأزمنة.
حينئذ يُطرح سؤال تدلّ الأداة "انا" كم يكون الجواب غير أكيد. أيكون إيمان بعد في اليوم الأخير؟ تكمن السمة المهمة هنا في ذكر "الايمان" مع ال التعريف وبدون مضاف إليه. لا نجد هذه العبارة في الأناجيل الا في مت 23: 23 حيث تعني كما في التوراة: "الأمانة". يستعمل لوقا المفردة مراراً في الأعمال ليدلّ على التعليم الإنجيلي (6: 7؛ رج 15: 9)، على التعلق الحي بهذا التعليم (7:13؛ 14: 22؛ 16: 5) الذي يبرزه أيضاً بالإستعمال المطلق" لفعل "آمن" من دون مفعول (8: 12، 13؛ أع 2: 44؛ 4: 4، 32؛ 8: 13؛ 11: 21؛ 13: 12، 39، 48؛ 15: 5، 7؛ 17: 12، 34؛ 18: 8، 27؛ 19: 2، 18؛ 21: 20، 25). نحن أمام تجنّد للرب نعيشه في الأمانة الملموسة، أمانة الشهادة والحياة. وحسب 18: 1 قد يفكر لوقا خاصة بالمثابرة على الصلاة.
يدل سؤال يسوع على أن الخطر يهدّد هذا الإيمان. إن لوقا يفكّر حسب خبرته بالإضطهادات التي تفرض على المؤمنين واجب الشهادة ليسوع ولو خاطروا بحياتهم (6: 22- 23؛ 9: 26؛ 12: 4، 8- 12؛ 21: 12- 19؛ أع 7: 55- 60؛ 12: 2؛ 21: 13؛ 22: 20؛ 23: 11). وقد يفكر أيضاً بالأخطار التي سيحملها المضلّون إلى الكنيسة بعد موت الرسل (أع 20: 28). ولكنه لا يشدّد كثيراً على هذه النقطة.
وفي النهاية، يتضمّن هذا السؤال تحريضاً ملحاً للمؤمنين الذي ينتظرون مجيء ابن الإنسان. وعدهم المثل أن الله لن يتأخّر في إنصاف مختاريه الذين يعيشون في محن العالم. ولكن هل يبقون هم أيضاً أمناء حتى النهاية في الصلاة (رج 21: 34- 36)؟
6- المعطيات التي استعملها لوقا
أبرزت قراءة النصّ مراراً ما هو دور لوقا الأدبي ولا سيّما في ما يتعلق بالوصلات التي تشكّلها آ 1، 6، 8 ب (بلان). ولكن من الواضح أن لوقا يعمل على مواد تقليدية. لهذا يبدو من المفيد أن نستخرج هذه المواد قبل أن نحدد المعنى الذي أعطاه لها.
أ- يرى النقاد عامة أن آ 8 ب عن ابن الإنسان لم تكن تنتمي في البداية إلى المثل. يرتكز هذا الحكم ثابتاً على ما في موضوعَي ابن الإنسان والإيمان من جديد (غابا من المثل)، كما يرتكز على التعارض بين يقين الخلاص القريب (آ 8 أ) والشكّ بأمانة المؤمنين (آ 8 ب). ولكن من اين جاء القول في آ 8 ب؟
- شرّاح ينسبونه إلى تدوين لوقا. ولكن لا سند لهذا الإفتراض في المفردات ولا في الشكل ولا في المضمون.
- غيرهم ينسبون تكوين القول إلى مرحلة من التقليد سابق للوقا، ويربطونه بقلق الكنيسة المضطهدة او التي تجتاحها الهرطقة أمام تأخّر مجيء الرب.
- هذا التفسير ممكن ولكن هل وُلد القول فقط من الخبرة الفصحية؟ إنه يحمل عدة سمات من فكر يسوع: الأهمية المعطاة للإيمان، العودة إلى مجيء ابن الإنسان، التشاؤم فيما يخص الخلاص. ولهذا يقول عدد من الشرّاح إن هذا القول يعود إلى الرب، وإنه يعبّر عن الضيق أمام رفض تعليمه ورسالته.
ب- هل انتمى التطبيق (آ 6- 8 أ) في الأصل إلى المثل؟
- رفض بعضهم هذا الإنتماء لأسباب أدبية: مقدمة لوقاوية كما في 16: 8، غياب التطبيق في عدد من الأمثال ولا سيّما في المثل الموازي في 11: 5- 8، معارضة بين فكرة المثل (ليست اسكاتولوجية) وفكرة تطبيقها. ورأى بعض الشرّاح أن ينسبوا إلى لوقا تدوين آ 6- 8.
- إلا أن الذين يظنون أن التطبيق ارتبط منذ الأصل بالمثل لا يزالون عديدين. وبراهينهم الرئيسية هي: التماسك بين القسمين، التطبيق الكامل مع لفظة "بالحريّ"، الفائدة من التطبيق لفهم هذا المثل الصعب، لغة قديمة ولا لوقاوية. وهم يختلفون عن الأولين فيفهمون المثل الأصلي في معنى اسكاتولوجي، وهذا معقول جداً في مجمل الإنجيل كما ينبسون أيضاً آ 8 أ إلى يسوع. مثل هذا الرأي له أساسه الأكيد (علاقة مع الصديق الذي يوقظه صديقه في الليل، 11: 5- 8).
7- فكر لوقا وفكر يسوع
إن مختلف المعطيات التي اشرنا إليها حتى الآن تتيح لنا الإقتراب من المثل على مستوياته المتنوعة. حين قدّمه لوقا على أثر خطبة ابن الإنسان وختمه بالقول في آ 8 ب، دلّ على أنه يفهمه في معنى اسكاتولوجي. وفي هذا ظلّ اميناً لنظرة يسوع الأصلية، وهو سيسمّيه في النهاية ابن الإنسان. فكّر يسوع ولا شكّ في دينونة الله. فأشار لوقا ان يسوع هو الذي يمارس هذه الدينونة. وهكذا اعطى للمثل رنة كرستولوجية.
لا شكّ في أن لوقا دوّن المقدمة في آ 1. ودلّ فيها على أنه يرى في المثل دعوة إلى الصلاة المستمرة، وهذا تعليم عزيز على قلبه. وجرّت هذه النظرة الإرشادية تبدلاً في الإتجاه. ركّز يسوع المثل على القاضي وعلى مهلة القضاء. أما لوقا فاهتم بالأرملة التي صارت نموذج المؤمنين الذي يصلون بثبات وإلحاح. نحن نفهم كيف يتلمس الشرّاح طريقهم هنا حين يريدون أن يعطوا عنواناً للمثل: عليهم أن يختاروا بين مستويين يقرأونه فيه.
حين زاد لوقا في النهاية آ 8 ب، أعطى هذا القول وظيفة إرشادية، وظيفة تحريض على الإيمان. قد يكون عبّر هذا القولُ عن ضيقه كمسؤول عن خلاص شعبه.
وهكذا احتفظ لوقا بتقليد كلمات يسوع بأمانة. ولكنه لوّنها بتعليمه عن الكرستولوجيا، باهتمامه الإرشادي، وحاول أن يجيب على حاجات كنيسة عصره

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM