الفصل التاسع والعشرون: يا أورشليم، يا أورشليم

الفصل التاسع والعشرون
يا أورشليم، يا أورشليم
13: 34- 35

ليست أورشليم هدفاً جغرافياً في مسيرة يسوع، في "صعوده إلى أورشليم". إنها موضع استشهاده. بل هي أكثر من هذا: ستكون المدينةُ المقدّسة السبب في موته. والشرّ الذي يجعل عدداً من محاوري يسوع يرذلون، هو مقتل النبي يسوع في عاصمة الشعب المختار.
يوجّه يسوع كلامه مباشرة إلى أورشليم، يناديها مرتين، يعدّد أخطاءها، ينذرها. قتلت مرسلي الله وما زالت. رفضت كل المحاولات التي بذلت لجمع أبناءها وحمايتهم من الدينونة الآتية. لهذا سيترك الله بيته كما في أيام حزقيال، فيدمّر الهيكل كما دمّر سنة 587 ق. م. ولكن هناك مهلة للتوبة والعودة إلى الله. ستقولون: "مبارك الآتي باسم الرب".
أ- قراءة إجمالية
تحدّثنا 13: 31- 35 عن موت يسوع في أورشليم. تبدو آ 31- 33 ملخصاً للفصلين 12- 13، وتشكّلان مقدّمة لمرثاة يسوع على أورشليم التي تمثّل البلاد كلها.
مع هذه الآيات، ينتقل مصير يسوع المأساوي إلى المقام الأول، فيلقي ضوءاً على سؤال طُرح في بداية الفصل حول معنى موت الإنسان (13: 1- 5: كيف مات هؤلاء). "أراد" هيرودس أن يقتل يسوع. نبّه الفريسيون يسوع، فترك الجليل الخاضع لسلطة التترارخس (رئيس الربع). هل يريد أن يتفلّت من الموت؟ بل هو يتابع مسيرته إلى أورشليم. ويُذكر هنا من جديد معني موته: هو لا يفاجئه. يعرف أين سيموت. وكيف سيموت. وهو متأكد أنه لن يموت في عرين هذا "الثعلب" (في التقليد الراباني: مقابلة بين الأسد والثعلب. ليس هيرودس هو الأسد، أي الملك المهاب). لقد تساءل هيرودس عن يسوع (9: 7- 9). وها هو يسوع يرسل الجواب من خلاله الأشفية التي يقوم بها.
إن يسوع يواجه موته بحرّية، بعد أن ينهي رسالته. وسيموت في أورشليم. أما حزن يسوع فليس على موته، بل على أورشليم. أراد أن يجمع أبناءها، ناداها. فأجابت بنواياها القاتلة. والنتيجة: "سيُترك لكم بيتكم خراباً". هنا نتذكّر إر 12: 7 يتحدّث بلسان الرب: "تركت بيتي وهجرت أرضي، وسلّمت محبوبتي إلى أيدي أعدائها". ويقوله إر 2: 5 مهدّداً شعبه: "إن كنتم لا تسمعون لهذا الكلام، سأجعل هذا البيت خراباً". وقال مز 69: 26: "تصير ديارهم خراباً، ولا يكون في خيامهم ساكن".
حين يُقتل يسوع، يكون الله قد طرد من أرضه. زال حضوره. ترك الهيكل وأورشليم (حز 11: 23: ذهب مجد الرب إلى شرقي المدينة، بانتظار أن يذهب مع المسبيين إلى بابل). إن الخطيئة التي كشفت في 13: 1- 9 تصل إلى هنا: فالناس سيقتلون مرسل الله (آ 34)، ويرفضون أن ينفتحوا على الحياة الوافرة التي تُعطى لهم. وهكذا نلتقي مع ردّة الفعل العنيفة على هذا المصير الذي أشارت إليه مسبقاً الخطبة التدشينية في الناصرة (4: 16- 30): "أخرجوه خارج المدينة (الناصرة أو أورشليم) وجاؤوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنيّة عليه ليلقوه منها. لكنه مرّ من بينهم (قام) ومضى (في سبيله)".
هذا هو التعليم الذي نكتشفه في ف 13. إن موت كل إنسان، وخصوصاً موت يسوع، يكشف خطيئة الإنسان ويدعوه إلى التوبة. غير أن هذه الخطيئة لا تستطيع أن تفشل صبر اللهّ الذي لا حدود له. فملكوت الله بدأ يتحقّق وهو يتابع طريقه في العالم ولن يتوقّف. إنه كالزرع الذي ينبت من ذاته سواء نام الزارع أم قام (مر 4: 27). وهكذا تتخذ المسيرة إلى أورشليم معناها: لا رجوع عن هذا الصعود، مهما كانت النتيجة. قال يسوع "يجب" (آ 33). وهو يسير في طريقه بحزم وعزم. يقول النص الحرفي: قسّى وجهه (نقوله: استقتل) وسار إلى مصيره كنبي، وذلك من أجل حياة البشر. فمن هذا الموت ستتفجّر الحياة. لقد قال يسوع لرفيقيه في طريق عماوس: "كان على المسيح أن يتألّم كل هذا قبل أن يدخل في مجده" (24: 26).
كل هذا يدعو الناس إلى التوبة، وأورشليم إلى عودة جذرية إلى ربّها. سُفك الدم الزكي، سُفك دم المرسل الأخير، لهذا ترك الله هيكله ومدينته وما عاد يحمي شعبه. قدّم الخلاص إلى ممثّلي الشعب اليهودي مرة ومرتين (5: 21، 30؛ 19: 39، 47)، فجاء جوابهم رفضاً وعناداً. لهذا جاءت الدينونة التي ليست نتيجة عمل اعتباطي من قبل الله، بل تكريساً لمقاومة عنيدة تجاه كل نداءات النعمة. لم ينتج مصير إسرائيل عن حتميّة لا مناص منها. ولم يفرض فرضاً. إن إسرائيل اختار مصيره. ترك ربّه، فتركه ربّه، وترك له بيته "خراباً". هذا ما حدث لأورشليم سنة 70. وكان خراب المدينة رمزاً إلى نهاية عالم يهودي وبداية عالم آخر ينطلق مع شعب الله الجديد، مع إسرائيل الجديد.
ويؤكّد يسوع هذا العقاب بشكل احتفالي في آ 35: فمواطنوه الذين رفضوا أن يروا فيه ذاك الذي يجمع إسرائيل، لن يروه بعد الآن في هذا الدور. وإذا كان مرسل الله الملكي سيتلقّى هتاف مز 118: 26 حين دخوله إلى أورشليم (مبارك الآتي باسم الرب)، فهو لن يتلقّاه من أورشليم، بل من "مجموعة التلاميذ" (19: 38). أما قاتلو الأنبياء، فسوف ينتظرون عودة المرسل الإلهي على السحاب (21: 27) آتياً في القدرة والمجد. إنه سيتجلّى لا ليجمع كما فعل خلال حياته على الأرض، بل ليدين شعبه. ولكن شعبه تأخر فبكى عليه.
ب- قراءة تفصيلية
إن تفكير يسوع في موته كنبي في أورشليم، يتداخل مع رثاء على المدينة التي رفضت أن تستقبل مرسلي الله. تكلّم يسوع كما تكلّمت الحكمة (هو حكمة الله) فأعلن تحسّره: كم مرّة أراد أن يجمع شعب أورشليم بين ذراعيه كما تجمع العصافير فراخها. ولكنه رُذل هو نفسه. فلا يستطيع الآن إلاّ أن يعلن حكم الله على المدينة التي سيتخلّى عنها حضور الله. وهو لن يتراءى إلى أن يتمّ رجاء مجيء المسيح.
1- يا أورشليم، يا أورشليم (آ 34)
من يتكلّم هنا؟ الله، يسوع، الحكمة؟ بالنسبة إلى الحكمة، هناك تقابل بين ماضي أوشليم (مدينة داود) التي عارضت مرسلي الله، والحقبة التي فيها أرسلت الحكمة رسلها. إن الحكمة أرسلت خدمها إلى البشر، وتمنّت أن تقيم معهم (سي 24: 7- 12). إن يسوع استعمل لغة الحكمة ليعبّر عن شعوره وألمه تجاه رفض أورشليم لكل نداءاته. يسوع هو آخر مرسلي الحكمة.
"يا أورشليم". نجد الشكل الارامي للكلمة (رج 2: 22). ويستعمل اسم الفاعل (قاتلة) فيدلّ على أنّ أورشليم مستعدّة منذ الآن لتقتل رسل الله وترجمهم. يتحدّث 1 مل 18: 4، 13 عن إيزابيل التي قتلت الأنبياء، فهتف إيليا أمام ربّه: "هدموا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف" (1 مل 19: 10). ويروي إر 26: 20 ي كيف تنبّأ أوريا بن شمعيا فطلب الملك قتله. وتحدّث يسوع عن الرجم في مثل الكرّامين القتلة. بل كاد يُرجم مراراً بيد اليهود (يو 8: 59؛ 10: 31: وجاء اليهود بحجارة ليرجموه). أما اسطفانس فسيموت رجماً (أع 7: 58- 59؛ رج 14: 5 وما تهدّد بولس وبرنابا).
المرسلون هم الأنبياء (أش 6: 8؛ إر 1: 7). وهم أيضاً بشكل خاص الرسل وأوّلهم يسوع المسيح (أع 10: 17؛ 11: 11؛ رؤ 5: 6). "كم مرة" (بوساكين) (مت 18: 21؛ 23: 37). هذا يدلّ في معنى أول على زيارات عديدة قام بها يسوع إلى أورشليم (كما يقول يوحنا، ويلمّح لولا من خلال ذكر أورشليم في صعود يسوع إليها). أولاد أورشليم هم في المعنى الأول: اليهود في شكلٍ عام. ولكن هناك معنى أعمق: فيسوع يعبّر عن شوقه العميق في أن ينتشر تعليم الملكوت في أورشليم، ويرى سكانها يتجاوبون مع هذه الرسالة الآتية من السماء.
"كما تجمع الدجاجة فراخها". فعلة العناية والاهتمام والحماية. ترد هذه الصورة مراراً في العهد القديم. يتحدّث تث 32: 11 عن "النسر الذي يغار على عشّه، وعلى فراخه يرفّ، فيفرش جناحيه ليأخذهم ويحملهم على ريشه". ويصلّي المرتّل فيقول: "إحفظني مثل حدقة العين، وفي ظلّ جناحيك استرني" (مز 17: 8). ويقول: "ما كرم رحمتك يا الله! في ظل جناحيك يحتمي البشر" (مز 36: 8؛ رج 57: 2؛ 61: 5؛ 63: 8؛ 91: 4). وقال الرابانيون: إن المرتدين يحتمون تحت جناح "شكينة" (أي: الحضور الإلهي، أي: الله). هذا ما أراده يسوع. أرسل كمنادٍ لملكوت الله الخلاصي، فرُفض نداؤه. رُفض اهتمامُ الله بشعبه. إن مشروع يسوع كواعظ بالملكوت قد لقي المعارضة التامة. لقد فضّل شعبه النبيذ القديم ورفض الجديد الذي يقدّمه له الله (5: 39). إنه يحتاج إلى الارتداد.
2- ها هو بيتكم يترك (آ 35)
بعض المخطوطات (مثلاً، البازي) تزيد "خرابا"، فترتبط بنصّ إر 22: 5. أما أفضل المخطوطات (بردية 75، السينائي، الاسكندراني...) فلا تذكر لفظة "خراباً".
ما معنى لفظة "بيت" (أويكوس)؟ إنها تشير إلى هيكل أورشليم، وقول يسوع يُنبئ بخرابه. رج مر 13: 2 الن يترك هنا حجر على حجر). وتشير أيضاً في معنى اوسع: أهل البيت. أي الشعب اليهودي عامة وسكّان أورشليم خاصة.
"أقول لكم" كما في 13: 24 (أقوله لكم: كثيرون يسعون أن يدخلوا، ولا يقدرون). نجد هذه العبارة في بردية 45، والسينائي... ولكنها غير موجودة في بردية 75، الاسكندراني... مع الأداة: ولكن. إذن من الأفضل أن نقول: "ولكن أقول لكم" مع الخطبة المباشرة: لن تروني.
"إلى أن يأتي وقت تقولون فيه". هناك اختلاف في المخطوطات. نقرأ في بعضها: "إلى أن يأتي حين تقولون". ألغى مت 23: 39 "يأتي حتى" فصار: إلى أن تقولوا. ويزيد مت 23: 29: من الآن، بعد. هي أداة اعتاد متّى على استعمالها (26: 29، 64).
"مبارك الآتي باسم الرب!. رج مز 118: 26 حسب السبعينية. سيعود الاستشهاد في 19: 38 بعد تحويل وزيادة معنى آخر: خلال دخول يسوع الملوكي إلى أورشليم، هتف حشد التلاميذ: مبارك الملك الآتي باسم الرب. إن مز 118 هو آخر مزامير الهلالي (113- 118) التي تُتلى في الأعياد الكبرى. ومع أن مز 118 هو مديح شكر يوجّه إلى الله من أجل الخلاص من الحرب (يعود الملك منتصرا فيستقبله شعبه عند دخوله إلى المدينة)، فإن آ 26 هي نشيد شعب أورشليم في استقبال الحجّاج الآتين إلى أورشليم للإحتفال بالأعياد ولا سيّما بعيد الفصح.
خ- تفسيرالنمق
كان الحدث السابق (13: 31- 33) في خبر الصعود إلى أورشليم، قد انتهى مع جواب يسوع لتهديد هيرودس، والإقرار الضمني بأنه يواجه مصيره كنبي في أورشليم، التي يتوجّه إليها. إن آخر لفظة في هذا الحدث كانت: "أورشليم" (لا يهلك نبي خارج أورشليم، آ 33). وفي الحدث الذي ندرس الآن (آ 34- 35)، يبدأ الكلام مع أورشليم (تذكر مرتين). نحن أمام مناداة لأورشليم يرتبط بتوبيخ وتهديد. تكرار الإسم يدلّ على الأهمية المعلّقة على الكلمات التي تتبع. هذا ما نجده في تك 2: 11: "نادى ملاك الرب: إبراهيم، إبراهيم. عرفت أنك تخاف الله". وفي خر 3: 4 قبل وحي العلّيقة الملتهبة. ناداه الرب: "موسى، موسى".
إستقى لوقا هذا المقطع الصغير من المعين. ونجد ما يقابله في مت 23: 37- 39 الذي يلي لائحة طويلة من التوّيلات (الويل) وجّهت إلى الكتبة والفريسيين. يبدو أن متّى احتفظ بالنصّ الأصلي للمعين. فهنا يسوع يرثي المدينة وهو في داخل المدينة. أما في لوقا، فقد وضع الرثاء على شفتي يسوع الذي ما زال بعد في طريقه إلى أورشليم. في هذا السياف اللوقاوي يتّخذ الرثاء وظيفة مختلفة. نصّ لوقا قريب جداً من نصّ متّى. أمّا التصحيحات التي قام بها لوقا فهي تطفيفات وتتوخّى تحسين اللغة اليونانية.
من الوجهة النقدية، نستطيع أن نفهم المقطع على أنه قول تحذير وتهديد. الدينونة قريبة. يعلنها وجه نبوي ومعلّم حكمة يقترب من أورشليم. اعتبر بولتمان أننا أمام قول يهودي استعاده يسوع أو استعادته الجماعة المسيحية الأولى وزادت عليه: "لا ترونني حتى تقولوا". ومن أحد أسباب هذا القول هو الكلام عن عدد المرّات التي فيها كان يسوع في أورشليم. فالأناجيل الإزائية تتحدّث عن زيارة واحدة. هنا نتذكّر أننا لا نفهم فقط "كم مرّة" في المعنى المادي (مع العلم اننا نكتشف في صعود يسوع إلى أورشليم حسب لوقا أكثر من زيارة) والتاريخي. زيارة يسوع نفهمها بالمعنى الروحي، هي زيارة حكمة الله التي تبدو بشكل معلم يحذر تلاميذه.
إن هذا الحدث (آ 34- 35) يتوافق في إطار لوقا مع الخبر الذي سبقه (آ 31- 33). فالحدثان يرتبطان ب "خروج" يسوع (9: 31، من هذا العالم، أي: موته). ففي هذه المرحلة من الإنجيل الثالث، يصوّر لنا التقليد يسوع عائداً إلى نفسه على أنه المرسل الآتي من السماء، والمنادي بحكمة الله، والمتحدّث عن الوضع المؤلم الذي ستعرفه أورشليم، عاصمة شعب الله. في المعنى الأول، قد يكون يسوع نظر إلى المصير الذي يناله حين يصل إلى أورشليم. وعادت الكنيسة فقرأت الحدث كلّه على ضوء دمار أورشليم سنة 70 ب. م.
إن الرثاء الذي نقرأه هنا هو صدى لأرثية عديدة على أورشليم في العهد القديم. هناك مثلاً رثاء نُسب إلى إرميا بعد موت يوشيا (2 أخ 35: 25). إن يسوع يتألّم في صراخه على المدينة: أي مصير مجيد كان لمدينة داود وأي مصير يمكن أن يكون لها؟ ولكن كل هذا تبدّل. فعاصمة شعب الله التي كان بإمكانها أن تتقبّل يسوع وكرازته، تحوّلت فصارت المدينة التي ترفضه، رغم حماس في البداية كان في الواقع سطحياً.
يروي الخبر اللوقاوي أنّ الشعب جاء إلى يسوع من أورشليم ليسمع له (5: 17: جاؤوا من اليهودية ومن أورشليم؟ 6: 17). وكان بينهم أشخاص غير مستعدّين لأن يقبلوا بشارة الملكوت. هؤلاء في النهاية كانوا "أولاد" أورشليم (الأولاد يشبهون أمّهم) الذين أراد يسوع أن يجمعهم بقلب مفعم بالفرح. وسجّلت ردّات الفعل من قبل أهل أورشليم في 5: 21 (من هذا الذي يحدّث؟)، 35 (تذمّر الفريسيون وكتبهم)؟ 6: 2 (ما لكم تفعلون)، 7 (كان الفريسيون يراقبون يسوع)؟ 7: 30 (أبطلوا ما راده الله)؟ 11: 45 (أنت تشتمنا). رج 19: 39، 47؛ 20: 19؛ 22: 2.
حين قابل يسوع نفسه مع الدجاجة، استعمل صورة تدلّ على حبّه وعلى اهتمامه بمعاصريه، فدل هكذا بطريقة تبرز على إنشغال الله بعمل الخلاص الذي أرسل يسوع ليعلنه (4: 43). غير أن أورشليم لم تبحث عن السلام في حماية أجنحة الحكمة التي أرسلت من السماء. لهذا تُركت مثل أرملة لا معين لها وصار بيتها خراباً. وسواء كان البيت هيكل أورشليم أو شعب الله المقيم في أورشليم، فالدينونة هي هي.
ومن جهة أخرى، لن تنظر أورشليم إلى هذا المرسل من السماء والحامل حكمة الله (11: 49) إلى أن تراه آتياً في دور آخر. فالقول الذي حُفظ في المعين واستعمله متّى، يشير إلى مجيء يسوع المعادي، إلى مجيئه كديّان. ولكنه يتّخذ في لوقا مدلولاً آخر: إنه يدّلنا أولاً على يسوع الآتي إلى أورشليم كالملك "باسم الرب (19: 38). أي كالمنادي الملكي بملكوت الله. ولكن حينئذ كالملك المرذول الذاهب إلى الصلب والذي تبكيه "بنات أورشليم" (23: 28، 38).
وبجانب هذا، هناك عودة إلى مجيئه كديّان، إلى مجيئه المعادي في زمن النهاية (أع 1: 11). هذا الزمن سيأتي حين تستعد أورشليم لتهتف: مبارك الآتي باسم الرب. ولكن يكون قد فات الأوان.
هكذا نادى يسوع أورشليم فجاء نداءه بشكل تحذير وتهديد، بشكل نداء إلى التوبة. فهل تسمع أورشليم، فهل يسمع شعب الله صوت يسوع ينادي: اليوم إن سمعتم صوته، فلا تقسّوا قلوبكم؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM