ونترجَّى وننتظر

بعد الإيمان الرجاء. الإيمان يجعلنا نرى ما لا يُرى. والرجاء يجعلنا نمتلك ما ليس بعدُ في أيدينا. خيرات هذه الدنيا، نرجوها من الله. والخيرات في الآخرة من سعادة أبديَّة وحياة مع الله، نرجوها ونحن متأكِّدون أنَّ الله يمنحنا. فبالنسبة إلى الخيرات في هذا العالم، فالمسيح يقول لنا إنَّ الآب يعرف حاجاتنا وهو يعطينا قبل أن نسأله. وإن هو أرادنا أن نسأل ونطلب، لا لنبدِّل عمل الله، بل لنبدِّل قلبنا ونجعله مستعدًّا لخيرات الله مهما كانت. فهو يعرف أكثر منّا ما نحن بحاجة إليه.

ويقول لنا الرسول: إن كان الآب لم يبخل بابنه بل أعطانا إيَّاه، فماذا يمكن بعد أن يرفض لنا من خيرات أرضيَّة وسماويَّة. ويقول لنا: "نحن ننتظر من الله التبنِّي وافتداء أجسادنا. ففي الرجاء خلاصنا. ولكنَّ الرجاء المنظور لا يكون رجاء. وكيف يرجو الإنسان ما ينظره؟ أمّا إذا كنّا نرجو ما لا ننظره، فبالصبر ننتظره" (رو 8: 23-25).

ماذا نرجو، ماذا ننتظر؟ التبنِّي؟ ولكنَّنا نلنا التبنِّي، فيسعنا أن نصرخ إلى الله كما الطفل إلى والده: "أبَّا، أيُّها الآب" (آ15). فالروح يقول لنا: نحن أبناء الله. ولكن هل هذا أمر منتظر؟ كلاَّ. ونحن نرجو الخلاص. ولكنَّا أبناء الخلاص منذ الآن. "خلِّصنا". وهذا غير منظور. نحن "خلِّصنا في الرجاء". فماذا يبقى علينا أن ننتظر؟ أن ندخل في هذا الخلاص في الإيمان، وننتظره بالصبر وطول الأناة. فالله لا يعجِّل، بل يسير معنا خطوة خطوة. فألف سنة في عينيه كيوم أمسِ الذي عبر. تلك طريقته في التعامل مع كلِّ واحد منّا فينفحنا بالرجاء الذي يمنع عنَّا الإحباط واليأس. لا يريد أن نستبقه كما حاولت سارة أن تتمِّم وعد الله لإبراهيم ولها. لم يأتِ بعد ابن الموعد، فنحن نسير في طريق الزنا: "ادخُلْ على جاريتي" (تك 16: 2). ولكنَّها عرفت خطيئتها سريعًا. ثمَّ إنَّ هذا الابن الذي ولدته الجارية من إبراهيم، لن يكون ابن الموعد. الله هو من يحدِّد: "في هذا الوقت من السنة المقبلة" (تك 18: 14).

بالرجاء نتصرَّف بحسب مشيئة الله. ونتذكَّر كلام المزمور: "كما أنَّ عين العبد إلى يد سيِّده وعين الأمة إلى يد سيِّدتها، هكذا عيوننا إليك لكي ترحمنا." الرحمة أعمق عاطفة في الله. هي لا تُفرَض عليه من قبل الإنسان. وهو يعرف متى يفعل. لهذا يقول لنا: "لا تخف، أيُّها القطيع الصغير، فقد سُرَّ أبوكم أن يعطيكم الملكوت." هو سروره فلا تستبقوا هذا السرور.


رسالة القدِّيس بولس إلى أهل رومة 8: 22-30

فنحنُ عارفون أنَّ الخلائقَ كلَّها تئِنُّ وتتمخَّضُ حتّى اليومِ هذا. وليس فقط هي، بل أيضًا نحنُ الذين وُجدَتْ لنا باكورةُ الروحِ نئِنُّ في نفوسِنا وننتظرُ ذخيرةَ البنينَ وخلاصَ أجسادِنا. فإنَّ في الرجاء حياتَنا. والرجاءُ المرئيُّ ما هو رجاء. وإذ نحن لا راؤونَ إيّاه، كيف نكون مُنتظرينَه؟

أمّا إذا نحن مُنتظرونَ اللامرئيّ، فبالصبرِ نحن ثابتون. وهكذا الروحُ أيضًا هو مُساعدٌ لضعفِنا. فنحنُ غيرُ عارفينَ كيفَ نُصلّي كما هو واجبٌ، لكنَّ الروحَ هو مُصلٍّ لأجلِنا بأنّاتٍ لا موصوفة. وذاك الملامسُ القلوبَ هو عارِفٌ ما هو فكرُ الروح، الذي بحسبِ مشيئةِ الله يكونُ مُصلِّيًا من أجلِ القدّيسين. وعارفونَ نحن أنَّ أولئكَ المُحبّينَ الله هو مُساعدٌ لهم لكلِّ شيء في الصلاحِ، أولئك الذين تقدَّم فوضعَهم ليكونوا مَدعوِّين. فمن الأوَّل عرفهم ورسمهم بِشبهِ صورةِ ابنِه لكي يكونَ هو بكرَ إخوةٍ كثيرين. فأولئك الذين تقدَّم ورسم، إيّاهم دعا. وأولئك الذين دعا، إيّاهم برَّرَ. وأولئك الذين برَّر، إيّاهم مجَّد.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM