التوبة معموديَّة ثانية

قرأت الكنيسة الأولى الرسالة إلى العبرانيِّين: "لأنَّ الذين استُنيروا مرَّة واحدة (أي نالوا سرَّ العماد المقدَّس الذي هو نور للمؤمن) وذاقوا الموهبة السماويَّة (أي شاركوا في جسد المسيح ودمه، نالوا أسرار التنشئة) وصاروا شركاء الروح القدس (نالوا سرَّ التثبيت) وذاقوا كلمة الله (في التعليم الذي اعتاد عليه المعمَّدون الأوَّلون بعد خطبة بطرس) وقوَّات الدهر الآتي (فهذه القوَّات بدأت عملها منذ الآن، وذبيحة المسيح حوَّلت في العمق وضع الإنسان)، ثمَّ سقطوا، لا يمكن أيضًا تجديدهم للتوبة" (عب 6: 4-6). اعتبروا أنَّهم "صلبوا ربَّنا مرَّة أخرى. شربوا المطر ولكن بدلاً من أن يثمر ثمرًا صالحًا، أخرجوا شوكًا وحسكًا، فاعتُبروا أهلاً للعنة وفي النهاية للحريق" (آ7-8).

إذا كانت التوبة صعبة إلى هذا الحدِّ بل مستحيلة، يؤخِّر المؤمن المعموديَّة قدر المستطاع. ثمَّ إنَّ المعمَّد الذي سقط في خطيئة مميتة، كما كان الأمر بالنسبة إلى الأمبراطور تيودور، ينبغي عليه أن يقف عند باب الكنيسة، أحدًا بعد أحد، إلى أن يرى الأسقف أنَّه تاب فيُدخله ويعطيه الحلَّة عن خطاياه. وهكذا حتَّى الآن، يُعتبَر الخاطئون مثل الوثنيِّين ممنوعين من متابعة القدَّاس بعد النؤمن. كان الشماس يصرخ فيهم بأن يخرجوا فيغلق وراءهم الباب.

أمّا اليوم، ففهم الناس سرَّ التوبة أنَّه سرُّ أبوَّة الله التي تمرُّ عبر أبوَّة الكاهن. هو يستقبل الخاطئ ولا ينسى أنَّه خاطئ مثله، يعامله بالرحمة كما عامل الأب ابنه الضالّ الراجع إليه. هو ما طرح عليه سؤالاً واحدًا، بل اكتفى بأن يقبِّله ويدعوه إلى الفرح: أنت ابني وتبقى ابني. فما أجمل الكاهن حين يكون ناعمًا مع الآتين إليه. يركعون لديه. فيجب أن يتواضع ويعرف أنَّه يمثِّل المسيح. وما أجمله حين يربِّي المؤمنين بحنان ويساعدهم على التقدُّم في طريق الله: ممنوع الكذب من قبل الخاطئ والاختباء وراء إصبعه. إذا أراد أن يستعيد الطهارة التي لبسها في المعموديَّة، يضع نفسه عند "قدمي" المسيح مثل الخاطئة (لو 7: 36-51) فيرى الربُّ محبَّتنا الكبيرة ويغفر لنا الكثير. عندئذٍ نخرج من تحت يد الكاهن أناسًا جددًا وننطلق في مسيرة جديدة مثل بطرس بعد أن خان معلِّمه...

 


 

الرسالة إلى العبرانيِّين 6: 1-12

لأجلِ هذا نتركُ بدايةً كلمةَ المسيح ونأتي إلى الكمال أو لماذا أنتم أيضًا واضعونَ أساسًا آخرَ للتوبةِ من الأعمالِ الميتةِ وللإيمانِ بالله، ولتعليمِ المعموديَّةِ ووضعِ اليدِ والقيامةِ التي من بينِ الأموات والدينونةِ الأبديَّة. إذا الربُّ آذنٌ نصنعُ هذه. ولكن غيرُ قادرينَ هم أولئك الذين نزلوا إلى (جرن) المعموديَّةِ مرَّةً واحدة، وذاقوا الموهبةَ التي من السماء ونالوا الروحَ القدس. وذاقوا كلمةَ الله الطيِّبةَ وقوَّة العالمِ العتيد. الذين يخطأون أيضًا أن يُجدِّدوا ثانية للتوبة، وثانية يصلبون ابنَ الله ويهينونه. فالأرضُ التي شربَتِ المطرَ الآتي إليها مرارًا كثيرة فأنبتتْ عشبًا نافعًا لأجلِ أولئك المفلوحةِ لأجلِهم، مقتبلة هي البركة من الله. أمّا إذا هي أخرجَتْ شوكًا وعلَّيقًا فهي صائرةٌ مرذولةً وغيرَ بعيدةٍ عن اللعنة. لكنَّ آخرتَها الاحتراقُ.

ونحنُ متيقِّنون عليكم، يا إخوتي، الذين هم حسنو العبادة وقريبون إلى الحياة وإن نحن هكذا كنّا متكلِّمين. فالله ما كان ظالمًا بحيثُ ينسى أعمالَكم ومحبَّتَكم، تلك التي أظهرتُم باسمِه فخدمتُم القدّيسين وخادمون أنتم. فنحنُ مريدون أن يبيِّنَ إنسانٌ إنسانٌ منكم هذا الاجتهاد لإتمامِ رجائِكم حتّى النهاية، بحيثُ لا تيأسون، لكن تكونون منافسين لهؤلاء الذين كانوا وارثي الموعدِ بالإيمان وبإطالةِ الروح.


 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM